الدول الضعيفة في الشرق الأوسط الكبير – فريق العمل 1
عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية اجتماعا لفريق العمل الأول لمناقشة المبادرة البحثية، التي حملت عنوان “الدول الضعيفة في الشرق الأوسط الكبير“، يومي الثامن والتاسع من ديسمبر 2012. اعتمد المشاركون منهجية بحثية متعددة التخصصات لتقديم تحليل نقدي لمصطلحي الدولة الضعيفة والدولة الفاشلة، إضافة إلى التداعيات السياسية المرتبطة بهذين النمطين من الدول. يناقش المشاركون أيضا – إضافة إلى بعض القضايا الشاملة الخاصة بالخطاب الذي تتبناه الدول الضعيفة على مستوى العالم – عددا من دراسات الحالة المتعلقة ببعض بلدان الشرق الأوسط، لتسليط الضوء على حزمة الأسباب والنتائج المحلية والإقليمية والعالمية المتعلقة بهشاشة الدولة.
استهل أعضاء فريق العمل مناقشاتهم بالحديث عن الأفكار والمصطلحات الخاصة بفشل وضعف الدولة، وتوصلوا إلى تعريف الدولة الضعيفة – من منظور التصنيفات المعيارية والموحدة للدول وقدراتها – باعتبارها الدول التي تفتقر إلى سمات محددة ومميزة، كما تفتقد القدرة على تقديم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الملائمة لمواطنيها، حيث تصنف الأدلة، التي تضعها المنظمات المختلفة، الدول باعتبارها قوية أو ضعيفة أو فاشلة على أساس المؤشرات الخاصة بقياس القدرة المؤسسية للدولة والخدمات السياسية التي تقدمها، إضافة إلى عوامل الأمن والاستقرار التي توفرها.
وتٌستخدم هذه التقديرات من قبل صانعي السياسات لتقييم مكانة الدولة، ومن ثم لتطوير السياسات التي تعزز النمو الاقتصادي والدعم البشري والاستقرار السياسي. في ضوء هذه المناقشات، بحث أعضاء فريق العمل كافة المنهجيات المستخدمة في وضع هذه المؤشرات، كما شملت مباحثاتهم القدرة على تقديم قراءة وتفسير صحيحين لهذه التقديرات.
إن وضع مجموعة متباينة من الدول في مستوى تصنيفي واحد على أساس المؤشرات التي تبرز بعض الأعراض، دون أخذ أسباب وديناميكيات أوضاع بعينها في الاعتبار، يعطي فهما أحاديا قاصرا عن نجاح الدولة أو فشلها.
ساعد هذا التصنيف على لفت أنظار الدول المانحة والمنظمات متعددة الأطراف إلى الدول التي تقبع في قاع مؤشر قوة الدولة، كما وجه المشاركين – في إطار تقييم فعالية تخصيص المعونات في الدول الضعيفة – إلى مناقشة الوسائل المختلفة لتوصيل المعونات، والمصالح الاستراتيجية للدول المانحة، إضافة إلى الأشكال المختلفة للمعونة. ففي بعض الحالات، لا تفي حصة الدولة من المعونة إلا بغرض سداد أجور النخبة، بما يخدم مصلحة الدول المانحة، بينما تذهب المعونة – في حالات أخرى – إلى بناء مؤسسات للتنمية، بعيدا عن متناول الدولة المتلقية، للتوصل إلى نتائج إيجابية على المدى القصير. إلا أن هذه السياسة تؤدي في النهاية إلى تقويض الدولة وتفاقم المشكلة الأصلية الخاصة بضعف قدراتها.
تتقاطع قضية تسييس المعونة مع قضية أخرى، هي توريق خطاب الدولة الضعيفة، حيث يٌفترض أن يساعد ضعف الدولة على خلق بيئة خصبة لازدهار الجهات الفاعلة غير التابعة لها، ومن ثم يشكل تهديدا غير تقليدي على الأمن العالمي. ويعتقد صانعو السياسات وجود علاقة تبادلية بين التهديدات غير التقليدية من جانب وفشل الدولة أو انهيارها من جانب آخر. إلا أن الدراسات الحديثة بينت أن الدولة المنهارة لا تمتلك من الموارد المالية أو اللوجستية ما يفي باحتياجات الشبكات الإجرامية أو الإرهابية، وذلك على عكس الدولة الضعيفة. وقد اقترح بعض المشاركون أن التصنيف الأحادي للدولة الضعيفة لا يمَكن صانعي السياسات من فهم التهديدات المترتبة على هذه الإشكالية أو وضع حلول ناجعة للتغلب عليها.
من ناحية أخرى، كشف الربيع العربي عن هشاشة الدول التي يحكمها الأقوياء. في هذا الإطار، قدم أعضاء مجموعة العمل نماذج مختلفة للعديد من دول الشرق الأوسط في حقبة ما بعد الربيع العربي، فيما يتعلق بالأداء المحلي للدولة وتفاعلاتها الإقليمية. تَمثل أحد هذه النماذج في ’ليبيا القذافي‘، التي خضعت لحكم فردي شخصي، أفقدها وجود مؤسسات حقيقية. في هذا السياق، ذهب بعض المحللين إلى اعتبار هذا النقص المؤسسي – في حقبة ما بعد القذافي – ’نعمة في هيئة نقمة‘، حيث أدى إلى عدم إثقال كاهل الدولة الليبية، في هذه المرحلة، بالمؤسسات القضائية والعسكرية الصناعية المعقدة التابعة للنظام البائد. تناول المشاركون أيضا الحالة الأمنية التي تعيشها الدولة الليبية في حقبة ما بعد الثورة، لا سيما في ظل وجود الميليشيات المسلحة، وما تسببت فيه هذه الأوضاع من تدفق للسلاح إلى دول الجوار. ثم تطرق النقاش إلى بحث الحالة العراقية، في ضوء المباحثات التي أجراها المشاركون بشأن التدخل الخارجي وتأثيره على ضعف الدولة، إلى جانب ما أثبتته هذه الحالة من أن سياسات التعمير، التي تهدف إلى إعادة إعمار العراق في فترة ما بعد الحرب، قد كشفت عن الوظيفة الثنائية للمدن، كميدان رئيسي للصراع المسلح من جانب، وموقع أساسي لأعمال البناء التي تضطلع بها الدولة من جانب آخر.
لا تمدنا المؤشرات، التي تقيم سياسات الدول والأداء المؤسسي، وتصنفهم – بناءا على ذلك – ضمن مستويات القوة أوالضعف، بالأدوات اللازمة لفهم الفروق الدقيقة بين قدرات الأنظمة المختلفة على التكيف، مما يؤكد فشل المفهوم الأحادي للدول في تقديم صورة واضحة تساعد على فهم بعض الحالات، مثل الحالة السودانية، حيث تكتظ السوق السياسية بالجبهات الديناميكية التي تتمتع بقدرات هائلة على إبرام الصفقات السياسية. لقد تدنت الحياة السياسية في السودان، على مدار العقد الماضي، من حياة ترتكز على جوهر مؤسسي إلى سوق سياسي إقليمي، تحركه مزادات الولاء والانتماء، حيث تمكنت الأقلية الحاكمة في السودان من وضع نفسها في مواجهة مراكز رعاية محلية وإقليمية متصارعة، للمحافظة على السلطة المركزية وإبعاد أطراف الدولة عن تشكيل خطر داهم يهدد النظام. تمثل الحالة السودانية – إذاً – نموذجا جليا لأهمية التركيز على بعض العلاقات (مثل الانفصال بين الدولة والمجتمع) لبحث قضية المركز والأطراف في الدولة الضعيفة.
تطرقت المناقشات، بعد ذلك، إلى إمكانية اعتبار الدول التي لا تزال في طور التكوين، ولمًا تصل إلى مرحلة التوطيد السياسي، دولا ضعيفة. فالدولة اليمنية – على سبيل المثال – التي طالما وٌسمت بالدولة الضعيفة أو المنهارة، لا تزال في طور التشكل، ولا تزال الأحداث تتكشف عن المفاوضات السياسية الدائرة بين الأطراف المتنازعة. لكن، نظرا لما تعانيه الدولة من تفشي أنظمة السلطات المحلية، والتعددية القانونية، وانتشار السلاح بصورة مخيفة، تبقى اليمن عاجزة عن الوصول إلى نموذج الدولة عند فيبر.
وفيما يتعلق بقضية انتشار السلاح، ذهب البعض خلال المناقشات إلى التأكيد على رمزية العنف في اليمن، وأنه لا يأخذ شكلا وحشيا أو متطرفا، كما ذهب آخرون أبعد من ذلك، حيث ألمحوا إلى أنه أمرا يتعلق بخيارات الفطرة اليمنية، وتأكيدا على التأبي على السلطة المركزية، ومن ثم يقدم نموذجا مختلفا للدولة، لا يلتقي بالضرورة مع النموذج الغربي.
من ناحية أخرى، أرجع بعض المشاركين حالة ’شبه عدم الاستقرار‘ التي تعيشها اليمن بصورة دائمة إلى الدور الذي تقوم به بعض القوى الخارجية، مثل المملكة العربية السعودية، التي تبذل جهودا مضنية للحيلولة دون إقامة دولة يمنية مركزية تتمتع بالاستقرار وتنعم بالقوة. لكنها، في الوقت نفسه، تحرص على احتفاظ الدولة اليمنية ببعض الأدوار المؤسسية، وذلك لمنعها من الانهيار الكامل، للمحافظة على الاستقرار الإقليمي. لذا، تلجأ المملكة إلى تمويل كل من الدولة والقوى المعادية للدولة المركزية – في آن – للمحافظة على استمرار وضعية شبه عدم الاستقرار في اليمن.
بحث المجتمعون أيضا الديناميكيات التي تحكم بناء المؤسسات في فلسطين، حيث تمكنت فلسطين – كدولة ريعية واستخراجية – من بناء مؤسساتها في ظل هيمنة استعمارية، مما حدا بالمؤسسات الكبرى – بسبب هذه الأوضاع – إلى خدمة مصالح الدولة الفلسطينية والإسرائيلية على السواء. إضافة إلى ذلك، تقع فلسطين فريسة للإملاءات التي تفرضها عليها “سياسة التناقض”، حيث تسعى القيادة الخارجية إلى توطيد دعائم سلطتها في الداخل من خلال معارضة سياسات زعماء الانتفاضة، الأمر الذي يأتي في النهاية على حساب بناء المؤسسات.
حرص المشاركون، على مدار مباحثاتهم حول الدول الضعيفة في الشرق الأوسط الكبير على التطرق إلى الاقتصاد السياسي، الذي يمثل الأساس الذي يقوم عليه نظام تصنيف الدول. وغير بعيد عن هذا الطرح، فقد تكشفت الآونة الأخيرة عن مبادرات تخضع لإشراف الدولة، وتهدف إلى تقديم الإرشادات وإعداد التقارير اللازمة عن المشكلات التي تواجه الدول المأزومة، من وجهة نظر مبادرة G7+. تقدم هذه المبادرات نموذجا يساعد الدول على تقييم الهشاشة ذاتيا. أخيرا، فإن أدوات التعبير عن المصالح التنموية والأمنية الخاصة بالقوى الكبرى العالمية صارت عرضة للتعديل والتغيير، لا سيما في ظل ما شهدته الفترة الأخيرة من ظهور بعض المفاهيم والتصورات الجديدة عن الدولة.
المشاركون والمناقشون:
- رقية أبو شرف، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- زهرة بابار، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- بريدجيت كوجينز، كلية دارتموث
- جون كريست، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- اليكس وال، جامعة تافتس
- دانيل إيسر، الجامعة الأمريكية
- ماناتا هاشمي، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- مهران كامرافا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- مارك ماكجيليفراي، جامعة ديكن
- سوزي ميرغاني، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- دعاء عثمان، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- سارة فيليبس، جامعة سيدني
- جلين روبنسون، مدرسة الدراسات العليا البحرية
- روبرت روتبيرج، جامعة كارلتون
- تشارلز شميتز، جامعة تاوسن
- نادية تالبور، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، كلية الشؤون الخارجية في قطر، جامعة جورجتاون
- فريدريك هري، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي
- محجوب زويري، جامعة قطر
كتب: دعاء عثمان، محللة أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية