السياسات غير الرسمية في الشرق الأوسط - مجموعة العمل الأولى

Informal Politics in the Middle East

عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية في شهر مارس 2018 أول اجتماعات مجموعة العمل التي تندرج تحت إطار مبادرته البحثية عن “السياسات غير الرسمية في الشرق الأوسط”. شهد الاجتماع حضور عدد من العلماء والباحثين للخوض في تساؤلات متنوعة عن عدد من الموضوعات ذات الصلة، والتي تمثلت في: القبلية والدولة اليمنية، والنساء والمنظمات غير الحكومية في إيران، ودور الديوانية في الكويت، والسياسات غير الرسمية المتعلقة بالوصول إلى الموارد الطبيعية، بالإضافة إلى مساحات الحرية المفتوحة أمام ممارسة الأنشطة السياسية وفرص تحقيق الاندماج في الشرق الأوسط.

 استهل تشارلز شميتز مناقشات مجموعة العمل بجلسة تحت عنوان “منظمة اجتماعية أم جهة سياسية فاعلة: القبلية والدولة في اليمن”، حيث يرى شميتز أنّه لا ضابط محدد لمصطلح “القبيلة”، فلم تتفق الأدبيات والمصنفات على المقصود به نظرًا للاختلافات الظاهرية التي تتسم بها هياكل القبائل ووظائفها. فنجد أنّ القبائل في اليمن، على سبيل المثال، تختلف عن بعضها اختلافًا جوهريًا باختلاف الموقع الجغرافي لكل منها. وركّز شميتز في طرحه على القبائل الشمالية التي تمارس دورًا رئيسًا في إدارة الدولة، فيرى أنّ القبائل اليمنية، بخلاف غيرها من القبائل في شبه الجزيرة العربية، تمتاز بأنّها عاشت دومًا حياة استقرار حضرية مما أسهم في تثبيت دعائمها ككيانات صغيرة مستقلة ذات سيادة. وعادة ما تبرز قوة هذه الكيانات المستقلة عندما تمر الدولة بمرحلة من الضعف والوهن، والعكس صحيح، فتزداد ضعفًا عندما تزداد قوة الدولة وهيمنتها. ورغم أنّ القبيلة كانت في الأساس مجرد نظام اجتماعي يضطلع فيه شيخها بمسؤولية اجتماعية يقوم من خلالها بالتوسط والحكم بين أفراد القبيلة، تغير الوضع بعد قيام الثورة الجمهورية، إذ أضحى شيوخ القبائل أصحاب تأثير ونفوذ على الوسط السياسي للدولة. واستعانت الدولة بالقبائل منذ ذلك الحين ليعملوا كدوائر إدارية وقامت، في أغلب الأحيان، بتوزيع “إعانات قبلية” على الشيوخ لتلبية احتياجات أفراد مجتمعاتهم.

وغيرت شهلا حائري دفة النقاش إلى “مشاركة النساء والمنظمات غير الحكومية في إيران”، حيث ناقشت في جلستها قضية المواطنة والمرأة في إيران، وتاريخ المنظمات غير الحكومية، والنساء اللاتي أنشأن منظمات غير حكومية في إيران، ثمّ اختتمت نقاشها بسرد قائمة تضم عددًا من الموضوعات المهملة من قبل الباحثين والتي كانت ذات صلة بطرحها. وفيما يتعلق بقضية المواطنة، ترى حائري أنّ العلاقة بين الدولة والمجتمع، وخاصة النساء، في إيران اتسمت دومًا بالتقلب والتذبذب. ففي أعقاب الثورة الإسلامية، دعمت الدولة تعليم المرأة ممّا ساهم في تعزيز إدراك النساء باستقلالهن، فحاولت الدولة فرض سيطرتها على أنشطتهن والحدّ منها خوفًا من تقويض المبادئ التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية. وهذه المبادئ، التي تمثل جزءًا لا يتجزأ من المنظومة القانونية الإيرانية، تنزل بالمرأة إلى منزلة تتراوح بين التابع والمواطن كامل الأهلية. وخلاصة ذلك الوضع أنه على الرغم من تمتع الرجل والمرأة بالقدرة والأهلية على التنفيذ، على حدّ سواء، فإن قدرة المرأة على الوفاء بالتزاماتها ما تزال خاضعة للعديد من القيود. وفيما يتعلق بالمنظمات غير الحكومية، ميّزت حائري بين المنظمات غير الحكومية المستقلة والمنظمات غير الحكومية التي ترعاها الحكومة. ولم تصدق إيران على اللوائح الداخلية لميثاق المنظمات غير الحكومية إلّا بعد وصول خاتمي إلى سدّة الحكم. ومع ذلك، يبدو للناظر أنّ هناك أزمة ثقة كبيرة بين الدولة والمنظمات غير الحكومية، الأمر الذي أسفر عن تكريس دعم الحكومة للمنظمات التي ترعاها متجاهلة المنظمات غير الحكومية الحقيقية. أوردت حائري بعد ذلك عددًا من دراسات الحالة لنساء قمن بإنشاء منظمات غير حكومية في إيران، مثل توران ميرهادي، بالإضافة إلى مبادرات أطلقتها النساء مثل مدارس المهاجرين الأفغانيين في طهران، و”سوق الخميس” المخصص للنساء، الذي استضاف أحداث فيلم “مواجهة الموجة”. وفي ختام جلستها، اقترحت حائري إجراء بحث عن القضايا المتعلقة بالمنظمات النسائية غير الرسمية، والتي تعرف باسم “دوريهس” (dorehs)، والنساء باعتبارهن رائدات أعمال يخلقن الوظائف ويساعدن النساء على الازدهار في هذه المنظمات غير الحكومية.

أما كليمنس تشاي فقد حوّل دفة النقاش نحو الكويت، حيث تناولت جلسته “التأثير الاجتماعي والسياسي للديوانية”. ففي طيات عرضه، أكّد تشاي أنّ معظم المصنفات والأدبيات التي تناقش دور الديوانية خلال الانتخابات في الكويت تتجاهل الجوانب الاجتماعية والدبلوماسية للديوانية. كانت الديوانيات من الناحية التاريخية تقام على شواطئ الخليج العربي لتستخدمها العائلات التجارية الكبيرة في الكويت في مراقبة حالة الأمواج والبحر، إلّا أنّ الدور الاجتماعي لهذه الديوانيات القبلية قد شهد تغيرًا جذريًا، فامتدت إلى الداخل وصار لكل منزل تقريبًا ديوانية ملحقة به. وتبدل الغرض منها بشكل تام إذ أضحت حيزًا للانتماء الجماعي، وتبادل الأفكار وطرح المشكلات والمخاوف. وشهدت الآونة الأخيرة انتشار ما يطلق عليه “ديوانيات الشباب” التي تختلف في ظاهرها عن الديوانيات التقليدية. فهذه الديوانيات الشبابية الجديدة أكثر تسامحًا فيما يتعلق بآداب الديوانيات، وتمثل مساحة للشباب الكويتي ومدعويهم لقضاء أوقات فراغهم. إلّا أنّ الديوانيات القبلية حافظت على دورها المحوري في حياة الكويتيين فما زالت تمارس دورها كملتقى لأفراد القبيلة يناقشون فيها القضايا السياسية ويستقبلون في رحابها دبلوماسيين وسفراء، كما أنّها تعمل كقناة اتصال بين الدولة والقبيلة. واختتم تشاي نقاشه بطرح عدد من الأسئلة، كان من بينها: هل للديوانيات خصوصية كويتية مرتبطة بتأسيس البرلمان، أم أنها مجرد مساحة اجتماعية تزدهر مع مرور الوقت؟ ما الدور الذي تمارسه الديوانيات في المعارضة عندما يتم حل البرلمان؟ وإلى أيّ مدى تحلّ وسائل الإعلام الاجتماعية محلّ الديوانيات؟

تناول نجم بن عساية في جلسته موضوع “السياسات غير الرسمية والوصول إلى الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط”، فركّز في عرضه التقديمي على ثلاث قضايا رئيسة معنية بالوصول إلى الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط، وهي: الجمعيات التطوعية، والبنى التحتية، واللوائح العرفية المحلية. وفيما يتعلق بالجمعيات التطوعية، قال بن عساية أنّ السكان الريفيين يشكلون حوالي 41 في المائة من سكان الشرق الأوسط، وتزيد النسبة إلى 50 في المائة في بلدان مثل مصر وسوريا، وهي نسب عالية تفرض ضغوطًا على إمكانية النفاذ إلى الموارد والأسواق. وفي الوقت نفسه، يشهد الشرق الأوسط قيودًا كبيرة تعوق المشاركة في عمليات صنع القرار المعنية بالموارد الطبيعية، إلّا أنّه صار من العسير على دول الشرق الأوسط مواصلة فرض هذه القيود نظرًا لضعف قدراتها المؤسسية، مما دفع العديد من تلك الدول إلى السماح بإنشاء جمعيات تطوعية. ففي المغرب، على سبيل المثال، وفي أعقاب أعمال الشغب التي اندلعت بسبب الأزمات الغذائية، سمحت الحكومة في عام 1998 بإنشاء الجمعيات التطوعية طالما أنّها لا تتبنى أيّة أجندات سياسية. ورغم ذلك، نجحت بعض الجمعيات، مثل جمعية المزارعين، في ممارسة الضغط على المسؤولين المنتخبين للوفاء بمطالبهم. وأثمر هذا الصعود في قوة الجمعيات وتأثيرها إلى ازدهارها، حيث زاد عددها في المغرب من 73 ألف جمعية تقريبًا في عام 2008 إلى حوالي 93 ألف جمعية في عام 2018. وفيما يتعلق بالبنية التحتية، أشار بن عساية إلى ظهور مجال جديد في علم الأجناس البشرية يعتمد على البيئة السياسية. وفي ضوء ذلك، يبدو أنّ هناك قصور في البحوث التي تتناول تأثير تحلية المياه على تطوير المعرفة واستغلال مشاريع البنية التحتية الجديدة كمنصات للمشاركة السياسية من قبل المجتمعات المحلية لا سيما في الإمارات العربية المتحدة، الأمر الذي يطرح تساؤلًا عن المدى الذي تؤثر به السياسات غير الرسمية على صناع القرار عند تحديد المناطق التي تتلقى خدمات صيانة أفضل وأحمال أكبر فيما يتعلق بتوزيع المياه؟ وفي ختام جلسته، سلط بن عساية الضوء على دور اللوائح العرفية المحلية المنبثقة عن المشاورات المحلية والاتفاقات الشفهية حول استخدامات الأراضي، حيث يرى أنّ العقوبات المحلية والقوانين العرفية لم تخضع للقدر الكافي من الدراسة والبحث في الشرق الأوسط.

