سياسات الروايات الوطنية: تطور "الثورة" في مصر
تحدثت لوري براند، أستاذ كرسي روبرت جراندفورد رايت للعلاقات الدولية والدراسات الشرق أوسطية في جامعة كاليفورنيا الجنوبية أثناء الحوار الشهري الذي عقده مركز الدراسات الدولية والإقليمية باللغة العربية- جامعة جورجتاون في 23 مارس 2015عن “سياسات الروايات الوطنية: تطور” الثورة “في مصر”. وتناول الحديث بعضا من المواضيع الرئيسية التي أوردتها في كتابها الأخير، روايات رسمية: سياسات الروايات الوطنية في مصر والجزائر، وموضحة كيفية قيام النخب الحاكمة بخلق سياق سردي وطني لأغراض سياسية.
تعرض “براند” الروايات الوطنية كقصص مجمعة سواء كانت رسمية أو شعبية، تسعى إلى تحديد هوية البلاد وتاريخها، ومهمتها باستخدام أحداث تاريخية معينة وأبطال محددين، وتظهر بها السمات الجماعية الثقافية أو اللغوية أو الدينية أو العرقية، وهذا الجزء يأتي ضمن دراسة أوسع تتناول فيها “براند” الدور الذي تلعبه الروايات في إضفاء الشرعية الوطنية في الحفاظ على النظام، وتطرح تساؤلات حول السبب والطريقة التي قد تتغير بها، وتقول “براند”: اخترت أن أبحث في مظاهر السرد” الرسمي ” فقط، ولكن حتى عند هذا المستوى فإن السرد –ذاته- يأتي ضمن مستويات متعددة، وقد يكون معقدا للغاية لأنه لا يتضمن نسخة رواية الدولة عن التاريخ الوطني فقط ، ولكن يضم أيضا مجموعة من القيم والتطلعات، وعناصر الهوية “.
و لفهم كيفية حشد سلطات الدولة للروايات الوطنية، فإن “براند” توضح أنها تعمل كقوة لإعادة إضفاء الشرعية أثناء أوقات التنازع على تداول السلطة أو التمزق السياسي. تتضمن الروايات الوطنية “خلق الماضي بصورة ” صالحة للاستعمال” وبناء التاريخ الوطني بصورة يمكن للقيادة حشدها وتوجيهها، واستخدامها عند الطلب أو الحاجة أو حال وقوع أزمة في الوقت الحاضر، ويمكن قراءة هذه الروايات ضمن مجموعة متنوعة من النصوص الرسمية وغير الرسمية السياسية والاجتماعية، والثقافية، سواء من خلال تصريحات الدولة، أو النصوص الثقافية في وسائل الإعلام، أو النظام التعليمي، وذلك ضمن العديد من الوسائل الأخرى لإضفاء نوع من التوجيه الجماعي.
وعلى وجه الخصوص، فقد قامت “براند” بتحليل سمات الرواية الرسمية عن “الثورة” في حالة مصر، وأشارت إلى أنه منذ يناير عام 2011، ربط الكثيرون مفهوم الثورة بالأحداث المصرية المعاصرة. وبذلك أصبح مفهوم الثورة جزءا لا يتجزأ من السرد الوطني المصري على مدار ما يزيد على قرن من الزمان، ويظهر قصة تأسيس الدولة الوطنية المصرية على أنها بدأت بعد يوليو 1952.
وقد اُستخدمت لغة الثورة عبر التاريخ السياسي المصري كجزء من إستراتيجية الشرعية، وخصوصا خلال تغيير النظام، سواء من خلال النضال ضد الاستعمار، أو إطاحة الضباط الأحرار 1952 بالملك فاروق، أو نضال أنور السادات لترسيخ حكمه بعد أن خلف جمال عبد الناصر، وحتى في عهد مبارك، تم استدعاء الإخلاص لثورة 1952 بصورة منتظمة خلال الخطب الاحتفالية، ولكن أهمية ذلك أخذت طريقها إلى الزوال كلما بعد النظام عن التركيز على ثورة 1952 التي نادت بالعدالة الاقتصادية والاجتماعية متجها نحو السياسات الاقتصادية لليبرالية الجديدة.
في الختام، تعود “براند” للحديث عن أحدث ما تناولته الرواية الثورية، والصراعات المحيطة بها.، فمعنى مصطلح” ثورة” قد تشكل ثم أعيد تشكيله في مصر بمرور الوقت، وتطور على مدار التاريخ المصري ليحمل معان مختلفة، مما يدل على أنه حتى إذا تمت إعادة صياغة العناصر المهمة لهذه الروايات، فإن هذه العناصر ذاتها تظل متمركزة حول الصيغ الشرعية للأنظمة أو القيادات المتعاقبة.
وبعد الإطاحة بمبارك ومرسي، ووصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة واجه الشعب المصري عددا من الروايات المتداخلة والمتضاربة للثورة أو التغير السياسي في 25 يناير و/ أو 30 يونيو وكان لزاما عليه أن يخوض غمارها، وخلصت في حديثها إلى القول بأن: هذه القضايا ليست محل اهتمام أكاديمي فحسب، وإنما هي معارك حقيقية واقعية وتمثل إلى حد كبير جزءا من الصراعات الجارية اليوم في مصر وفي أجزاء أخرى من الشرق الأوسط حول مستقبل النظام السياسي.
أدارت لوري أ. براند مركز جامعة جنوب كاليفورنيا للدراسات الدولية 1997-2000، وكلية العلاقات الدولية 2006-2009، وتشغل حاليا منصب مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط. كما شغلت “براند” منصب رئيس جمعية دراسات الشرق الأوسط في عام 2004، وترأست لجنتها الخاصة بالحرية الأكاديمية منذ عام 2006.
وحصلت أربعة مرات على منحة فولبرايت للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي باحثة بمعهد كارنيجي خلال الفترة 2008-2010، وحاصلة على درجة زميل مقيم بمؤسسة روكفلر بيلاجيو في خريف 2012، ومن مؤلفاتها: الفلسطينيون في العالم العربي (مطبعة جامعة كولومبيا، 1988) العلاقات الأردنية العربية (مطبعة جامعة كولومبيا، 1994)، المرأة والدولة والتحرر السياسي (مطبعة جامعة كولومبيا، 1998)، المواطنون في الخارج: الدول والهجرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (مطبعة جامعة كامبريدج، 2006)، الروايات الرسمية: سياسات الروايات الوطنية في مصر والجزائر (مطبعة جامعة ستانفورد، 2014).
مقال بقلم: سوزي ميرجاني، مدير ومحرر لمنشورات مركز الدراسات الدولية والإقليمية باللغة العربية