المياه والنزاعات في الشرق الأوسط – مجموعة العمل الثانية
استضاف مركز الدراسات الدولية والإقليمية في شهر أبريل من عام 2018 الاجتماع الثاني لمجموعة العمل المنبثقة عن مبادرة المركز البحثية حول “المياه والنزاعات في الشرق الأوسط”، فتوافد الباحثون والعلماء على مدار يومين لتقديم أوراقٍ بحثية تتناول عددًا متنوعًا من الموضوعات، مثل سوء إدارة المياه في منطقة الشرق الأوسط، واستخدام الدولة الإسلامية للمياه كسلاح، وتوجهات السياسات المائية في كردستان، والممارسات المائية المجتمعية في اليمن، والأنشطة الإماراتية في البحر الأحمر وشرق إفريقيا، والهيمنة التركية على المياه، واستخدام المياه الجوفية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
استهلت مجموعة العمل اجتماعاتها بمسودة مقالة بحثية قدمها حسين عمري حول “سوء إدارة المياه والنزاعات في الشرق الأوسط”، حيث سلط فيها الضوء على مدى تفاقم حدّة المنافسة على الموارد المائية بين الدول ذات الحدود المائية المشتركة نتيجة للزيادة الهائلة في حجم الطلب على هذه الموارد، مُرجعًا السبب في هذه الزيادة إلى عدة عوامل من بينها النمو السكاني السريع، وتحسّن جودة الحياة، والتغيرات المناخية والظروف الجيوفيزيائية. ويشير عمري إلى أنّ غياب الثقة بين الجهات المعنية بالمياه داخل الدولة الواحدة، والتنمية أحادية الجانب على أحواض المسطحات المائية الدولية، بجانب سوء إدارة الموارد المائية بوجه عام، تعدّ من العوامل التي تسهم في مجموعها في استشراء المشكلات التي تواجه العديد من دول الشرق الأوسط وتنذر بإحياء شبح الصراع على الموارد المائية. وتركز ورقة عمري على دراستي حالة، وهما: النزاع المصري الإثيوبي حول سد النهضة الكبير المقام على نهر النيل، والمنافسة المحتدمة على الموارد المائية بين الدول المطلة على نهري دجلة والفرات. ونجد في هاتين الدراستين أنّ ملء خزانات ضخمة لسدود جديدة تقام على ضفاف الأنهار هو العامل المشترك والشرارة الرئيسة لاشتعال الصراع بين الدول سالفة الذكر، كما أنّ انعدام الثقة التاريخيّ بين الحكومات وسوء إدارة الموارد المائية، إضافة إلى الاضطرابات السياسية تظل الدوافع الجوهرية وراء هذه النزاعات.
أما توبياس فون لوسوف، فقدّم ورقة بحثية عن (استخدام المياه في الشرق الأوسط كسلاح: “الدروس المستفادة” من الدولة الإسلامية). يستعرض فون لوسوف في ورقته البحثية كيفية استغلال الجهات المنخرطة في النزاعات المسلحة للموارد المائية واستخدامها كأسلحة حربية وأدوات لفرض القوة والسيطرة. فنجد أنّ الدولة الإسلامية لم تقم باستخدام الموارد المائية كسلاح وتكتيك حربي فحسب، بل إنها جعلت من المياه أداة سياسية واجتماعية لحشد الدعم الشعبي وبناء الدولة. ولا ينكر فون لوسوف أنّ التاريخ مليء بوقائع وأحداث عدة جرى فيها استغلال الموارد المائية كسلاح استراتيجي خلال النزاعات، إلّا أنه يرى أنّ الدولة الإسلامية اتخذت نهجًا مغايرًا للتجارب السابقة.
وبدوره، قدّم ماركوس دوبوا كينج مقالًا بحثيًا حول العراق يستعرض توجهات السياسات المائية في كردستان العراق. فعلى الرغم من تمتع كردستان العراق بوفرة في الموارد المائية، إلا أن السنوات القليلة الماضية شهدت زيادة في معدلات الإجهاد المائي. ويرجع السبب في هذا الإجهاد المائي إلى التغير الطارئ على التركيبة السكانية وزيادة معدلات بناء السدود في البلدان المجاورة، إضافة إلى انخفاض مستوى جودة المياه بوجه عام. ويرى كينج أنّ زيادة معدلات الإجهاد المائي في المنطقة يستتبع بالضرورة تفاقم النزاعات على الموارد المائية. لذا، يستنتج كينج من ورقته البحثية احتمالية أن يكون للإجهاد المائي تأثيرًا سلبيًا على أمن كردستان العراق ما لم تتعامل حكومة إقليم كردستان مع مشكلة الإجهاد المائي باعتبارها أولوية تفرض عليها تطوير استراتيجية شاملة لمواجهة هذه الأزمة.
غيرت هيلين لاكنر دفة النقاش باتجاه “إعادة تنشيط الممارسات المائية المجتمعية في اليمن”، إذ ترى لاكنر أنّ العقود الأخيرة شهدت دعوات لمشاركة المجتمع في معالجة معظم قضايا التنمية، سواء كانت ريفية أم حضرية. وفيما يتعلق بإدارة المياه في اليمن، فقد كانت القواعد العرفية لإدارة المياه هي الآليات المعترف بها رسميًا من قبل الدولة على مدار سنوات. ورغم ذلك، فقد شهدت هذه القواعد تحولات ناجمة عن التغيرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد. ويُعزى السبب في هذه التحولات إلى قوى محركة محلية وهيئات تمويل خارجية. وترى لاكنر أنّ هذه التطورات خلّفت تأثيرًا كبيرًا على مؤسسات الدولة، كان أحد مظاهرها أن أدت التدخلات الإنمائية المحلية والداخلية إلى قصر السيطرة على موارد المياه لتكون في يد مسؤولي الدولة البيروقراطيين والمنتفعين من القطاع المؤيدين للحكومة بشكل حصري. وأخيرًا، تؤكد لاكنر أنّ هذه التطورات انضوت تحت راية خطابات ودعاوى “تمكين المجتمع”، التي لم تمكّن المجتمع بقدر ما منحت الأولوية لاهتمامات ومصالح الأقلية التي تشغل أماكنها في مراكز قيادة الدولة.
وفي المقالة البحثية التي تشارك كل من إسلام حسن ونائل شاما في تأليفها، تحت عنوان: “السعي نحو الأمن والهيمنة: الإمارات العربية المتحدة في البحر الأحمر وشرق إفريقيا”، سلّط المؤلفان الضوء على قرار الإمارات العربية المتحدة بالاحتفاظ بموطئ قدم راسخ في شرق إفريقيا في إطار مساعيها نحو حماية استقرارها وأمنها في الداخل، وإحباط التهديدات التي تؤرقها والمتمثلة في تنامي قوة الميليشيات الإسلامية المتشددة في كل من الصومال واليمن ودول أخرى في شرق إفريقيا، وتأمين علاقاتها التجارية ومسارات نقل النفط وتوسيع نفوذها الإقليمي، إذ أتاحت سيطرة الإمارات على الموانئ والجزر، وإنشاء وإدارة قواعد عسكرية ومراكز تدريب ومناطق اقتصادية في البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن ومضيق المندب، لها فرصة سانحة لتحقيق أهدافها المنشودة. وينتهي المؤلفان من خلال دراسة الحالة هذه إلى أنّ غزو الإمارات العربية المتحدة للبحر الأحمر وشرق إفريقيا يعدّ دلالة واضحة على حدوث تحوّل بارز في السياسة الخارجية للإمارات العربية المتحدة على مدى السنوات القليلة الماضية. ولم ينطوي هذا التحول على تغيير وسائل السياسة الخارجية فحسب، بل تضمن أيضًا تحديد مشاكل وأهداف جديدة للسياسة الخارجية.
وفي مقاله بحثية بعنوان “الهيمنة التركية على المياه وتأثير السدود”، ركّز بول ويليامز على آخر ثلاثة سدود رئيسة ضمن مشروع جنوب شرق الأناضول، مسلطًا الضوء على المسارات الإيجابية والسلبية التي اتبعتها تركيا في ترسيخ هيمنتها المركزية على أحواض المجاري النهرية. وضّح ويليامز أنّ شرعية التي تستمد منها تركيا هيمنتها على المياه وكذا التي يعوّل عليها مشروع جنوب شرق الأناضول لا تعتمد على مدى التقدم الذي تحرزه تركيا على صعيد تحقيق أهداف البنية التحتية فحسب، ولكن تعتمد أيضًا على تصور دول الجوار المطلة على المجاري النهرية المشتركة وعلى تصور المنتفعين المستهدفين الذين يعيشون في جنوب شرق الأناضول، ومن بينهم أعدادًا كبيرة من الأكراد، تجاه مشروع جنوب شرق الأناضول. ويتوصل ويليامز في مقالته إلى أنّ ما سبق من تهديدات تركية بوقف تدفق المجاري النهرية أو إيقافها فعلًا وتعمدها لاستخدام مياه السدود في غمر طرق انتقال العصابات المسلحة قد يثير عداء كل من دول المصب (الصامتة إلى حدّ ما خلال الحرب الأهلية السورية) والقوميين الأكراد. من ذلك، يستخلص ويليامز أنّ الاستغلال الصارخ للسدود كأدوات عسكرية قد يجعلها أهدافًا للعمليات المسلحة ويثير نزاعًا بين مختلف أصحاب المصلحة.
وبدورها، اختتمت إليزابيث وانوتشا مناقشات مجموعة العمل من خلال تقديم مقالة بحثية بعنوان: “إمدادات المياه الجوفية واستخداماتها وتداعيات استغلالها في الشرق الأوسط/ شمال أفريقيا: نظرة عامة”. شارك في تأليف هذه المقالة كل من مارك جيوردانو، وكتالين فوس، وسيجن سترامينج. ويرى جيوردانو وغيره من الباحثين المشاركين في تأليف المقالة أنّ المياه الجوفية في منطقة الشرق الأوسط/ شمال أفريقيا أضحت موردًا مهمًا لدعم إمدادات مياه الشرب للبؤر السكانية المتنامية والتوسع الزراعي الرامي إلى تعزيز الأمن الغذائي. ويشير المؤلفون إلى حقيقة تعرض موارد المياه الجوفية إلى استهلاك جائر في معظم أنحاء المنطقة، كما هو الحال في أي مكان آخر في العالم، كما يؤكدون على افتقار البحث العلمي إلى الفهم الكمي والكلي لإمدادات المياه الجوفية المتاحة ومعدلات استهلاكها، إضافة إلى وجود قصور في فهم الآليات الاجتماعية والسياسية التي من شأنها الإسهام في ضمان إدارة عادلة ومستدامة لهذه الموارد. ويستقصي جيوردانو والمشاركون في تأليف هذه الورقة البحثية مدى التفاعل بين الفهم الفني لموارد المياه الجوفية في الشرق الأوسط/ شمال أفريقيا والأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على استهلاكها، فقاموا بوضع ملخص لبيانات قائمة حول حجم العرض والطلب على المياه الجوفية، وتناولوا بالنقاش نقاط التوتر الناشئة عن ندرة المياه الجوفية، والأمن الغذائي، والأسواق العالمية، مسلطين الضوء على تحدي إدارة المياه العابرة للحدود من منظور المياه الجوفية ذات الملكية المشتركة بين الدول وكذلك التفاعل بين الأنهار الدولية وأحواض المياه الجوفية الخاصة بها. ويختتم المؤلفون بحثهم بتعليق يؤكدون فيه ضرورة الاستفادة من التكنولوجيات والبيانات الناشئة للتوصل إلى فهم أفضل للتوجهات في مجال إمدادات المياه الجوفية واستخدامها في جميع أنحاء المنطقة، كما يقترحون بعض الأساليب للتعامل مع التداعيات السياسية القصيرة والطويلة الأجل التي يحتمل وقوعها عند استمرار انخفاض مخزون موارد المياه الجوفية واحتدام المنافسة على الموارد المائية وانخفاض المعروض من المواد الغذائية.
مقالة بقلم: إسلام حسن٫ محلل آبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية