جوديث تاكر في محاضرة عن العولمة بطراز القرن الثامن عشر
ألقت جوديث تاكر، أستاذ التاريخ في كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر، ورئيس التحرير السابق للمجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط، محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية، وذلك بتاريخ 7 أبريل 2010 حول موضوع “العولمة بطراز القرن الثامن عشر: مغامرات سليم الجزائري”.
قدمت تاكر بحثها عن السيرة الذاتية للشخصية التاريخية المراوغة، سليم، وأشارت إلى أن المشروع لا يزال قيد الإنجاز لأنها تقوم بفرز مجموعة متنوعة من البيانات التاريخية والسجلات وقصص الرحلات والرسائل وغيرها من مواد القرن الثامن عشر لبناء سيرة لحياة الرجل. من خلال تتبع سجلات شتى رحلات سليم القسرية وغير القسرية عبر البحر الأبيض المتوسط، والمحيط الأطلنطي، تقول تاكر إنها كانت مفتونة بهذه “الدراما الاستثنائية للعلاقات بين المناطق النائية وتشريد من قد نعتبره ضحية بائسة للعولمة بأسلوب القرن الثامن عشر”.
التقت تاكر للمرة الأولى باسم سليم، الذي ورد ذكره في السجلات التاريخية باسم “سليم الجزائري”، عبر دراسة مجموعة من حكايات الأبالاش ومن سجلات خاصة. تروي هذه السجلات، بحسب تاكر، حكاية رجل ولد ابناً لمسؤول عثماني وامرأة من السكان المحليين في الجزائر. أثناء عودته إلى منزله في الجزائر، بعد وقت كان قد أمضاه في الدراسة في اسطنبول، يتم اختطاف سليم من قبل قراصنة إسبانيين غرب البحر الأبيض المتوسط في منتصف القرن الثامن عشر، وينقل إلى سفينة شحن فرنسية متجهة إلى نيو أورليانز، ثم يباع في سوق النخاسة للعمل في مزرعة محلية. بعد مضي عام، يتمكن سليم من الهرب ويفر باتجاه الشمال ليتم الإمساك به من قبل قبيلة الشاوني في وادي أوهايو. يتمكن من الفرار مرة أخرى ويكاد أن يقضي في الغابة قبل أن يتم إنقاذه من قبل مستوطن إنكليزي كان في رحلة صيد. يصطحبه المستوطن الإنكليزي إلى منزله في ولاية فرجينيا الغربية حتى يستعيد قوته ويتعلم ما يكفي من الإنكليزية ليخبره بقصته ويعبر له عن رغبته بالعودة إلى موطنه الجزائر. يرسله مضيفه إلى وليامزبورج، وهي العاصمة المحلية للمستعمرة، حيث يتلقى رعاية النبلاء المحليين الذين يساعدوا في تمويل عودته إلى موطنه، وتبدأ رحلته إلى لندن. يختفي ذكر سليم عند هذه النقطة في السرد التاريخي لعدة سنوات لكنه يظهر مجدداً في وليامزبورج بعد عودته من قضاء وقت في الجزائر. توضح تاكر أن ذكر سليم يرد الآن كرجل تغير وعانى من خيبات أمل كبيرة. يستقر سليم في فرجينيا في حماية النبلاء المحليين للمرة الثانية، ويكتسب سمعة رجل مسالم غريب الأطوار يتأرجح على حافة العقل ثم ينجرف في الغموض. تقول تاكر: “يبدو أن القصة تحتوي كل شيء القرصنة والأسر والعبودية والخلاص”.
تقول تاكر إن فصلاً واحداً في القصة قد حيرها، وهو “لماذا تمتع سليم بنجاح اجتماعي معين في أوساط طبقة النبلاء في فرجينيا”. ثم لفتت إلى أن السبب قد يعزى إلى أن سليم كان متعلماً بشكل جيد وعلى دراية باليونانية، التي اعتبرت دلالة على الشرف والنخبوية والنبل.
أشارت تاكر إلى أنه ليس ثمة شك بأن سليم كان موجوداً، لكن أجزاء كثيرة من القصة ما تزال غامضة، ومن الممكن أن لا تظهر الحقيقة أبداً. تقول تاكر: “على الرغم من ذلك، وسواء وجدت مواداً إضافية عن سليم التاريخي أم لا – وأنا لا زلت أبحث في الأمر – أعتقد بأن هذه القصة تستحق أن تروى، خاصة لجمهور اليوم، لأنها تقدم تاريخ عولمة القرن الثامن عشر بشكل مختلف”. وأضافت: إذا كانت العولمة “موضوع محادثات متعددة أكثر منها منافسات منظمة وثابتة”، إذاً فهي ليست مجرد ظاهرة في العصر الحديث قائمة على الشبكات الافتراضية للاتصال الفوري ومفاخر التكنولوجيا، لكنها واضحة من خلال الروابط العالمية الموجودة آثارها عبر القصص مثل قصة سليم”. تابعت تاكر قائلة: “لقد وجد المؤرخون أن العولمة مفهوم مفيد لفهم التحولات طويلة الأمد “، في الواقع “كان القرن الثامن عشر فترة مهمة جداً لتشكيل العالم بالصورة التي نعيش فيها الآن”.
ذكرت تاكر أنه يمكن تعريف العولمة من خلال أبعاد ثلاثة واسعة لها. أولها المادي، الذي يعرف بالحركة الفيزيائية للبضائع والأشخاص عبر أنظمة نقل فعالة بشكل متزايد والتي “تقلص حجم العالم”. أما البعد الثاني فهو ما يمكن تعريفه بالزماني- المكاني، الذي يشير إلى القوة والسرعة في الاتصالات العالمية المعززة عن طريق البنى التحتية والمؤسسات والمعايير. في حين أن الثالث هو الإدراكي الثقافي، الذي يعرف بتدفق الأفكار والأذواق والرغبات في خيال عالمي ليقود إلى “التفاهمات المهيمنة لتصميم ومصير العالم ككل”. تابعت تاكر أنه من المهم أن نلاحظ أن “الحديث العولمة، ما يزال حتى اليوم منحازاً لأوروبا بعدة طرق. دائماً ما يقال إنها قصة التوسع الأوروبي على حساب وجهات النظر الأخرى.
تقول تاكر: “يضفي عرض قصة سليم عبر منظور العولمة الوضوح والتعقيد على سرد عولمة القرن الثامن عشر بجميع أبعادها – المادي والمكاني والزماني والثقافي. وأضافت: “في الواقع، لا يمكن التفكير بقصة سليم خارج الإطار العالمي”. “إذا كانت ظاهرة العولمة تتناول الحركة الفيزيائية للأشخاص والبضائع على مستوى العالم، فسليم مثال ممتاز على كليهما: شخص تم تحويله إلى سلعة ثم قذف من عالمه في البحر الأبيض المتوسط إلى فضاء عالمي عبر المحيط الأطلنطي”. وتلفت تاكر إلى أنه على الرغم من ذلك، فالقصة تزيد من تعقيد معايير التوسع الأوروبي “فسليم لم يندمج في النظام الاقتصادي العالمي كجزء من الأنماط المعترف بها في توظيف العمال، وإنما كان نتاجاً للصراع على السيطرة الإقليمية ذات الصلة بالعولمة المتنازع عليها في البحر الأبيض المتوسط.
تقول تاكر “يذكرنا الوضع المعقد في منطقة الشرق الأوسط في زمن سليم بأن تأسيس الأنماط المادية للعولمة قد تم بطرائق أكثر سلاسة، وتنافسية، ودون نتائج مؤكدة أكثر مما نظن أحياناً”. وأشارت إلى أن العولمة في قصة سليم بعيدة جداً عن الانتشار اللطيف لأفكار التنوير”. بدلاً من ذلك “يمكن أن يقال أنها قصة نزوح كبير وتهميش للتراث العربي الإسلامي العالمي التي مثل سليم شخصية الوريث الفكري لها”.
تعرفت تاكر خلال أبحاثها، إلى نسخ مختلفة من قصة سليم، تعاد رواية كل منها بهدف ثقافي معين. كما أصبحت حكاية سليم خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، قصة تحول إلى المسيحية وقد تمت إعادة نسجها لتناسب “تصوراً عالمياً” معيناً، ولتساعد على تعزيز الانقسام والصراع بين المسيحية والإسلام. أنهت تاكر الحديث بالقول “إن قصة سليم المنقحة تعيده إلى ما يشبه التصور العالمي حول انتشار المسيحية – وهي تعديل لقصة سليم يشير إلى التحول في القرن التاسع عشر إلى مشاركة أقل انتقائية وأكثر محدودية مع العالم”.
جوديث تاكر (دكتور في التاريخ ودراسات الشرق الأوسط، جامعة هارفارد) أستاذ التاريخ ورئيس التحرير الأسبق للمجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط.
تركزت اهتمامات تاكر البحثية على العالم العربي في الفترة العثمانية، والمرأة والنوع الاجتماعي في تاريخ الشرق الأوسط، والشريعة الإسلامية، والمرأة، والنوع الاجتماعي. تعمل تاكر حالياً على مشروع يستكشف العولمة والشرق الأوسط في القرن الثامن عشر. لتاكر العديد من المؤلفات عن تاريخ المرأة والنوع الاجتماعي في العالم العربي.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.