سياسة الرعاية الصحية والسياسات في الخليج – مجموعة العمل الثانية

Healthcare Research Initiative

أطلق مركز الدراسات الدولية والإقليمية مجموعة العمل الثانية حول سياسة الرعاية الصحية والسياسات في الخليج  يوم 8 فبراير 2015، في الدوحة، وقد اجتمع المشاركون للمرة الثانية لمناقشة نتائج أبحاثهم والاطلاع على تعليقات أعضاء مجموعة العمل الآخرين، وقد تناولت الموضوعات التي تمت مناقشتها مجموعة واسعة من القضايا الصحية بما في ذلك التحول التاريخي في الخدمات الصحية في منطقة الخليج، والصحة العقلية وإساءة استخدام العقاقير وغيرها من قضايا نتجت عن تغيير أنماط الحياة.

أوردت اللمحة التاريخية عن التحول في الرعاية الصحية في منطقة الخليج أربع مراحل متميزة، حيث كان القاسم المشترك في دول مجلس التعاون الخليجي الست، فيما يتعلق بوضع الرعاية الصحية خلال الفترة ما قبل الخمسينات، هو دور المبشرين الأمريكيين والهولنديين في إنشاء المستشفيات والخدمات الصحية. وأكد المتناقشون على أن جهود المبشرين “لم يكن القصد منها قوة التحضر وإنما كانت امتدادا للوجود البريطاني في المنطقة والموجه إلى رفد الخدمات الصحية المحدودة المتاحة.

وخلال الفترة ما بين الخمسينات والألفينات ظهرت الثروة الناتجة نتيجة لعائدات النفط القادمة مما أدى إلى دراسة وممارسة الطب في أقسام الجامعات، وفي حالة المملكة العربية السعودية، ظهر العديد من الكيانات الصحية بالتوازي مع بعضها البعض، إلا أن أنشطة الحج السنوية أجبرت الدولة على تركيز جهود الرعاية الصحية وإنشاء نظام موحد من شأنه أن يتعامل مع الأوبئة الصحية التي تظهر في النهاية نتيجة لمثل هذه الأحداث.

وحاليا نجد أن القطاع الصحي في منطقة الخليج بحاجة إلى الإصلاح وفق ما تفرضه التزمات الدول الأبوية الراعية نحو توفير الرعاية الصحية. أوضح المناقشون أن هناك نقص بالغ في المؤسسات التعليمية الطبية في الخليج، وهذا ينعكس على نوعية الأطباء والخدمات الطبية المقدمة في المنطقة. كذلك هناك حاجة لمزيد من الدراسة حول دور القطاع الخاص نظرا لعدم وجود تفسير لتحول المرضى من القطاع العام إلى مؤسسات الرعاية الصحية الخاصة.

ومن حيث الموارد البشرية في قطاع الصحة، يبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي تعاني مع القوى العاملة الخارجية، وتعد دولة الإمارات العربية المتحدة حالة فريدة من نوعها حيث أظهرت البيانات أن جنسيات الأطباء المقيمين داخل البلاد تشمل 110 دولة مختلفة، وبغض النظر عن سجلات بيانات القوى العاملة في القطاع الصحي، لا يزال جمع البيانات في الخليج متقطعا وغير دقيق، ولا يتم جمع بيانات روتينية لمنظمة الصحة العالمية في الوقت الحالي، حيث أن البيانات الفعلية التي يتم الحصول عليها هي مجرد تقديرات تقدمها المستشفيات.

كذلك فإن القيام بتطبيق عملية موحدة لتوظيف الأطباء هو أمر ضروري لأنه يوفر الضمانات الأساسية ويساعد الأطباء في المنطقة. وقد قامت الحكومة القطرية مؤخرا بوضع عمليات إعادة التصديق موضع التنفيذ لتقييم كفاءة الأطباء الممارسين والتعرف على نوعية العمل المقدم، وفي حالة القوة العاملة من غير الأطباء، فإن كثير من السكان المحليين في منطقة الخليج ينعمون بنمط الحياة الغنية الذي يغنيهم عن الانخراط في قطاع الرعاية الصحية عند عدم وجود حاجة اجتماعية واقتصادية. وغالبا ما يتم تشغيل وظائف غير الأطباء مثل التمريض أو الموظفين الفنيين من الخارج نظرا لعدم وجود المؤسسات الطبية التي تدرب الأفراد في هذه المهن.

إلا أن هذه الظروف تتغير تدريجيا فقد افتتح مؤخرا في كل من قطر وسلطنة عمان كليات التمريض لتدريب السكان المحليين والأجانب وفق احتياجات التوظيف في القطاع الصحي المحلي. وتساءل المشاركون عما إذا كان عدم وجود مواطنين في القطاع الصحي يمكن أن يعزى إلى القيود الهيكلية الديموغرافية، وما إذا كان إنشاء المدارس الطبية يعد جزءا لا يتجزأ من عملية بناء الدولة.

لا تزال الرعاية الصحية في منطقة الخليج فكرة سياسية، فتوفير الرعاية الصحية المجانية يعد وجها من وجوه العقد الاجتماعي التي توفرها الأسر الخليجية الحاكمة إلى جانب التعليم والإسكان، وعدم وجود الجهات الفاعلة غير الحكومية مثل الجماعات السياسية أو المدنية يعني أن الرعاية الصحية، كسياسة، نادرا ما تخضع لنقاش  من أسفل الهرم إلى أعلاه.

في حالة البلدان الأخرى في المنطقة، مثل لبنان، فإن الجهات الفاعلة غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني توفر حلقة مرجعية جيدة وتمنع تداخل السياسات، وفي عام 2015، بلغ مجموع ما أنفقته دول الخليج على الرعاية الصحية  مبلغ 42.9 مليار دولار، في إشارة إلى ضرورة تنمية هيكل الرعاية الصحية، وهناك أيضا ضرورة لاستكشاف المزيد حول عملية صنع السياسات في مجال الرعاية الصحية، وقد أدى تسارع الحداثة الذي تواجهه العديد من المجتمعات الخليجية إلى وجود عدد لا يحصى من المرضى الذين يعانون من مشكلات عقلية وجسدية نتيجة لأنماط الحياة غير الصحية والمترفة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن النسبة العالية للوافدين في معظم دول مجلس التعاون الخليجي تؤثر على الرعاية الصحية بشكل كبير لأن البيانات لا تفرق دائما بين السكان المحليين وغير المحليين،  ونتيجة لذلك فإن أمراضا مثل السمنة المرتبطة غالبا بالسكان المحليين قد تبدو أوبئة على الرغم من أن النسبة الإجمالية من المصابين الذين يعانون من السمنة المفرطة صغيرة نسبيا عندما يتم احتساب عدد الوافدين عند جمع البيانات.

ومن أمثلة الأمراض المزمنة المتعلقة بنمط الحياة التي ظهرت مؤخرا في المنطقة كمنتج ثانوي للثراء والتمدن السريع، أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والسمنة، وتظهر سمات هذه الأمراض متماشية مع أساليب الحياة المتغيرة في الخليج ويسلط الضوء على عدم ممارسة الرياضة وإتباع نظام غذائي عالي الدهون بوصفهما ضمن الاتجاهات الناشئة في مجال الأمراض المزمنة.

حاول المشاركون وضع توصيف للمرض المزمن في دول مجلس التعاون الخليجي، بالمقارنة مع بلدان أخرى عالية ومتوسطة الدخل، وذلك باستخدام بيانات خط الأساس لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD، وبالإضافة إلى الدراسات السابقة، فقد أظهرت البيانات أن الاضطرابات الاكتئابية الرئيسية و الإصابة في حوادث الطرق كانتا السببين الرئيسيين للإعاقة وفقا لنمط الحياة بالمقارنة مع المعايير العالمية، كذلك فإن هناك ضرورة لمزيد من حملات التوعية الصحية في الخليج، لأنه فيما يبدو هناك مستوى مرتفع من الجهل المجتمعي تجاه تأثير الأمراض المزمنة على معدلات العمر المتوقع.

كما يجب توسيع حملات التوعية لتشمل أيضا قضايا الصحة النفسية، إذ أن النسب المئوية للأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة نفسية تبلغ 25٪ فقط من السكان. بالإضافة إلى ذلك، فإن المشكلة مع مقدمي الرعاية الصحية النفسية هي أنهم يقومون بدور مقدمي الرعاية الصحية الأولية والثانوية والثالثية بدلا من عيادات الصحة النفسية وجماعات الدعم.

وفيما يتعلق بالاضطرابات الناشئة عن تعاطي المواد المسببة للإدمان في منطقة الخليج، فإن الأنماط المتغيرة في مجال التعليم والبنية العائلية قد أسهمت جميعها في الوصل إلى “الانجراف الحضري” بين السكان الشباب، الذين كثيرا ما يجدون أنفسهم غير قادرين على الانتماء والارتباط بمجتمعاتهم. إن مثل هذه المشاعر عند الشباب  قد تصبح مشكلة، لأنها قد تقود إلى التداوي الذاتي في صورة تناول كميات كبيرة من الكحول أو تعاطي العقاقير الترويحية.

غالبا ما تأتي الآراء حول اضطرابات تعاطي المواد الخدة في منطقة الخليج متذبذبة بين رأيين نقيض يقومان على اعتباره إما فجورا أو مرضا، وتستكشف المنحة الدراسية الحالية العلاقة بين توافر العقاقير ومستوى استخدامها كمخدرات وأثير جدال حول بوضع آلية متطورة لإجازة بعض العقاقير الأقل ضررا للمجتمع لمكافحة انتشار المخدرات الأكثر ضررا.

وتجدر الإشارة إلى أن وضع نظام الرعاية الصحية في الخليج قد أصبح متعدد المستويات، ويرجع ذلك أساسا إلى عدم وجود تقييم صحيح للاحتياجات الصحية للسكان، بما في ذلك الحلول الصحية على المدى القصير للعمال ذوي المهارات المتدنية. ورغم ما حققته منطقة الخليج من إنجازات اجتماعية واقتصادية كبيرة في فترة قصيرة من الزمن، إلا أن سياسات الرعاية الصحية لا تزال تصب معظم تركيزها على الصحة العلاجية ولا تهتم بتدابير الحماية والوقاية بالقدر الكافي.

مقال بقلم: هايا النعيمي- محللة أبحاث- مركز الدراسات الدولية والإقليمية