العراق في الميزان: الأمن والديمقراطية بعد انسحاب القوات الأمريكية

العراق في الميزان: الأمن والديمقراطية بعد انسحاب القوات الأمريكية

في ضوء سحب الولايات المتحدة لقواتها من العراق، نظم مركز الدراسات الدولية والإقليمية حلقة نقاش لتحليل الاضطرابات السياسية التي حدثت في العراق ولقياس النتائج المحتملة. عقدت حلقة النقاش بتاريخ 19 أكتوبر 2010 في فندق الإنتركونتيننتال في الدوحة، وشارك فيها أنتوني كوردسمان، رئيس كرسي أرليه أ. بورك في الشؤون الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، وليث كوبا مدير الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في الهبة الوطنية من أجل الديمقراطية، ورند الرحيم المدير التنفيذي لمؤسسة العراق.

بدأ أنتوني كوردسمان بسرد لمحة عامة عن العمليات الأمنية والعسكرية الحالية في العراق. وأشار متحدثاً عن انسحاب القوات الأمريكية من العراق، “تملك الولايات المتحدة الآن أربعة ألوية استشارية مساعدة في العراق، وهي ألوية قتالية كاملة” تؤمن مساعدة عسكرية للقوات العراقية. كما تواصل الولايات المتحدة إرسال طائرات على العراق  لتقديم الاستخبارات الفضائية بالإضافة إلى القواعد الجوية الرئيسية في الكويت، والمنشأت العسكرية في قطر، ومقر الأسطول في البحرين إلى جانب قدرات بحرية أخرى في المنطقة. يقول كوردسمان: بالتالي فإن “الانسحاب” هو “أمر نسبي”. سوف تستمر الولايات المتحدة بلعب دور في العراق، لكن “عندما تتسلم الحكومة العراقية منصبها، فإن عليها أن تحدد ما يعنيه اتفاق الشراكة الاستراتيجي”.

الفترة الانتقالية للولايات المتحدة في العراق: القوات العراقية والمعونة العسكرية الأمريكية من كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر 

يقوم العراق حالياً باستيراد المعدات العسكرية وبناء قدراته العسكرية للمساهمة في عمليات مكافحة التمرد. لكن كوردسمان نبه إلى “أنه حتى لو سلمت المعدات غداً، فإن العراق لا يملك المرافق – أو التدريب أو الخلفية – لجعل تلك المعدات فعالة. ربما لا يعد أسوأ من الحصول على معدات عسكرية سوى الزج بكميات كبيرة وتسليمها لقوات غير مستعدة”. لذلك فإن الولايات المتحدة تقوم بتوفير بعثات استشارية عسكرية وتساعد في شراء المعدات العسكرية والمدربين. وأضاف كوردسمان: “إن ما يشجع على ذلك بشكل جزئي هو أن العراق لا يزال يرزح تحت وطأة أزمة موازنة كبيرة وسوف يبقى الحال كذلك لعامين أو ثلاثة على الأقل”.

أما من جهة التهديد المستمر بالعنف، فقد أشار كوردسمان إلا أنه بالرغم من الصورة التي تبثها وسائل الإعلام، فإن مستويات العنف قد تراجعت وأصبحت تتركز في مناطق معينة. وأضاف: “لا يمكن قياس أنماط العنف بسهولة”، لكن مقارنة بأفغانستان، فثمة استقرار أكبر. ولا يزال العراق يعاني من مخاوف متعددة كالتدخل الخارجي، والدعم الأجنبي، واستيراد أسلحة غير مشروعة لغايات متطرفة من سورية وإيران اللتين تدعمان قضايا سنية وشيعية.

اختتم كوردسمان بالقول إنه في المستقبل “لا يمكنك تطوير شرطة فعالة دون وجود نظام قضائي فاعل ودون سجون، ولا يمكنك تطوير أي من ذلك دون وجود فاعل للحكومة في هذا المجال”. سوف تواصل الولايات المتحدة دعم العراق ومنحه المساعدات وفقاً لما يحتاجه العراق أو يسمح به. وقال كوردسمان إنه كثيراً ما سمع بأن إيران توصف بالمهيمنة على الخليج، لكن لوضع الأمور في نطاقها الصحيح، “خلال السنوات الخمس الماضية، ومع استثناء العراق، فقد أنفقت دول مجلس التعاون ما تزيد قيمته عن عشرة أضعاف ما أنفقته إيران على الشؤون الدفاعية، وما يزيد بمقدار سبعة عشر ضعفاً على واردات السلاح”.

