برندان هيل في محاضرة عن الخطيئة والمجتمع المدني

برندان هيل في محاضرة عن الخطيئة والمجتمع المدني

ألقى برندان هيل، العميد المساعد لشؤون الطلاب في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون قطر، محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية التي ينظمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية حول “الخطيئة والمجتمع المدني: الحداثة والنظم الأخلاقية في إنجلترا في القرن الثامن عشر” وذلك بتاريخ 6 أبريل 2011. حضر المحاضرة عدد من الطلاب وأعضاء الهيئة التدريسية والسفراء المقيمون وغيرهم من أفراد المجتمع القطري.

من خلال تدريبه كمؤرخ قانوني، يقول هيل إنه لم يخطط لدراسة الأخلاق والخطيئة في بحثه، لكنه سرعان ما انهمك في موضوع تجريم سلوكيات القرن الثامن عشر وبدأ بالتعمق في دراسة هذا الموضوع. يركز بحث هيل على تحولات وحركة الولاية القضائية بعيداً عن المحاكم الكنسية باتجاه المحاكم العلمانية، وعلى ما أنتجه هذا الشكل الجديد للسيطرة القانونية، لا الدينية، وصياغة السلوكيات من تأثيرات مختلفة على المجتمع، وأشار هيل إلى تناقض في جوهر بحثه وهو أن القرن الثامن عشر قد عرف على نطاق واسع بأنه عصر التنوير وتنامي العلمانية، مع ذلك، يقول هيل إنه خلال هذا الوقت كان هناك عدد متزايد من الملاحقات القضائية لجرائم أخلاقية موثقة ضد بروتستانتيين ينتمون لحركة تسمى جمعية إصلاح الأخلاق.

على الرغم من عدم وجود تعريف موحد للبروتستانتية، يقول هيل: ثمة توافق عام في الآراء بين المؤرخين أن البروتستانتيين يعتقدون أن المجتمع يجب أن يخضع للترتيب وفقاً لمدونة أخلاقية مستمدة من الكتاب المقدس. وفقاً لمذهب كالفن “الكنيسة ترشد والدولة تفرض”. أما السبب خلف أهمية تنميط المجتمع المدني بالنسبة للبروتستانتيين، فبرأي هيل، لأنهم كانوا يعتقدون أن شعور شخص واحد بالذنب كفيل بإثقال كاهل جميع أفراد المجتمع بهذا الوزر. وأضاف هيل موضحاً: “إن كان الذنب والحكم جماعياً، فإن الجرائم التي يرتكبها عدد قليل منا كافية لهز العرش وإنزال غضب الله على المجتمع بأسره. لذلك، في حال أصبح مفهوم الخطيئة مفهوماً جمعياً، فإن مفهوم العقاب سوف يصبح مفهوماً جمعياً أيضاً”.

سلط هيل الضوء على المساهمات الرئيسية الثلاث التي قدمها بحثه لدراسة تاريخ القانون والكنيسة. أول مساهمة هي تعزيز فهم عملية الحركة العلمانية التي جرت في إنجلترا في القرن الثامن عشر، والتي أدت إلى إشكالات حول فكرة أن تنوير أوروبا كان خطوة كاملة مبتعدة عن الدين وتدور في فلك العقل. يقول هيل: “يميل المؤرخون وعلماء السياسة اليوم إلى التسليم جدلاً بأن المجتمع الإنجليزي – والمجتمع الأوروبي أساساً – هو مجتمع علماني” وأنه سعى بجد لاستبدال العقل بالخيال الديني وللفصل بين الكنيسة والدولة. ويضيف: “تشير أبحاثي إلى مقدار أقل من “العلمانية” لدى المخيلة الأوروبية ومقدار أكبر من “تقديس” المجتمع المدني. فبدلاً من أن تصبح إنجلترا علمانية في القرن الثامن عشر، كانت ما تزال في طور الخلط بين العلمانية والنص المقدس”.

أما المساهمة الثانية التي قدمها بحثه فقد كانت تسليط الضوء على حقيقة أن البروتستانتيين والبروتستانتية لم يختفوا تماماً بالطريقة التي تشير إليها أدبيات التجديد. عادة ما يصور المؤرخون البروتستانتيين على أنهم شخصيات كوميدية لم يعد لها أي صدى في الكيان السياسي خلال القرن الثامن عشر. مع ذلك، فقد أشار هيل إلى أن الحركات البروتستانتية قد وجدت في الواقع وسيلة أكثر فاعلية لتوجيه جهودها لإصلاح المجتمع من خلال “استعمار المجتمع المدني”، والتسلل إلى الدولة العلمانية الناشئة باعتبارهم  أعضاء برلمان منتخبين رسمياً.

أما المساهمة الثالثة فقد تمثلت، بحسب هيل، بالتشكيك بفكرة التقدم الإيجابي، حيث يقول: “ثمة فكرة تشير إلى أن المجتمع المدني يجلب التقدم وأن المجتمع المدني يقضي على الأشكال القديمة، وأن المجتمع المدني يشقّ طريقه مخلّفاً التقاليد خلفه ومتجهاً نحو الحداثة”. إلا أن هيل يقول: من شان تعقيدات المجتمع المدني أن تعني أن التشكيل الجديد لهذا المجتمع لا يمكن أبداً أن يكون بعيداً جداً عن أيديولوجية التشكيل السابق. ومن المفترض أن كل مجتمع ليبرالي يمتلك عناصر قوية من التيار المحافظ ضمن المزيج المكون له. وأضاف هيل أنه يدرس “المجتمع المدني في القرن الثامن عشر حين كان مسؤولاً عن التخلق بالتسامح والفصل بين الكنيسة والدولة، وتجاوز ذلك ليكون مسؤولاً أيضاً عن تقديس المجتمع العلماني”.

اختتم هيل محاضرته بتحديد الأسباب التي أدت إلى تراجع البروتستانتية الرسمية في إنجلترا، وقال إن البروتستانتيين قد أصبحوا قوة سائدة في المجتمع المدني ما جعل العناصر العلمانية في الدولة بمن فيهم الملوك يشعرون بالقلق المتزايد. وبصرف النظر عن تراجع البروتستانتية، فقد ألقي على عاتق البروتستانتيين مسؤولية إنشاء دولة بوليسية ومراقبتهم للمجتمع كإحدى الصفات المميزة للحداثة. يقول هيل: “أنشأت جمعية إصلاح الأخلاق الدولة الحديثة بطريقة غريبة جداً”، إلا أن تأثيرها على القواعد السلوكية الحالية قد نسي تماماً. وعلى مر السنوات، أصبح الناس أكثر جهلاً بالأساس البروتستانتي للقوانين الحالية، بما فيها تلك التي تتعلق بالدعارة والتجديف.

حاز برندان هيل إجازة في الفلسفة من جامعة هاواي في مانوا وشهادة دكتوراه في التاريخ الأوروبي من جامعة جورجتاون. وهو متخصص في شؤون الكنيسة والتاريخ القانوني، وتركز أبحاثه على تجريم الخطيئة والمجتمع الإلهي الذي وجد في فجر العصر الحديث في إنجلترا. بالإضافة إلى تدريس مقررات تاريخ أوروبا وإنجلترا وإيرلندا، يقوم هيل بالتدريس ضمن حلقات بحثل أصغر حول الجذور الثقافية للصراع العرقي وعن العلاقة المتطورة بين العلمانية والنص المقدس في أوروبا الحديثة.

  المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.