باتريك لود
اجتمع بتاريخ 28 نوفمبر 2007 أربعون ضيفاً في مكتبة كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر، واستمع الحاضرون للبروفيسور باتريك لود وهو يتحدث عن “سفراء الإسلام الداخلي ولقاء الأديان“. تعد هذه المحاضرة جزءاً من سلسلة الحوارات الشهرية التي ينظمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية. باتريك لود هو أستاذ اللغة الفرنسية، وخريج جامعة السوربون، ومؤلف لتسعة كتب بما فيها: “صلوا بلا انقطاع: طريق الابتهال في عالم الدين، 2006″، و”اللعب الإلهي، والضحك المقدس، والتفاهم الروحي، 2005″، و”الغناء في الطريق، رؤى في الشعر والتحول الروحي، 2005″، فريثهوف شون (1907 – 1998): الحياة والتعاليم، 2004، ماسينيون إنتريور، 2001، ونهج التصوف، 1992.
وضح البروفيسور لود المبادئ الأساسية لبحثه الحالي والذي يركز على مساهمات ثلاثة باحثين أوروبيين بارزين تناولت أبحاثهم الدراسات الإسلامية والدراسات بين الأديان، وهؤلاء الباحثون هم لويس ماسينيون (1883 – 1962)، وهنري كوربن (1903 – 1978)، وفريثهوف شون (1907 – 1998)، وقد فصل هؤلاء الباحثون أنفسهم عن البحوث الاستشراقية والفصل التجريدي الذي كان شرطاً أساسياً للموضوعية العلمية من خلال إثبات العلاقة المنسية والخصبة بين الإيمان والمعرفة. وأوضح البروفيسور لود أن العالم الروحي الذي كان هؤلاء الباحثون مهتمين به هو عالم لا يمكن اختزاله بالمخاوف الاجتماعية أو السياسية السائدة.
وقد سرد لود وصفاً موجزاً عن علاقته الخاصة بهذا الموضوع، موضحاً ما يجعل هؤلاء الباحثين بشكل خاص يستحقون أن يكونوا سفراء للإسلام، وموضحاً ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها فيما يتعلق بالتعايش بين الأديان. وعلى الرغم أن هؤلاء الباحثين الثلاثة يدرسون نفس الموضوع، إلا أنهم جاؤوا من مدارس فكرية مختلفة ومتباينة بين المسيحية والصوفية والظاهرية والسرمدية.
وقد أوضح البروفيسور لود أن العنوان “سفراء الإسلام” من المفترض أن يلمح إلى أن هؤلاء الباحثين قد قدموا العالم الغربي للأفكار الإسلامية في إطار فهم روحي وفلسفي أوسع. في الواقع كان ماسينيون باحثاً كاثوليكياً وكاهناً كرس حياته لدراسة الإسلام واللغة العربية التي يراها أنها لغة السمو، وكان قادراً على المشاركة في روحانية تمتد إلى ما وراء الحدود الدينية الصارمة في أثناء معرفته التامة بخفايا الإيمان المسيحي، أما كوربن فكان غارقاً في الفلسفة الألمانية واللاهوت البروتستانتي، وقد أصبح خبيراً أوروبياً بارزاً في التصوف الشيعي، في حين أن فريثهوف شون قد عرف على أنه المفسر الأول للفلسفة السرمدية القائمة على مبدأ “الوحدة السامية للأديان”.
وبالإضافة إلى كون هؤلاء المفكرين الثلاثة ممثلين للإسلام في العالم الغربي، فقد مثلوا جانباً مهمشاً ومنسياً من الإسلام، وقد أحيوا تراثه الروحي والفكري، وكان لهؤلاء الباحثين تأثير عميق على بعض قطاعات الفكر الإسلامي وخصوصاً في جنوب شرق آسيا.
ثم أوضح البروفيسور لود كيف أكد هؤلاء السفراء الثلاثة على أهمية “اللطف” الروحاني مع “التعاطف” تجاه مادة الدراسات الدينية، وإعادة تقييم مركزية الشعر والتخيلية في الاقتراب من التقاليد الروحانية، وفوق كل القواسم المشتركة وتجاوز أفق كوني من الروحانية وراء الخلافات الرسمية التي تفرق بين الأديان، كما رأوا أن التصوف هو تجسيد للوفاء الروحاني للإسلام من القانون إلى وسيلة روحانية للانفتاح على الأديان الأخرى.
إن إرث هؤلاء الباحثين الثلاثة هو مقياس اعتراف بانسجام روحانية وغيبية جميع الأديان الكبرى، ويوجد قاسم مشترك بين جميع هذه الأديان وهو عدم وجود تناقض بأي حال من الأحوال مع التنوع الرسمي، واللاهوتي، والشعائري والذي يميز العالم الديني. لذلك يوجد درس يمكن تعلمه من هؤلاء المفكرين الثلاثة لا يتمثل بالاعتراف فقط بأديان الآخرين بل فهم ضرورة الميتافيزيقية والأنثروبولوجيا لتعدد التقاليد الروحانية. إن فكرة وحدة الأديان يتبناها الباحثون الثلاثة بدرجات متفاوتة، فقد تركزت هذه الفكرة بطريقة أكثر ضمنية ومسيحية لدى ماسينيون، وتفسيرية أكثر في أعمال كوبرين، وبوضوح تام لدى شون والمدرسة السرمدية، ولم يتم العثور على هذه الفكرة بالمعنى الحرفي للأديان، لكنها موجودة في الطبيعة الشاملة للفهم الفلسفي والروحاني للظاهرة الدينية.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.