الغذاء والمياه في العالم العربي، وعملية استيلاء الخليج على الأراضي التي لم تتم

الغذاء والمياه في العالم العربي، وعملية استيلاء الخليج على الأراضي التي لم تتم

ألقى إيكارت ورتز الزميل الزائر في جامعة برنستون، محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية التي يقيمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية بعنوان: “الغذاء والمياه في العالم العربي، وعملية استيلاء الخليج على الأراضي التي لم تتم” وذلك بتاريخ 14 نوفمبر 2011. طرح ورتز مسألة الأمن الغذائي ضمن السياق التاريخي والثقافي. يمثل الغذاء برأي ورتز سلعة مسيسة جداً، وأنها كانت تخضع لمناورات سياسية بصرف النظر عن الموارد الحقيقية للغذاء المتوفر. يقول ورتز: “مع ارتفاع الحاجة للاستيراد، تواجه دول مجلس التعاون مشاكل متزايدة”، ومن هنا تنبع أهمية الأمن الغذائي بالنسبة للشرعية السياسية لأي حكومة من حيث قدرتها على تلبية الاحتياجات الاجتماعية في الحاضر والمستقبل.

تبين التجربة التاريخية أن الدول كانت دائمة الاعتماد على استيراد نوع أو آخر، وبذلك، فقد كانت دوماً عرضة لتقلبات الطاقة أو الإمدادات الغذائية. وتتم الاستفادة من هذه العلاقة القائمة على الاعتماد المتبادل، حيث تجد البلدان نفسها ضعيفة داخل المنظومة العالمية، من قبل سياسات القوى الإقليمية والدولية.

يعتبر توفر الغذاء أحد حقوق الإنسان الأساسية التي يتوجب على جميع الحكومات توفيرها لشعوبها. وضمن الترتيبات الريعية لدول الخليج، تعد النخبة الحاكمة أكثر عرضة للانتقاد والاضطرابات الاجتماعية إذا لم يتم الحفاظ على الرفاه الاجتماعي. تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية والقيود التي فرضتها الدول المصدرة للغذاء مثل روسيا والهند وفيتنام في دب الذعر في جميع أرجاء العالم عام 2008، ما دفع دول الشرق الأوسط عامة ودول الخليج على وجه الخصوص لرفع سوية الوعي حيال مواطن الضعف ذات الصلة بقضايا الأمن الغذائي. ولمعالجة هذه المشكلة المتنامية، قامت عدة دول في الخليج بالاستثمار في مشاريع زراعية مختلفة سواء بشكل محلي أو خارجي.

لا تعتبر مشاريع الأمن الغذائي المحلية بغالبيتها مساعي عقلانية بيئياً واقتصادياً. لإيضاح ذلك، ضرب ورتز مثال المملكة العربية السعودية التي قامت بالرغم من شح المياه والظروف المناخية الصحراوية القاسية بزراعة وتصدير القمح في التسعينيات، ما حملها أعباء ثقيلة بخصوص توفير مصادر المياه التي كانت تعاني أصلاً من شحها. تعتبر السعودية حالياً واحد من أكبر مزارع الألبان في العالم، وتقوم باستيراد كميات كبيرة من الأغنام. وللحفاظ على هذه الصناعة، أصبحت السعودية إحدى أكبر الدول المستوردة للشعير.

على الصعيد الدولي، أعلنت عدة حكومات لدول مجلس التعاون استملاك أراضي أجنبية، وهو ما يعرف بالنسبة للنقاد بمصطلح: “الاستيلاء على الأراضي”، لا سيما في الجارة السودان، وفي دول بعيدة أكثر كالبرازيل وأستراليا. عادة ما يتم الجزء الأكبر من عمليات استملاك الأراضي في دول العالم الثالث الفقيرة، لذا يتساءل الكثيرون عن احترام حقوق الإنسان والأرض وفيما إذا كان يتم تطبيق القوانين الدولية بشكل صحيح. في الثمانينيات، رغبت دول الخليج بتطوير أراض زراعية في السودان لتشكل “سلة خبز” كافية لإطعام سكان دول الخليج، إلا أن هذا المخطط لم يكتمل نتيجة لعدد من المشاكل من بينها فساد الحكم في عهد النميري.

عند الحديث عن الأمن الغذائي يترافق ذلك بمستوى مرتفع من التخوف. سرد ورتز المشاكل الصحية الموجودة في منطقة الخليج والناتجة عن العادات الغذائية السيئة، وأوضح أن ارتفاع مستويات البدانة والإصابة بمرض السكري عادة ما تكون مؤشراً على أن “دول الخليج آمنة غذائياً. وإن كان ثمة مشكلة، فهي تكمن في كثرة الغذاء لا في ندرته”.

شغل إيكارت ورتز منصب المدير الأسبق للدراسات الاقتصادية في مركز الخليج للأبحاث في دبي، وتقلد مناصب عليا في شركات الخدمات المالية في ألمانيا والإمارات العربية المتحدة. ينهي ورتز حالياً كتاباً حول الأمن الغذائي في منطقة الشرق الأوسط، وله العديد من المنشورات في مجال الأسواق المالية والتنمية الاقتصادية في منطقة الخليج، كما أنه معلق معروف في وسائل الإعلام الدولية. نال ورتز شهادة الدكتوراه من جامعة فريدريش-ألكسندر في إيرلانغن-نورمبرغ.

 المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.