السياسة والإعلام في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي – فريق العمل
عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية اجتماعا لأعضاء فريق العمل، من أجل مناقشة مبادرة بحثية بعنوان “السياسة والإعلام في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي” ، يومي 5 و6 يناير 2013.
ونظرا للتحولات الاجتماعية والاقتصادية الكبرى التي اجتاحت عددا من البلدان العربية في أعقاب الربيع العربي، اعتمد الباحثون منهجية بحثية متعددة التخصصات لتحليل التحولات التي طرأت على دور وسائل الإعلام، وكيف تجلى هذا الدور في فضاءات الإنتاج الثقافي اليومية في المنطقة.
مع بزوغ نجم وسائل الإعلام الجديدة، واندماجها المتزايد ضمن منظومة الإعلام التقليدي، ناقش المشاركون تموضع وسائل الإعلام في المشهد السياسي الجديد، حيث تحولت الصفقات الحاكمة الآخذة في التطور، التي هيمنت على المنطقة على مدى عقود طويلة، إلى صفقات معلوماتية آخذة في التطور، حيث يصعب التمييز بين عمليات إنتاج المعلومات من جانب، وعمليات تلقيها من جانب آخر. من ناحية أخرى، ساعدت فكرة تحول الجمهور المتلقي إلى مشاركين فاعلين في المعالجة الإعلامية على خلق مجتمع ذاتي التثقيف. يتجلى هذا في عدد من البلدان، مثل المملكة العربية السعودية، حيث شب السعوديون فوق طوق الدولة وتجاوزوا دائرة القادة المهمشين، وذلك من خلال سيطرتهم على بعض الأدوات الإعلامية، مثل تويتر، فيما يمكن اعتباره انتقالا من مركزية إلى لامركزية المعلومات.
يعرض المشهد الإعلامي في البلدان التي نجحت في التخلص من أنظمتها الديكتاتورية لعنصري الاستمرارية والتغيير، حيث لا يزال هناك بعض الدول – مثل ليبيا وتونس ومصر واليمن – التي تمر بمخاض إعادة صياغة موقع الدولة بالنسبة إلى المجتمع. ففي مصر – على سبيل المثال – يواصل بقايا السلطوية البائدة ممارسة نفوذهم وتأثيرهم على الدولة المصرية، حيث يُنظر إلى المؤسسات الإعلامية التابعة للدولة باعتبارها ضحية لعمليات “الأخونة”. في المقابل، تتبدى في الأفق الليبي المجاور سمات الليبرالية السياسية، حيث يتمتع العاملون في مجال الإعلام بقدر أكبر من الحرية في انتقاد القيادة السياسية.
إضافة إلى فهم الديناميكيات السياسية المتغيرة، يحفل المشهد الإعلامي أيضا ببعض التحليلات والأفكار عن القوى الاجتماعية والسياسية الفاعلة على الساحة العربية. فمع صعود الأحزاب الإسلامية في أعقاب ثورات الربيع العربي، هيمن الانقسام الإسلامي العلماني على مساحات شاسعة من الخطاب السياسي والاجتماعي في المنطقة. ويمكننا – من خلال التحليل الدقيق للتليفزيون الإسلامي – أن نفهم بجلاء الحركات الإسلامية المختلفة، التي حققت صعودا سياسيا واجتماعيا بارزا إبان هذه الفترة. في هذا الإطار، ناقش المشاركون الحركة الدعوية باعتبارها مجالا خصبا للصراع الثقافي، جراء ما تعانيه من التنوعات والانقسامات الداخلية. كما أكدوا أن القنوات الإسلامية لا تمثل بحال بديلا معياريا للقنوات العلمانية، حسبما التبس الأمر على الكثيرين، وأنها – في واقع الأمر – مجرد ممارسة اجتماعية تتناول المفاهيم الأخلاقية الخاصة بالمواطنة، من خلال تقديم صورا متصارعة لمعنى ’أن يكون المرء مسلما‘.
وكما هو الحال في أغلب الثورات السياسية طويلة الأمد، تقدم وسائل الإعلام العربية الانتقالية معلومات تعبوية، إضافة إلى توظيفها، بصورة متزايدة، كمنبر للتعبير عن الرأي. يأتي ذلك في إطار نظرة الصحفيين العرب – على مدار التاريخ – إلى أنفسهم باعتبارهم المسؤول الأول عن التغيير الاجتماعي، لأنهم – حسب رؤيتهم لأنفسهم – مفسرين للحياة العامة، وليسوا مجرد مصدر للمعلومات.
وحول وجود ثقافة صحفية عربية يمكن تعميمها على المنطقة ككل، دافع المشاركون عن فكرة عدم تغريب الدراسات الإعلامية، المنوط بها تقييم العمليات الدقيقة المعقدة التي تنضح بها الصحافة العربية، فضلا عن دراسة كيفية تعبير الناس عن ذواتهم داخل إطار القيود الاجتماعية والسياسية الأكثر شمولية.
تناول المناقشون أيضا ظاهرة “تعدد الأصوات”، التي تشهدها وسائل الإعلام، في ضوء عناصر اللغة ومساحات الإنتاج الثقافي والقوى الاجتماعية الفاعلة. كما تطرقت المناقشات إلى ’الجرافيتي‘‘ العربي، باعتباره أحد صيغ التعبير السياسي المرئية التي انتشرت مؤخرا بشكل ملحوظ في كافة أرجاء المنطقة، رغم القصور الواضح في دراستها. في هذا الإطار، أكد الباحثون أن تجاوز محتوى “السياسة المرئية”، والانتقال إلى فهم أسلوب وجماليات الجرافيتي يمنحنا فهما أعمق للغة المستخدمة، من أجل التجاوب مع اهتمامات وهموم واحتياجات الجماهير. ناقش أعضاء فريق العمل أيضا بعض أشكال الإنتاج الأخرى، كالمسلسلات، باعتبارها وسيلة لفهم الظواهر الاجتماعية والسياسية المصاحبة للثورات.
خضعت وسائل الإعلام على مدار هذه الفترة للتوظيف من قبل العديد من الحركات الاجتماعية المتنوعة، لاستخدامها كوسيلة لممارسة النشاط السياسي، حيث تمتلك هذه الحركات كما هائلا من العناصر القادرة على تطويع العديد من الأدوات الإعلامية لاحتياجاتها الخاصة. من جانبها، نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في خلق حالة من الاصطفاف والتنظيم والحشد بين الطوائف المشتتة، للمشاركة بشكل حاسم في القضايا المثارة على الساحة الوطنية. في هذا السياق، أشار المشاركون – بدافع القلق من الاعتقاد الخاطئ بشمولية وسائل التواصل الاجتماعي – إلى ما تتمتع به الإنترنت ومواقع وسائل التواصل الاجتماعي أيضا من إمكانية الوصول على أساس طبقي. كما دفعت أفكار الشمولية والحصرية المشاركين إلى التساؤل عن الفضاءات الإعلامية التي تستخدمها الطوائف والمجتمعات المهمشة، للتعبير عن أنفسهم، والجمهور الحقيقي لهذه الوسائل.
في أعقاب الربيع العربي، غدا حزب الله قوة إقليمية فاعلة بصورة مثيرة للجدل. ورغم أن الساحة اللبنانية لم تكن مسرحا للثورات التي اجتاحت نظيراتها العربية، إلا أن التنوع السياسي اللبناني نجح في أن يعكس بامتياز المشهد السياسي في المنطقة بكل تفصيلاته. لذا، يقدم الفهم الحقيقي للاستراتيجيات الإعلامية التي اعتمدها حزب الله أفكارا عميقة عن التفاعل الجماهيري مع وسائل الإعلام، في بيئة تعج بالقضايا الطائفية الشائكة. رغم الانتماء الطائفي الشيعي لحزب الله، نجحت المحطة التليفزيونية التابعة له (تليفزيون المنار) في تجنب أي خطاب طائفي، وطفقت – بدلا من ذلك – تقدم نفسها باعتبارها قناة إسلاموية عروبية، وتتفاخر بذلك التنوع الهائل من الجماهير المحسوبة على كافة الطوائف الدينية والانتماءات السياسية.
تساءل المشاركون – في ضوء مناقشاتهم للاقتصاد السياسي الخاص بوسائل الإعلام في منطقة الشرق الأوسط – عما إذا كانت سياسات الدولة قد انعكست بصورة مباشرة من خلال الاستراتيجيات والمحتوى الذي تقدمه وسائل الإعلام المملوكة للدولة أو الخاضعة لرعايتها. في هذا الإطار، يميز العاملون في مجال الإنتاج الإعلامي – بدءا من المديرين والمنتجين ووصولا إلى الصحفيين بغرف الأخبار – بين ممولي ومصممي أشكال وسائل الإعلام المختلفة. تطرقت المناقشات بعد ذلك إلى الحديث عن مدن الإنتاج الإعلامي، كمواقع مفيدة وخصبة للإنتاج الثقافي يمكن من خلالها فهم بنى السلطة وأشكال المقاومة. ومثًلت لذلك بالرقابة الصارمة التي تخضع لها مدينة الإنتاج الإعلامي في مصر من قبل جماعة الإخوان المسلمين الحاكمة، حيث تقع إحدى منارات حرية الإعلام – أو هكذا ينبغي أن تكون – تحت هيمنة الحزب الحاكم.
شهد العقد الماضي عمليات توطين متزايدة لمقدمي الأخبار في العالم العربي، حيث تحولت الجماهير إلى الاهتمام المتزايد بالقضايا المتعلقة بحياتهم اليومية. تعرًض المشاركون أيضا لما يٌعرف ب”حقبة ما بعد قناة الجزيرة”، ودلالة ذلك على الدبلوماسية الشعبية الأمريكية في المنطقة. في هذا الإطار، أثار فشل قناة “الحرة” في تقديم أداة إعلامية ناجعة لخدمة السياسة الخارجية الأمريكية سؤالا حول “ما الأدوات الإعلامية والآليات التي تعتزم الولايات المتحدة الأمريكية استخدامها في مواجهة المنافسة المستعرة من مقدمي الأخبار المحليين؟” ومع الانتشار الهائل الذي تحققه وسائل الإعلام، سيتعين على العناصر الاجتماعية الفاعلة والحكومات تغيير استراتيجياتهم في التواصل، لمواكبة المشهد الإعلامي العربي المتغير.
المشاركون والمناقشون:
- مروة عبد السميع، جامعة القاهرة
- والتر أرمبروست، جامعة أكسفورد
- زهرة بابار، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- فاطمة العيساوي، كلية لندن للاقتصاد
- نائلة حمدي، الجامعة الأمريكية بالقاهرة
- ماناتا هاشمي، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- جو خليل، جامعة نورثويسترن في قطر
- سحر خميس، جامعة ميريلاند
- مروان كريدي، جامعة بنسلفانيا
- زهرة حرب، جامعة مدينة لندن
- دينا مطر، كلية الدراسات الشرقية والإفريقية، جامعة لندن
- نور الدين ميلادي، جامعة قطر
- سوزي ميرغاني، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- ياسمين مول، جامعة نيويورك
- دعاء عثمان، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- لاربي صديقي، جامعة اكستر وجامعة قطر
- فيليب صعب، جامعة جنوب كاليفورنيا
- نادية تالبور، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- محمد زياني، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
كتب: دعاء عثمان، محللة أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية