المجتمعات العربية المهاجرة في مجلس التعاون الخليجي – مجموعة العمل الأولى

المجتمعات العربية المهاجرة في مجلس التعاون الخليجي  –  مجموعة العمل الأولى

لقد أصبحت الهجرة العربية إلى منطقة الخليج بمنأى عن الدراسة وذلك على النقيض من الدراسات الأدبية التي ناقشت باستفاضة موضوع المهاجرين الأسيويين إلى منطقة الخليج. ومن أجل سد هذه الفجوة، أطلق مركز الدراسات الدولية والاقليمية فى أوائل عام 2013 مبادرة بحثية تحت عنوان “المجتمعات العربية المهاجرة في دول مجلس التعاون الخليجي“. وفي هذا الإطار، تم تقديم 5 مقترحات منح بحثية لمجموعة من العلماء لإجراء أبحاث وأعمال ميدانية حول موضوعات عدة تتعلق بالهجرة العربية في المنطقة. وعقد مركز الدراسات الدولية والاقليمية، بالتزامن مع هذا، مجموعة عمل لمدة يومين فى الفترة 7-8 سبتمبر 2013 لمناقشة عدة قضايا، من بينها عوامل الجذب والطرد الاقتصادي والسياسي للهجرة العربية إلى المنطقة والمسار التاريخى للهجرة والظروف الحالية، إلى جانب الخبرات المتنوعة للمغتربين العرب المقيمين والعاملين فى الخليج وكذلك الاتجاهات المستقبلية للهجرة الاقليمية. وقد ضمت مجموعة العمل، إلى جانب فرق البحث الخمسة الفائزين بمقترحات المنح والذين أطلعوا اللجنة بسير عملية الأبحاث المستمرة والنتائج الأولية للأبحاث، لفيف من الخبراء والعلماء.

لقد أدى ظهور الاقتصاد القائم على النفط في دول الخليج خلال فترة الخمسينيات من القرن العشرين إلى تدفق المهاجرين المهاجرين ولاسيما من العالم العربي. ووفقاً لما أفادت به الوثائق الأدبية، فقد خضعت معدلات تدفق الهجرة الاقليمية للتغيير على مدار السنين، ومع بداية حرب الخليج الأولى، شهدت منطقة الخليج انخفاضًا في معدل تدفق العرب وزيادة مفاجئة في جلب العمالة الأسيوية. ويمكن النظر إلى انخفاض معدل تدفق المهاجرين العرب إلى منطقة الخليج نظرة سياسية عند مقارنته بمعدل تدفق نظرائهم من المهاجرين الآسيويين والغربيين، فقد تأثر معدل تدفق المهاجرين العرب إلى منطقة مجلس التعاون الخليجي بسبب المناخ الجيوسياسي الذي شهدته المنطقة. وفى ضوء الانتفاضات الاخيرة التي شهدتها المنطقة وخاصةً الاعتراف بزيادة الوعى السياسى للشباب العربى، ناقش المشاركون أهمية تقييم مدى إدراك الطلاب الوافدين إلى منطقة مجلس التعاون الخليجي بشأن الانتفاضات التي شهدتها المنطقة العربية. وذلك نظراً لأن اتجاهات الطلاب الأجانب فيما يتعلق بالتغيرات الاجتماعية والسياسية التى تشهدها المنطقة لها تداعيات كبيرة على السياسات المستقبلية المتعلقة بالعمل والهجرة،. حيث إن المفاهيم والافكار التي تتضمنها الأحداث والروايات التاريخية تؤثر على نظام الهجرة، كما تؤثر أيضًا على العلاقات بين السكان المحليين والعرب المغتربين. كما أن اقتران التداعيات السياسية والتاريخية لحرب الخليج الأولى مع الانتفاضات التي شهدتها المنطقة العربية مؤخرًا، يمدنا برؤية لتقييم الطريقة التي تعاملت بها دول معينة في الخليج مع الجاليات العربية المهاجرة. واستناداً إلى السياق التاريخي، فعلى سبيل المثال هناك أجيال مختلفة من الفلسطينيين يعيشون فى دولة الامارات العربية المتحدة قد مروا بتجارب مختلفة من التفاعل بين مختلف الجنسيات لديها درجات مختلفة من الاستعداد للانخراط فى القضايا السياسية، وبشكل أكبر شهدوا مستويات متنوعة من النجاح فيما يتعلق بقدرتهم في الحصول على الجنسية الخليجية.

كما ناقشت مجموعة العمل التي استمرت على مدار يومين مرارًا وتكراراً سياسات الهجرة ومفهوم عدم الاستقرار والصفة الوقتية وعلاقتها بالشخص الأجنبى غير المقيم. كما أشار المشاركون إلى أن “الفترة المؤقتة للهجرة” في دول الخليج وخاصةً فيما يتعلق بالمهاجرين العرب، باعتبارها مؤشراً لأوضاعهم السياسية والاجتماعية بشكلٍ أكثر من مدة إقامتهم فى المنطقة، حيث إن هناك العديد من الجنسيات ذات أصل عربى أقامت فى دول مجلس التعاون الخليجي منذ عقود، مما أدى إلى وجود نسبة كبيرة من الجيل الثانى والثالث للمغتربين العرب المولودين فى منطقة الخليج. في حين أن هناك طرقاً محدودة للحصول على الجنسية، صنفهم واضعى السياسات على أنهم مهاجرين “مؤقتين” في الوقت الذي ظلت فيه أعداد هائلة من المجتمعات المهاجرة من أصول عربية مختلفة مستقرة فى منطقة الخليج بشكلٍ دائم.

كما توغل المصريون، باعتبارهم من أكثر الجنسيات العربية شيوعاً فى منطقة الخليج، في نطاق عريض من القطاعات الاقتصادية ويمثلوا بشكل عام الجالية العربية الأكثر تنوعاً في دول الخليج. ويظهر تنوع المهاجرين المصريين فى دول معينة مثل الكويت بشكلٍ جلي في التوزيع الجغرافى والاجتماعى للمصريين في جميع أنحاء المدينة. كما أن التجارب المتنوعة والأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للمصريين توفر قاعدة ذات قيمة لتحليل “بنية الترابط” داخل المجتمع المصرى إلى جانب “جسور التواصل” مع المجتمع المضيف. علاوة على ذلك، يمثل المصريون فى الكويت ثانى أكبر مصدر للتحويلات المالية إلى مصر، والتي لها بالغ الأثر فى تطوير الوطن. وتركز معظم الدراسات على التأثير الجزئى لتحويلات المصريين بالخارج على مستوى القطاع العائلي الاسرة، كما ناقش الخبراء مدى أهمية تقييم أثر هذه التحويلات على الاقتصاد الكلي للدولة وخصوصا مدى تأثيرها على مناخ الاستثمار بالدولة.

وعلى الرغم من أن معظم المهاجرين العرب قد هاجروا إلى شمال أمريكا وأوروبا بشكلٍ تقليدي، إلا أنهم يختارون على الأرجح دول مجلس التعاون الخليجي كوجهة لهم رغم السبل المحدودة للمواطنة والاندماج فى هذه الدول. فعلى سبيل المثال، شهدت السنوات الأخيرة زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين اللبنانيين ذوى المهارات العالية إلى دولة الكويت. وفيما يتعلق بتقييم العوامل التى أدت الى زيادة أعداد المهاجرين اللبنانيين إلى الكويت، فقد أشار المشاركون إلى الامكانيات المحدودة لسوق العمل اللبنانى، بالاضافة الى قضايا المحسوبية والفساد باعتبارها عوامل رئيسية للهجرة. هذا بالاضافة إلى عوامل الجذب الاقتصادية والسياسية للهجرة العربية وتدهور “نوعية الحياة” فى بعض البلدان، مما دفع إلى الهجرة للبحث عن عمل فى المدن الخليجية التى تتميز بمعدلات نمو مرتفعة وبنية تحتية سليمة وإمكانية الحصول على الخدمات والمنافع العامة. كما تشير زيادة معدلات هجرة النساء الأردنيات إلى ارتفاع سن الزواج والقرب الجغرافي لدول مجلس التعاون الخليجي إلى جانب توافر فرص عمل و”أسلوب الحياة المريح” جعلت منطقة الخليج هى الوجهة الأمثل للمهاجرات العربيات. علاوةً على ذلك، هناك قطاعات معينة في سوق العمل فى الخليج تعتمد بشكلٍ كبير على العمالة العربية وذلك بسبب اللغة العربية المشتركة بينهم كلغة للتحدث مع البلد المضيف. فعلى سبيل المثال، يمثل المعلمون العرب جزءاً فريداً من القوى العاملة فى منطقة الخليج، وعليه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يحل محلهم المعلمين الآسيويين والغربيين. ورغم أن عوامل الجذب في منطقة الخليج قد تتفوق على حالة عدم الاستقرار التي يواجهها المهاجرون، إلا أن العمال العرب يدركون تماماً أنهم معرضون للمخاطر أثناء فترة إقامتهم المؤقتة أو عند القيام بعملية اتخاذ القرارات. حيث إن عقود العمل المؤقتة تؤثر على سلوك العاملين، ويمكن أن نرى ذلك في رغبتهم للاستثمار في الوقت الحالي فحسب ولا يعرون اهتماماً لأي مساعي تتعلق بالمستقبل.

كما نوقشت العلاقات بين الأفراد داخل الدولة وخاصةً العلاقة بين العمال العرب وأرباب العمل في دول الخليج باعتبارها نقطة ذات أهمية. ومن النقاط المهمة أيضًا وجود تمييز للعمال العرب وتقييم للفرص أو وجود حواجز تحول دون النهوض والتطور المهنى فى منطقة الخليج. هذا بالإضافة الى مستوى العلاقات فى أماكن العمل والعلاقة بين المهاجرين الحضرميين وأصحاب العمل الكويتيين والتي تعتبر علاقة فريدة من نوعها إذا ما قورنت مع غيرها من التجارب الأخرى للمغتربين العرب. فقد اندمج الحضرميين، منذ بداية هجرتهم إلى الكويت فى أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، بصورة سريعة فى قطاع الخدمات المحلية. وعلى مر العقود، تطورت ثقافة التبعية بين الشخص الحضرمي وكفيله (صاحب العمل)، حيث يعمل المهاجرون وأبناءهم لدى نفس الأسرة لمدة عقود من الزمن، ويعتبر الشئ المثالي فى هذه العلاقة مقارنة بالعلاقات الأخرى فى ميادين العمل هو التسلسل الهرمى المتأصل والالتزام تجاه الكفيل والذى قد يؤدي إلى الحد من المنافسة مع السكان المحليين. وبالمقارنة مع المهاجرين العرب الآخرين الذين يميلون إلى التقييم من الناحية الاقتصادية، فإن الحضرميين يتم تقييمهم رمزياً داخل المجتمع الكويتي. وتقوم هذه الاختلافات فى تجارب المهاجرين العرب على أساس السياق التاريخي والجنسية، مما يمنح فهماً دقيقاً للظروف المستجدة للمغتربين وآليات الهجرة في منطقة الخليج.

مقال كتبته دعاء عثمان، محللة أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية