القرصنة في البحار المفتوحة في العالم الحديث: الأخطار والآفاق

القرصنة في البحار المفتوحة في العالم الحديث: الأخطار والآفاق

عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية حلقة نقاش في 21 مارس 2010 حول موضوع “القرصنة في البحار المفتوحة في العالم الحديث: الأخطار والآفاق”. قدم حلقة النقاش بوتنجال مكندان، مدير المكتب البحري الدولي، وروجر ميدلتن، باحث ومستشار يعمل في برنامج أفريقيا في تشاتام هاوس، ودانيال أركيبوجي، مدير الأبحاث في مجلس البحوث الوطني الإيطالي.

اضغط هنا لتحميل تسجيل صوتي MP3 لنقاشات لجنة القرصنة

ترأس بوتنجال مكندان عرض حلقة النقاش بلمحة عن الوضع الحالي لهجمات القراصنة قبالة ساحل الصومال. وذكر بيانات إحصائية تم جمعها من قبل مركز الإبلاغ عن القرصنة الواقع في كوالالامبور. يجمع المركز المعلومات عن الهجمات ضد السفن ويعمل كجهة محفزة للحكومات للتعامل مع هذه المشكلة المتنامية. ذكر مكندان أن عام 2009 شهد 406 هجمات، واختطفت 49 سفينة، وأخذ أكثر من 1000 فرد من طاقم السفن كرهائن، وقتل 11 شخصاً من أفراد الطاقم. يقول مكندان: “هذا أمر غير مقبول في عالمنا اليوم” لأن جميع أنواع السفن – الكبيرة والصغيرة، التجارية والخاصة – قد تمت مهاجمتها. وأوضح مكندان أنه، وخلافاً للاعتقاد السائد، لا يتم استهداف السفن مقدماً. بل هي هجمات انتهازية.

انظر العرض التقديمي من المحاضرة أدناه:

تحديات القرصنة اليوم من كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر 

يقول مكندان: “يعد مانراه [في الصومال] ظاهرة إجرامية غير مسبوقة”. وكما هو الحال مع أي جريمة، ما لم يتم إتخاذ إجراء رادع، فإن المجرمين سوف يزيدون من وتيرة ووقاحة هجماتهم. يبحر القراصنة الآن مسافة قد تصل إلى 1000 ميل بحري في مراكبهم وسفنهم الصغيرة ويهاجمون سفناً وناقلات أكبر بكثير، وأفضل تجهيزاً. في كثير من الحالات، يستولي القراصنة على هذه السفن، ويبحرون بها إلى ساحل الصومال حيث تحتجز حتى يتم دفع الفدية. وأضاف مكندان: “يتم احتجاز هذه السفن لفترة تتراوح ما بين ستة أسابيع وثلاثة أشهر في المتوسط”.

لفت مكندان إلى أنه “عادة ما تشكل التشريعات الحكومية رادعاً للجريمة، إلا أن الأمر ليس كذلك في الصومال نظراً لأنها دولة فاشلة. حيث لا توجد قوة وطنية لتطبيق القانون، وما من نظام قضائي”، لذلك أصبح اتخاذ قرار ضد هؤلاء المجرمين صعباً جداً، خاصة عندما يغذي هؤلاء المجرمون الاقتصاد المحلي بمبالغ ضخمة، ويشكل جزء كبير من هذا المال مصادر دخل للميليشيات المحلية. وأشار مكندان إلى أن الحاجة في هذه الحالة تتمثل بمحاولة تغيير ميزان الخطر/المكافأة للقراصنة. فليس من المستغرب أن تنتشر الجرائم بكثرة، عندما تكون المكافآت مجزية جداً، والمخاطر ضئيلة جداً، والتوقعات الاقتصادية في الصومال مريعة جداً.

بصرف النظر عن مشكلة كيفية ردع القراصنة، فإن المشكلة القائمة تتمثل بما يجب القيام به معهم عند القبض عليهم. لا تزال ثمة حاجة لتحسين التنسيق بين الدول، ولوجود قوى لتطبيق القانون بخصوص الملاحقة القضائية للقراصنة. يتمتع الصومال حالياً بعلاقات ثنائية مع كينيا، التي وصلت إلى أقصى ما تستطيعه في هذا الشأن.

في الختام، قال مكندان إن القرصنة ليست مشكلة حكومية فحسب، بل هي مشكلة عامة لأن كل السلع التجارية التي يستهلكها الناس يومياً تأتي عبر الطرق البحرية. وتابع، لذا فثمة سبب وجيه لجميع الحكومات لتخصيص مصادر للتعامل مع هذا المشكلة الشائعة.

انظر العرض التقديمي من المحاضرة أدناه:

لماذا تعمل الصومال لصالح القراصنة من كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر

تابع النقاش المتحدث الثاني، روجر ميدلتن، الذي وضع القرصنة الصومالية في سياقها التاريخي وقال إن الوضع الحالي هو نتيجة العديد من التشكيلات السياسية الفاشلة التي شهدتها البلاد. أشار ميدلتن أنه بالرغم من أن مشكلة القرصنة منتشرة في الصومال، “فيجدر ذكر أن القرصنة ليست المشكلة الأكبر في الصومال، لكنها وسيلة لجذب الاهتمام العالمي لما يعد أحد أصعب الأوضاع السياسية في أفريقيا”. تعتبر القرصنة مجرد مثال واحد على الكم الهائل من العجز السياسي والبنيوي الذي تواجهه الصومال.

تؤدي الظروف السياسية والاقتصادية والجغرافية في الصومال لإيجاد وضع مثالي لازدهار عمل القراصنة والشبكات الإجرامية في ممر بحري تجاري رئيسي. أوضح ميدلتن أنه منذ سبعينيات القرن الماضي على الأقل شهد الصومال حالة حرب مع نفسه ومع جيرانه مخلفاً 3,5 مليون شخص بحاجة ماسة للمساعدة. تمت تسوية هذا الوضع عبر الممارسات الإجرامية للقراصنة والفساد، وقد زاد من سوء هذا الوضع “سوء نوايا الجهات الخارجية القادمة إلى الصومال”. يقول ميدلتن: “إن فشل المجتمع الدولي بمنع الصيد غير المشروع بشكل فاعل في المياه الصومالية قد صب بالتأكيد في مصلحة القراصنة حيث منحهم أداة علاقات عامة ممتازة”.

إن الحرب في الصومال، بحسب ميدلتن، كانت في الأصل محاولة لتحرير البلاد من دكتاتور، لكنها سرعان ما تطورت لتتحول إلى صراع بدوافع اقتصادية بين أمراء الحرب. حالياً، اتخذت الحرب منحى آخر فثمة مناطق في الصومال يتم حكمها من قبل مجموعات مثل مجموعة الشباب التي تهدف إلى فرض أيديولوجيات أصولية. تلقى هذه الفصائل دعماً كبيراً بسبب وفرة الأسلحة غير المشروعة وسهولة الحصول عليها. يقول ميدلتن: “عندما انهار نظام سياد بري في بداية التسعينيات، فتحت الثكنات ومستودعات الأسلحة وأغرقت السوق الصومالية بمئات الآلاف من قطع السلاح”. أصبح الصومال إحدى أكبر نقاط دخول الأسلحة غير المشروعة إلى أفريقيا.

لفت ميدلتن إلى ضرورة تمييز القرصنة على أنها فعل إجرامي وليست فعلاً إرهابياً، على عكس ما يصوره الكثير من التقارير الإعلامية. أما السبب في أن القرصنة قد أصبحت موضوعاً مثيراً إعلامياً فيعزى “لندرة المعلومات الاستخباراتية الجيدة عما يحدث في الصومال”، ما غذى المخاوف العامة للمجتمع الدولي حول الإرهاب.

في الختام، حث ميدلتن المجتمع الدولي لمعالجة المشاكل الإنسانية والسياسية في الصومال بنفس القدر من التركيز الذي يوليه للقرصنة، وأشار إلى أن “القرصنة” ليست سوى مثال واحد لما قد يحدث إذا لم نقم بأي تصرف بخصوص المشاكل الداخلية في الصومال.

انظر العرض التقديمي من المحاضرة أدناه:

القراصنة في خليج عدن من كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر أنهى دانيال أركيبوجي حلقة النقاش بعرض الطريقة التي ترى بها الدول الأوروبية القرصنة وردودهم عليها. وأشار أركيبوجي إلى أن الصراعات الاجتماعية والثقافية التي تجري ضمن النقاشات المتعلقة بالقرصنة غالباً ما تغفل من قبل صانعي السياسات الذين يركزون على الآثار السياسية والاقتصادية على نطاق أوسع، تاركين مجالاً ضئيلاً لمناقشة الآثار اليومية للقرصنة.

يقول أركيبوجي، إن القرصنة الصومالية مثيرة للاهتمام، لأن الجناة عادة ما يكونون من الفقراء والمحرومين، وليسوا شبكات إجرامية منظمة من شأنها القيام بهذه الأفعال الجريئة ضد ناقلات نفط تجارية ضخمة كما يمكن للمرء أن يتوقع. إن الوضع السياسي في الصومال، يعني أن المجتمع الدولي، الذي يتكون من دول قوية، ويستخدم تقنيات القتال الحديثة مثل الأقمار الصناعية، والأسلحة، والقوات البحرية، قد بقي عاجزاً في وجه من هم أقل منه بكثير. وأضاف “من المدهش أن نرى أن التحالف المقدس الجديد لقتال 1000 فتى أمي لا يزال غير قادر على معالجة هذه المشكلة”.

إن تقاعس المجتمع الدولي بشأن الوضع السياسي في الصومال قد أفرز دولة فاشلة، وأدى إلى زيادة في الفقر، والظروف التي تشجع على أعمال القراصنة. أوضح أركيبوجي أن ثمن هذا التقاعس أكبر بكثير من الموارد التي ينفقها قطاع الأعمال، ودافعي الضرائب في الولايات المتحدة وأوروبا للدفع للقوات البحرية للقيام بدوريات في خليج عدن. إن دفع أقساط التأمين، والتعاقد مع شركات أمن خاصة، والموافقة على دفع الفدية لا يحل المشكلة، بل يتجنبها لمتابعة العمل اليومي. لتجنب مشاكل فرض القانون الدولي على دولة فاشلة، فإن مالكي السفن وشركات التأمين اختاروا أن يقوموا بتسوية الأمور سراً مع القراصنة. ويعد هذا الخيار مربحاً ومفضلاً أكثر بالنسبة للشركات الأوروبية مقارنة بالمفاوضات المطولة اللازمة لحل المشكلة على المدى البعيد.

أشار أركيبوجي إلى أنه من المحتمل حالياً التعامل مع القرصنة و جرائم الحرب على أنها جزء من نفس الخطاب القضائي العالمي. وقال “من وجهة نظري، ووفقاً لمعايير القيم الخاصة بي، فأنا أضع جرائم الحرب في مرتبة متقدمة على القرصنة. أتمنى أن أرى ]…[ نفس القوانين والإجراءات القانونية المطبقة بحق القراصنة، قد طبقت على مجرمي الحرب”. تابع أركيبوجي قائلاً إن السبب في أن كل طاقات المجتمع الدولي تتركز على القرصنة وليست على مجرمي الحرب لأن “مجرمي الحرب أقوياء والقراصنة ضعفاء”.

نظراً لأن القرصنة جريمة حصلت على الكثير من اهتمام وسائل الإعلام، يولي المجتمع الدولي انتباهاً كبيراً لما يحدث للقراصنة بعد أن يتم القبض عليهم. ففي حال كانت الدولة التي ألقت القبض عليهم أوروبية، فإن المجتمع الدولي يصر على أن تتم المحاكمة بشكل عادل وأن يوضعوا في سجون تتوافق مع المعايير الأوروبية لحقوق الإنسان. أشار أركيبوجي أن القرصنة بذلك قد فتحت الباب أمام نقاشات بخصوص إجبار الدول المستقبلة للقراصنة لتحسين معايير وظروف العيش في سجونها. وأضاف أنه لم يتم بعد وضع الأطر القانونية لإجراء مثل هذه المحاكمات  الدولية المبتكرة. “تخبرنا القرصنة الصومالية أن الحكم العالمي هش للغاية”.

اختتم أركيبوجي حديثه بالقول إنه يجب معالجة مشاكل القرصنة على الأرض وليس في البحر. “من الصعب جداً تتبعهم ومحاربتهم في البحر، إلا أن ذلك ممكن على الأرض”. وتابع قائلاً: إذا تمكن المجتمع الدولي من المساعدة في إعادة إنشاء دولة اتحادية في الصومال، فسوف يكون من الممكن في النهاية السيطرة على الساحل والقضاء على القرصنة، وقبل كل شيء، توفير حياة كريمة للشعب الصومالي.

المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.