العراق والتوازن العسكري في الخليج من كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر 

تولت رند الرحيم إلقاء الخطاب الثاني حيث أوضحت موقف العراق الحالي الذي لا يحسد عليه، وقالت “نحن في الواقع في موقف يتأرجح فيه العراق من طرف إلى آخر”، وفي الحقيقة “سوف تشكل السنوات الأربع القادمة شكل الدولة التي سيكونها العراق”.

ركزت الرحيم خلال حديثها على ثلاثة أسئلة أساسية، الأمر الأول المثير للاهتمام هو: هل سيبقى العراق دولة واحدة، أم أنه سيصبح مقسماً على أسس عرقية ودينية، والسؤال الثاني هو: هل ستصبح الديمقراطية هي الأيديولوجية السائدة في الحكم، أم سيعود العراق إلى نظامه التاريخي من الحكم الاستبدادي والسلطوي، أما السؤال الثالث والأخير فكان: هل سيصبح العراق دولة فاعلة وقادرة على حفظ أمن شعبها وردع التهديدات والضغوط الخارجية.

تقول الرحيم، يمكن إيجاد الأجوبة على هذه الأسئلة من خلال المشاكل الناشئة عن التحديات الدستورية والسياسية في البلاد. ثمة مجموعة متنوعة من المشاكل المرتبطة بالدستور العراقي. وأشارت إلى أن “الدستور قد كتب في فترة حوالي ثلاثة أشهر، لكن الأهم من ذلك، أنه كتب دون مشاركة الطائفة السنية التي قاطعت العملية ورفضت المشاركة في المفاوضات التي أدت إلى كتابة الدستور. ومن ثم اقتنعت بالمصادقة عليه”. وأشارت الرحيم إلى أنه “بسبب السرعة التي كتب فيها الدستور، فهو مليء بالتناقضات الداخلية والغموض وعدم الوضوح. إنه وثيقة غير متوازنة بشكل أساسي ولا تملك تصوراً كاملاً حول شكل الدولة وكيف ستؤدي الدولة عملها”. في الحقيقة، “لو أن الحكومة العراقية الفدرالية سوف تعمل بحسب الدستور اليوم، فيمكن القول بشكل حرفي ودقيق ]…[ أنها لن تكون قادرة على توفير الأمن الداخلي – حيث ينص البند الخاص بالأمن بشكل محدد على أن الحكومة الفيدرالية مسؤولة عن الأمن العراقي ضد التهديدات الخارجية، فهو إذاً لا يتحدث عن التهديدات الداخلية”. وقالت الرحيم “إن الحكومة تعمل بشكل فاعل حالياً أكثر منه دستورياً”.

تقول الرحيم إن ثمة مجالين رئيسيين – داخلي وخارجي – يتضمنان تحديات سياسية خطيرة، أولها هو “النهج الاختزالي للمجتمع العراقي الذي بدأ في 2003 وقد اعتمد من قبل الإدارة الأمريكية” ويتمثل بالنظرة إلى العراق بوصفه مقسماً إلى فصائل شيعية وسنية وكردية لها أجنداتها الخاصة المتضاربة. وقالت “لا يعتبر هذا الوصف دقيقاً أو صحيحاً في المجتمع العراقي”. أما المشكلة الثانية فهي القلق الذي يعاني منه العراق حول وضعه إقليمياً وكيفية ارتباطه بالدول المجاورة. تساءلت الرحيم ما إذا كان يمكن للعراق ان يعرف عن نفسه كدولة عربية نظراً للسكان الأكراد والشيعة الذين لا يعتبرون أنفسهم عرباً.