وبدوره، اختتم دين شارب مناقشات مجموعة العمل بجلسته التي تناولت “عدم التقيد بالرسميات ومردود ذلك على المدينة: مساحات لممارسة الأنشطة السياسية وفرص تحقيق الاندماج في الشرق الأوسط”. استهل شارب حديثه بالتأكيد على أن الانتفاضات العربية التي اندلعت إبان عام 2011 أثبتت أنّ الميادين العامة تمثل ملتقيات أساسية للأنشطة السياسية الجماعية. ورغم أنّ الأوساط الحضرية في كثير من المدن القديمة بالمنطقة مهدت الطريق أمام ممارسة الأنشطة السياسية، إلا أن المدن الجديدة نسبيًا تبدو وكأنها صممت لتسدّ الطريق أمام أنشطة سياسية بعينها. ومن هذا المنطلق، ناقش شارب دور شركات التشييد والبناء متعددة الجنسيات والدولية في الحياة السياسية بالشرق الأوسط. فمع أننا نعلم يقينًا أنّ الشركات لم يرد ذكرها في أيّ من دساتير دول الشرق الأوسط ولم ينظر أبدًا إليها باعتبارها عنصرًا فاعلًا في السياسة، إلّا أنّ شارب يرى النقيض من ذلك وأنّ بالإمكان اعتبار الشركات واحدة من أقوى الكيانات السياسية في المنطقة، إذ أنّ الشركات المساهمة تسير بخطى حثيثة نحو أن تكون إحدى أهم مؤسسات الشرق الأوسط ومقومًا أساسيًا في نسيج الحياة الحضرية المعاصرة في المنطقة. استشرت قوة الشركات منذ تسعينيات القرن العشرين خاصة في الأوساط الحضرية بالشرق الأوسط. وإذا ما توجهنا بالنظر إلى أفق المدن المركزية في جميع أنحاء المنطقة، لا سيما المدن الخليجية كدبي والدوحة وأيضًا القاهرة والدار البيضاء، سنجد أنّ الشركات المساهمة غيرت من ملامح المشهد الحضري لها. فالمدينة التي تشكلت على يد الشركات المساهمة تفرض طابعها وتكشف عن نفسها من خلال نشر نموذجها الحضري القائم على المشاريع الضخمة كناطحات السحاب، ومشاريع التطوير في وسط المدن، والمجتمعات المحاطة بالسياجات، ومراكز البيع بالتجزئة، والجزر الاصطناعية، والمطارات والموانئ، والطرق السريعة. ولا يجري تنفيذ مثل هذه المشاريع في المدن الحضرية فحسب، بل إنّها امتدت لتشمل المناطق الريفية التي كانت هي الأخرى منطلقًا وموئلًا للاحتجاجات خلال الانتفاضات العربية. أصبحت أسماء شركات مثل إعمار وداماك مألوفة وجارية على كل الألسنة. ومن ناحية أخرى، نجد أنّ أسواق الأسهم قد افتتحت مؤخرًا في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وتوسعت بشكل بارز في مصر والعراق. وخلاصة القول، يرى شارب أنّ الشركات ليست مجرد نشاط تجاري، بل هي مقوم أساسي في الحياة السياسية المعاصرة في الشرق الأوسط.

مقالة بقلم: إسلام حسن، محلل أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية