ريتشارد سكوفيلد في محاضرة حول تحويل بريطانيا منطقة الخليج إلى إقليم بعد انتهاء استعمارها لها

ريتشارد سكوفيلد في محاضرة حول تحويل بريطانيا منطقة الخليج إلى إقليم بعد انتهاء استعمارها لها

ألقى ريتشارد سكوفيلد، الخبير في دراسة النزاعات الإقليمية التاريخية، محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية التي ينظمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية حول “التحول إلى إقليم عند إنهاء الاستعمار: محاولة بريطانيا حل مشاكلها المستعصية في الخليج، 1968 – 1971” وذلك بتاريخ 5 فبراير 2013. قام سكوفيلد، المنظم لبرنامج الماجستير في الجغرافيا السياسية، والإقليمية، والأمن في كلية كينج في لندن، بتناول فترة نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي وهي الفترة التي أعلنت بريطانيا فيها عن خططها لمغادرة الخليج وإنهاء باكس بريتانيكا الإقليمية. خلال هذه الفترة، أثيرت العديد من القضايا الإقليمية والنزاعات الجارية التي دفعت بريطانيا لمواجهتها قبل مغادرتها. يقول سكوفيلد: “واجهت بريطانيا في نهاية الستينيات مجموعة كاملة من المشاكل الإقليمية بين الدول المحمية، وبين الدول المحمية وجيرانها”.

من خلال دراسة الوثائق التي أفرجت عنها الخارجية البريطانية مؤخراً، سلط سكوفيلد الضوء على مجموعة من النزاعات التي حدثت في أواخر الستينيات، بما يشمل المخاوف في شمال الخليج والتي استمرت منذ الثلاثينيات مع النزاع الحدودي بين الكويت والعراق، وتحديداً، مع تقاطع الحدود والمطالب الإقليمية بين أبوظبي، والمملكة العربية السعودية، وقطر وعلاقتها مع إمكانية الوصول إلى ممر خور العديد.

سعت بريطانيا قبل رحيلها إلى حث دول الخليج على زيادة التعاون بعضها مع بعض، وحاولت المساهمة في عملية تجميع مستقبلي للدول العربية على الجانب الغربي من الخليج فيما أطلق عليه مصطلح “الخلجنة”. لتحريك هذه القضايا الإقليمية، اقترحت الولايات المتحدة حل العديد من النزاعات في وقت واحد أي كحزمة نزاعات، وتضمن هذا المقترح طلباً من شاه إيران لإسقاط مطالبته بالبحرين، وأن تساعد بريطانيا إيران في الحصول على ملكية جزر في الخليج الأدنى، وأن يتم توقيع اتفاقية الحدود البحرية بين المملكة العربية السعودية وإيران ما يسمح لشركات النفط بتطوير المنطقة. وأوضح سكوفيلد “أحد أهم الأمور التي أقلقت الولايات المتحدة في تلك الفترة كان فشل المملكة العربية السعودية وإيران في وضع اللمسات الأخيرة على اتفاقية الحدود ليتمكنوا من فتح المجال أمام احتياطات الهيدروكربون في شمال الخليج”. ومع اقتراب نهاية الستينيات تم الكشف بسرعة عن هذه الصفقات وبات إتمامها غير ممكناً.

تناول سكوفيلد حالة دراسية معينة وهي اتفاقية الحدود “الغريبة” الموقعة بين المملكة العربية السعودية وأبوظبي في عام 1974. وبحسب سكوفيلد، تمثلت الطريقة الوحيدة لفهم هذه الاتفاقية بالغوص في التاريخ المعقد للنزاع. “كانت اتفاقية عام 1974 غريبة ]…[ نظراً للطريقة التي تم التعامل بها في ترسيم الحدود البرية والبحرية” لأنه وعلى الرغم من أن معظم الأراضي تقع ضمن حدود أبوظبي، فقد نصت الاتفاقية على اعتبار كل المخزون الهيدروكربوني ملكاً للمملكة العربية السعودية. وبالمثل، فقد نصت اتفاقية الحدود البرية على إمكانية إنشاء المملكة العربية السعودية لمنشآت عسكرية على بعض الجزر التابعة لأبوظبي.

وما زاد من تعقيد الاتفاقية أنه قد سبق وتم التفاوض على الحدود البرية والبحرية في أوقات مختلفة وبنتائج مختلفة. يقول سكوفيلد: “كان وضعاً غريباً وفوضوياً – لا يمكن أن ترى مثيلاً له في أي مكان آخر”. وفي الوقت الذي تحملت فيه بريطانيا مسؤولية أقل تجاه العلاقات الخارجية للدول المحمية، فإن الكثير من هذه الاتفاقيات الإقليمية قد تم توقيعها دون موافقة بريطانيا. وأضاف سكوفيلد “ننتقل إلى موقف آخر يفتقر للمنطق حين كان ينظر إلى الحدود البرية الجنوبية لقطر على أنها شأن سعودي، واعتبار حدودها البحرية الجنوبية الشرقية على أنها شأن بريطاني.

في الختام، قال سكوفيلد إن الحدود الإقليمية في الخليج وضعت بشكل تقليدي وفقاً لاتفاقيات “ثقافية وتاريخية”. تاريخياً، مارست دول الخليج سيطرة على العقد غير الخطية من الأرض بدلاً من المساحات الواسعة للمناطق الممتدة. لذلك لا تبدي دول الخليج دوماً احتراماً للحدود الحديثة وقد ينظر لها على أنها مصدر للتقسيم وللخصومات السياسية والتنافسية. كما أن المخاوف الاقتصادية والسياسية الحديثة ومقتضيات التوزيع القانوني للموارد الهيدروكربونية وفقاً للحدود المرسومة بوضوح لا تتناسب مع مطالب الخليج التقليدية في الأرض والموارد.

عرف ريتشارد سكوفيلد بشكل واسع كأكاديمي رائد في مجال الحدود الدولية للجزيرة العربية والمنطقة المحيطة بها. كتب سكوفيلد بشكل موسع عن الجوانب الإقليمية للمملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج الفارسي. وكان قد عمل كمستشار في النزاعات الإقليمية لصالح حكومات باربادوس والبحرين والأردن واليمن، وأيضاً لصالح وحدة دعم المفاوضات في منظمة التحرير الفلسطينية في رام الله.

المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.