أخيراً، قالت الرحيم إنه بسبب هذه المتغيرات الدستورية والسياسية، “لا يزال ثمة عدم اتفاق عام بين النخبة السياسية حول ماهية العراق أو ما يجب أن يكون عليه العراق حقيقة”.

أما المتحدث الثالث والأخير فقد كان ليث كوبا الذي تمحور حديثه حول سؤال “ما هو التأثير الذي سيخلفه انسحاب القوات الأمريكية على دور العراق في المنطقة؟”. وتساءل أيضاً عما إذا كانت البلاد قادرة على تحقيق الاستقرار بعد الانسحاب، خاصة مع احتمال حرب أهلية تلوح في الأفق.

يقول كوبا: لثمانين عاماً قبل الغزو شكل العراق قوة توازن في المنطقة “وحافظ على موقف قوي بين الدول العربية، وكان مؤثراً جداً ومستقلاً”. لكن “مع غزو عام 2003 انتهى هذا النظام في العراق”. وأضاف: لقد أصبح العراق دولة ضعيفة لم تعد تشكل خطراً على جيرانها أو على المجتمع الدولي.

بين كوبا الاتجاهات الحالية التي توجه المشهد السياسي في العراق، داخلياً وخارجياً. وقال إنه بسبب مجموعة من الأسباب الاقتصادية والسياسية، قامت الولايات المتحدة بخفض قواتها بشكل ملحوظ. “بالعودة إلى عام 2008 عندما انتخب أوباما، اعتبر ذلك فجر سياسة جديدة تجاه العراق”. وانتقل التركيز مجدداً إلى الحكومة العراقية حيث “تعيد فكرة تقليص الوجود الأمريكي الكرة إلى الملعب العراقي”.

خارجياً، سوف يغير العراق الضعيف من طبيعة توازن القوى في المنطقة. “عندما غزت الولايات المتحدة العراق، حذرت بشكل أو بآخر الجيران من عدم التدخل في العراق، فقد تم إبقاء المملكة العربية السعودية مراقبة، وتم إبعاد سورية، أما تركيا فقد قررت عدم التعاون لأسباب تخصها. لذا، وعلى نحو فعال كانت إيران في وضع يمكنها من فعل ما تريد نظراً لغياب صيغة تفاهم أو علاقة عمل مع الولايات المتحدة. وكانت إيران قد بنت وجوداً معقداً جداً داخل العراق. “ما جعلها قوة مؤثرة للغاية على عدة جبهات، ثقافياً وعسكرياً. ولعل الأهم من ذلك، “بصفتها جارة للعراق، هل يمكن ألا تبالي بنوع النظام الذي ينشأ في العراق؟ تمثل الجواب بالنسبة لإيران وتركيا وسورية والمملكة العربية السعودية بلا بالتأكيد”. فما يحدث في العراق له تأثير ووقع مباشر على أمنهم ومصالحهم. وإلى أن يصبح العراق حراً ومستقلاً، سوف يظل المجاال مفتوحاً أمام جيرانه للتأثير فيه.

يقول كوبا، بالنظر لمستقبل العراق فثمة تصوران متباينان، الأول أن يكون العراق دولة حديثة تتضح فيها علاقة المواطن بالدولة بصرف النظر عن الانتماءات الطائفية. على الرغم من الإضرابات الناتجة عن الغزو الأمريكي، “فإن النتيجة الأكثر إيجابية هي أن العراق قد عرف عن نفسه كنظام انتخابي” وثمة ضغط هائل الآن على الحكومة لتأخذ مطالب الشعب بعين الاعتبار – وهو شيء لم يشهده العراق منذ فترة طويلة. أما التصور الثاني فهو يرى العراق كدولة ضعيفة ممزقة فيها مراكز أو محافظات مقسمة على أساس طائفي وعرقي بشكل كبير. وسوف يتم تشجيع الفصائل المختلفة على إهمال الأجندات السياسية لصالح الأجندات الطائفية. واختتم كوبا بالقول: “لم ينجز النظام الجديد بعد، فما زلنا في طور مرحلة انتقالية في العراق وأنا أعتقد أنها ستأخذ  فترة  قبل أن يتبلور النظام الجديد”.

 

 المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.