روسيا والشرق الأوسط - مجموعة العمل الأولى
عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية، يومي 20 و21 يناير 2019، مجموعة العمل الأولى في إطار مبادرته البحثية حول موضوع “روسيا والشرق الأوسط”. واجتمع الباحثون على مدى يومين لمناقشة جوانب شتى من العلاقات بين روسيا والشرق الأوسط، منها “مسؤولية الحماية” الروسية في الشرق الأوسط؛ و”الديمقراطية السيادية” الروسية، واستثمارات دول الشرق الأوسط في روسيا، والهجرة بين روسيا والشرق الأوسط، وداعش في شمال القوقاز، والعلاقات بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي، والحرب الأهلية اليمنية، والعلاقات بين روسيا وإيران وبين روسيا والمغرب العربي.
استهلّ روي أليسون مناقشات مجموعة العمل بعرض حول موضوع “’مسؤولية الحماية‘ الروسية مقابل الغربية في الشرق الأوسط”. وقال إن مفهوم مسؤولية توفير الحماية ضيق للغاية لفهم التنافس في الادعاءات المعيارية بين الدول الغربية وروسيا في الشرق الأوسط. وأضاف أن الشرق الأوسط إن هو إلا حلبة من حلبات أخرى تتنافس فيها روسيا والغرب على المعايير الدولية المتعلقة بالسيادة والحقوق، فضلاً عن العدالة الدولية والنظام الدولي. وفي سياق وثيق الصلة بهذا النقاش، قال أليسون إن الغرب ليس كتلة واحدة من حيث الادعاءات المعيارية في المنطقة، إذ يبدو حاليًا أن عددًا من الدول الغربية، مثل الولايات المتحدة، انسحب انسحابًا طفيفًا. وسلّط أليسون الضوء على عدد من المجالات التي يمكن أن تخضع لدراسة معمقة، منها: كيفية تلقي دول الشرق الأوسط الادعاءات القانونية والمعيارية الروسية، والجدل حول الادعاءات القانونية الدولية، وتطوير القوانين والقواعد المتعلقة بالطائرات المسيّرة، وغيرها من الجهود المبذولة لمحاربة الإرهاب العابر للحدود.
وعلى إثر عرض أليسون، قدّم فياشيسلاف موروزوف عرضًا حول موضوع “آفاق ’الديمقراطية السيادية‘ الروسية في الشرق الأوسط”. وجادل موروزوف بأن التفكير في الديمقراطية السيادية لا يزال قائمًا في نهج السياسة الخارجية الروسية، وإنْ كانت روسيا لا تروّج بنشاط للديمقراطية السيادية باعتبارها مبدأ بالقوة نفسها التي كانت تروّج لها بها في السابق. ومن غير اليسير أن نحدّد إنْ كانت الديمقراطية السيادية نموذجًا للحكم يتطور في روسيا أم إنها أيديولوجية لا أكثر. وتتسم الديمقراطية السيادية بتدخل الدولة المباشر في إدارة شؤونها، وينصب التركيز في “الديمقراطية السيادية” على السيادة، لا على الديمقراطية. أما أساسها المنطقي فهو أن الحقوق الفردية لا يمكن حمايتها إلا عندما تكون الدولة قوية وقادرة على أن تكون في طليعة المدافعين عن الحقوق. وتُفهم السيادة، وفق نسق التفكير هذا، بأنها لا تقوم على التدخل. لكن بالنظر إلى أن الديمقراطية هي مؤشرٌ فارغ، شأنها في ذلك شأن “الإنسانية”، فإن روسيا تشكك في عالمية الدساتير الدولية. وأخيرًا، تناول موروزوف بالنقاش مدى قابلية النموذج الروسي للديمقراطية للتطبيق في الشرق الأوسط.
وحوَّل جانير باكير مناقشات مجموعة العمل نحو موضوع “روسيا: سوق ناشئة لاستثمارات الشرق الأوسط؟” وقال باكير إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة لدول الشرق الأوسط في روسيا في ازدياد، لا سيما استثمارات الإمارات العربية المتحدة. لكن نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة لدول الشرق الأوسط من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة الواردة إلى روسيا لا تكاد تذكر. ويثير هذا الواقع تساؤلات حول الشركات المتعددة الجنسيات في الشرق الأوسط. واقترح باكير العديد من المجالات ذات الصلة التي تستحق الدراسة في ما يتعلق بالشركات المتعددة الجنسيات في الشرق الأوسط. ومن هذه المواضيع: ديناميكية الشركات المتعددة الجنسيات ودوافعها وتحدياتها؛ وأثر الشركات المتعددة الجنسيات في بيروقراطية الدولة؛ واختلاف سلوك الشركات المتعددة الجنسيات من قطاع إلى آخر؛ والمزايا التنافسية للشركات المتعددة الجنسيات في الشرق الأوسط؛ وما يمكن أن تقدمه الشركات المتعددة الجنسيات في الشرق الأوسط للاقتصاد الروسي.
وناقش أندريه كوروبكوف وجهًا آخر من أوجه العلاقات بين روسيا والشرق الأوسط، لا سيما: “أنماط الهجرة المعاصرة بين روسيا والشرق الأوسط”. وذكر كوروبكوف أن روسيا والشرق الأوسط، نظرًا لتاريخهما المتعدد الأعراق، كانا دائمًا فاعلين رئيسيين في أنماط الهجرة العالمية. لكن دول الشرق الأوسط وروسيا، خاصةً مع إنشاء الدولة الحديثة في الشرق الأوسط وانهيار الاتحاد السوفيتي، اتبعتا نموذج الهجرة الأوروبي، من خلال وضع سياسات تجنيس صارمة. وأضاف كوروبكوف أنه في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد أبناء الشرق الأوسط الذين يهاجرون إلى روسيا – كطلاب أو طلاب سابقين أو لاجئين أو أزواج لمواطنين ومواطنات روس – فإن ما بين 2% و3% فقط من الروس الذين يعتزمون مغادرة روسيا يقولون إنهم يريدون الهجرة إلى الشرق الأوسط. وأخيرًا، ذكر كوروبكوف أن العوامل البيئية والسياسية ستظل عامل دفعٍ للهجرة من الشرق الأوسط إلى روسيا.
من جهته، ركّز سيرجي ماركيدونوف النقاش على “روسيا، والدولة الإسلامية، وولاية القوقاز”. وجادل ماركيدونوف بأن للشرق الأوسط أهمية رمزية في السياسة الخارجية الروسية، لا سيما في ظل استمرار النزاع السوري. فقد اكتشفت روسيا آفاقًا جديدة في الشرق الأوسط يمكن أن تساعدها في رغبتها في التنافس مرة أخرى على الهيمنة العالمية مع الولايات المتحدة. وإلى جانب المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة، قال ماركيدونوف إن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) محرك رئيسي آخر وراء التدخل الروسي الأخير في الشرق الأوسط. ويُنظر إلى داعش باعتبارها واحدًا من أهم التهديدات الأمنية التي تواجه روسيا. فقد أضحى ولاء شمال القوقاز لداعش، وإنشاء ولاية القوقاز أولوية أمنية للحكومة الروسية. وعمّق ماركيدونوف البحث والاستقصاء ليشمل العلاقات بين الدولة والإسلام في روسيا.
وحوّل نيكولاي كوزانوف وجهة النقاش صوب موضوع “دوافع العلاقات بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي بعد عام 2011.” ورغم أن الاتحاد السوفيتي كان دائمًا مهتمًا بإقامة روابط أوثق مع دول الخليج لأسباب جيو-استراتيجية، فقد كانت العلاقات بين الاتحاد السوفيتي ودول الخليج العربية مضطربة بسبب الخلافات الأيديولوجية. وبسقوط الاتحاد السوفيتي، ولاسيما مع صعود فلاديمير بوتين إلى السلطة، بدأت روسيا تسلك نهجًا أكثر براغماتية في سياستها الخارجية. وجادل كوزانوف بأن روسيا كانت تحاول خلال السنوات القليلة الماضية التقارب مع الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وهي محاولة يمكن أن تحقق نجاحًا كبيرًا. لكن كوزانوف أكد أن روسيا ليس لديها خبرة دبلوماسية في التعامل مع دول مجلس التعاون الخليجي، باستثناء الكويت إلى حد ما. والدافع إلى هذا التقارب هو مصالح روسيا الاقتصادية والأمنية على خلفية العقوبات المفروضة عليها وعلاقاتها مع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وسعي الحكومة للحفاظ على أسعار النفط المرتفعة. وشدّد كوزانوف على حجّة أن الرغبة في التقارب بين روسيا ودول الخليج العربي ليست أحادية الجانب. فبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، تعدّ إقامة علاقات أفضل مع روسيا أمرًا مهمًا بالنظر إلى مشاركة روسيا المتزايدة في الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا. أما بخصوص إنتاج النفط والغاز، فمن مصلحة المملكة العربية السعودية أن “تتراقص” روسيا بتناغم حول أوبك. كما أن المملكة العربية السعودية مهتمة بتنويع اقتصادها. ولبلوغ هذه الغاية، يمكن أن تكون روسيا مستثمرًا محتملاً ومصدّرًا للغاز الطبيعي المسال بالنظر إلى العلاقات السعودية الحالية المضطربة مع قطر، المصدّر الرئيسي للغاز الطبيعي المسال إليها. ومع ذلك، من المهم عدم حصر العلاقة الاقتصادية بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي في النفط والغاز فقط. فقد طورت روسيا أيضًا علاقات اقتصادية في مجال التكنولوجيا العالية الدقة والزراعة في المنطقة. وفي الختام، اقترح كوزانوف أن علاقات روسيا الوثيقة مع إيران ستظل عقبةً تحول دون توطيد علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي. وهناك تعقيدات أخرى ناتجة عن الخلاف الجيو-سياسي الحالي بين قطر وجيرانها، حيث تتردد روسيا في الاصطفاف مع طرف بعينه في هذه المسألة.
بدوره، ركّز صموئيل راماني نقاشه على موضوع “روسيا والحرب الأهلية اليمنية”، فجادل بأن روسيا كانت مترددة في الاصطفاف مع طرف بعينه في اليمن، على نقيض سوريا. ومع ذلك، فقد حاولت جلب الأطراف المتصارعة إلى طاولة الحوار. وكانت روسيا تعتمد في مثل هذه المحاولات على علاقاتها التاريخية مع اليمن، وخاصة اليمن الجنوبي. لذلك، يرى راماني أنه ينبغي، عند دراسة دور الوساطة الروسية الحالي في اليمن، النظر إلى دور الاتحاد السوفيتي في الحرب الأهلية اليمنية وتوحيد اليمن في عام 1990. وزعم راماني أن من مصلحة روسيا الاستراتيجية أن يكون اليمن مستقرًا، إذ سيتيح لها ذلك أن تستخدمه قاعدةً بحريةً لاستعراض قوتها في البحر الأحمر. بالإضافة إلى ذلك، وجدت الإدارة الروسية طرقًا لإبراز قوتها الناعمة واستثمارها لإعادة تقديم نفسها باعتبارها فاعلاً رئيسيًا في المؤسسات الدولية والمفاوضات المتعددة الأطراف. وقد تجلّت هذه المحاولات التي تقوم بها الإدارة الروسية الحالية بوضوح في معالجة روسيا للوضع الإنساني في الحديدة، وإرسالها قافلة إنسانية لتلميع صورتها في الشرق الأوسط، وعرض صورة أفضل من صورة الولايات المتحدة “المدمرة” دوليًا. وأضاف راماني أن التعاون الدبلوماسي الروسي مع المتمردين الحوثيين موضوعٌ يستحق الاستكشاف. فقد حافظت روسيا باستمرار على موقفها من دعوة الحوثيين إلى طاولة المفاوضات مع دعم حظر الأسلحة وانتقاد الهجمات الصاروخية التي يقوم بها الحوثيون على السعودية واغتيال علي عبد الله صالح. ومع ذلك، يبدو أن لدى روسيا صورةً مفصلة عن الحوثيين، إذ يميّز الروس بين الحوثيين المتطرفين والزعيم الحوثي. وجادل راماني أيضًا بأنه يبدو أن هناك تآزرًا ظاهريًا بين إيران وروسيا فيما يتعلق بالحلول المتصورة للحرب الأهلية اليمنية. فكلا البلدين يفضّل الحوار الدبلوماسي ويعارض التدخل العسكري الأمريكي.
وعمّق غونشي تَزميني النقاش حول العلاقات الروسية الإيرانية بعرض حول موضوع “إيران: شريك استراتيجي أم ثِقَل موازي مؤقت”؟ وزعم تزميني أن العلاقة بين إيران وروسيا، على الأقل ظاهريًا، غير متسقة. وهناك قدرٌ من الغموض حول جودة العلاقات الروسية الإيرانية ومتانتها. وهذا الغموض أثارته أعمالٌ من قبيل تأخّر روسيا في بناء مفاعل ماء خفيف تم التعاقد على بنائه في إيران من 1995 إلى 2003، والتأخّر في تسليم منظومة صواريخ إس-300 الروسية، التي أرسلت بعد عقد من الزمن. وفي الوقت ذاته، دعمت روسيا الاقتصاد الإيراني بدعوتها إلى المشاركة في قمة منظمة شنغهاي للتعاون في أستانا، ودعم اتفاقية التجارة الحرة المؤقتة لمدة ثلاث سنوات بين إيران والاتحاد الاقتصادي الأوروبي الآسيوي في عام 2018. أما إيران فقد سمحت قيادتُها بنزول الجنود الروس على أرضها، ولا ريب أن ذلك يتناقض مع السردية الثورية الإيرانية المعادية للإمبريالية. كما زعم تَزميني أن العلاقات الروسية الإيرانية تطورت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. ومنذئذ، زادت العلاقات الروسية الإيرانية كثافة وعمقًا. ثم شدّد تَزميني على أهمية دراسة العلاقات الروسية الإيرانية من منظور الأفكار والتفضيلات والهويات.
واختتم يحيى الزبير مناقشات مجموعة العمل بعرضٍ حول موضوع “اللحظة الروسية في المغرب العربي”. وقال الزبير إن الجزائر كانت تاريخيًا، خصوصًا إبان عهد الاتحاد السوفيتي، الشريك الوحيد للسوفيات في منطقة المغرب العربي. وقد يجادل البعض بأن ليبيا كانت متحالفة مع السوفيات، إلا أنها لم تكن كذلك. وفي السنوات الأخيرة، كانت روسيا تسعى إلى دخول المغرب الكبير، إذ ترى في بلدان المغرب العربي شريكًا اقتصاديًا محتملاً. وهكذا، تجري الحكومة الروسية محادثات حول إنشاء منطقة تجارة حرة في المغرب، وأبرمت مؤخرًا عدة عقود مع دول المغرب العربي، تشمل اتفاقيات زراعية مع المغرب؛ واتفاقيات سياحية مع المغرب وتونس؛ واتفاقات بشأن النفط والغاز، والتعاون في البنية التحتية مع الجزائر. وأوضح الزبير أن من أسباب اهتمام روسيا المتزايد بالمغرب الكبير أن الروس، على خلاف الأمريكيين والصينيين، يعُدّون منطقة المغرب الكبير امتدادًا للمشرق، وبالتالي فإن أهميتها نابعةٌ من أهمية الشرق الأوسط بالنسبة إلى المصالح الروسية. زِدْ على ذلك أن المغرب العربي جزء من منطقة البحر الأبيض المتوسط، وهي منطقة لروسيا مصالحُ فيها. وزعم الزبير أن روسيا تعتمد في إقامة علاقات أقوى مع الدول المغاربية على شركات النفط والغاز الروسية العاملة في الجزائر وعلى علاقاتها مع الجيش الجزائري.
المشاركون والمناقشون:
- روي أليسون، جامعة أكسفورد، المملكة المتحدة
- زهرة بابار، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- جانير بكير، جامعة كوتش، تركيا
- إسلام حسن، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- مهران كامرافا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- أندريه كوروبكوف، جامعة ولاية تينيسي الوسطى، الولايات المتحدة
- نيكولاي كوزانوف، الجامعة الأوروبية، روسيا
- سيرجي ماركيدونوف، الجامعة الحكومية الروسية للعلوم الإنسانية
- سوزي ميرغني، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- فياشيسلاف موروزوف، جامعة تارتو، إستونيا
- صموئيل راماني، جامعة أكسفورد، المملكة المتحدة
- غونشي تزميني، معهد لندن للشرق الأوسط التابع لكليّة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن
- إليزابيث وانوشا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- يحيى الزبير، كلية كيدج للأعمال، فرنسا
مقال بقلم إسلام حسن، محلل أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية