الدول الضعيفة في الشرق الأوسط الكبير – مجموعة العمل الثانية

الدول الضعيفة في الشرق الأوسط الكبير – مجموعة العمل الثانية

عقد مركز الدراسات الدولية والاقليمية في الفترة  19-18مايو 2013 مجموعة عمل ثانية في إطار مبادرة بحثية تحت عنوان “الدول الضعيفة في الشرق الأوسط الكبير“، وقد اجتمع المشاركون في واشنطن العاصمة لمناقشة الأطروحات البحثية الفردية التي تبحث بشكل تفصيلي الخطاب السائد للدول الضعيفة في المنطقة. وقد استخدم العلماء، من خلال الموضوعات الرئيسية ودراسات حالة محددة، منهجًا متعدد التخصصات لتقييم الأسباب التاريخية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك الآثار المترتبة على مفهوم “هشاشة الدولة” في منطقة الشرق الأوسط الكبير.

وبدأ المشاركون بمناقشة النماذج الشخصية وتصنيف مؤشرات نظام الحكم التى تمثل سلسلة متصلة من قوة الدولة على أساس قدرة الدولة على تقديم سلة من المنتجات السياسية لمواطنيها. وتهدف هذه المؤشرات إلى تشخيص نتائج نظام الحكم التي تستند نظرياً على المفهوم الويستفالى للدولة القومية. ومع ذلك، أثار المشاركون جدلاً أثناء دراسة الأوضاع المحلية والإقليمية الديناميكية في الشرق الأوسط، بشأن الفرضية المعيارية للمؤشرات التي تتجاهل كيان الدولة وبنائها باعتبارهما عمليات جارية. كما تم التركيز أثناء المناقشة المعنية بتحديد الدول “القوية الجوفاء”، على القيود المفروضة على المفاهيم متجانسة لنظام الحكم بالمقارنة مع أهمية الصراع على السلطة الذي يؤدي إلى هياكل الحكم الضعيفة.

وقد ظهرت مؤشرات المظالم واضحة دون ريب في دول معينة في الشرق الأوسط، لتؤكد هذه العلامات على ضعف أنظمة الحكم بالتزامن مع الحس التاريخي، مما يعطي تفصيلاً دقيقًا للمآزق السياسية الراهنة التي تواجه الدولة. كما أن تصنيف الدول من قبل الجهات المانحة وصانعي السياسات الخارجية يتجاهل في الغالب الجذور التاريخية لهياكل الحكم المعاصرة.

كما أن معرفة الطريقة التي يحافظ بها قادة الدولة على زمام السلطة لعقود طويلة في فترة ما بعد الاستقلال، توفر قدراً كبيرا من الرؤية لفهم العلاقة بين نوع النظام ونتائج الحكم. فعلى سبيل المثال، لقد شهدت العقود الأخيرة تفكك الدولة القومية السودانية بشكلٍ متزايد. ورغم ذلك، حافظ الرئيس البشير وأعضاء النخبة الحاكمة المحلية والإقليمية على التماسك والولاء من خلال نظام الرعاية المستحدثة داخل السوق السياسي. ومع ذلك، مازال حكم الأقلية السياسية في تطور مستمر وقد يواجه حالة من عدم الاستقرار حيث أن”الموازنة السياسية” للنخبة الحاكمة تتضاءل في وجه المشروع القومى الفاشل للإسلاميين، مما يؤدي بالتبعية إلى انخفاض العوائد المالية. كما عانى القذافي في ليبيا أيضاً من السياسات المحبذة للإنقسام والتى تهمش عن غير قصد بعض القبائل والأعراق والمناطق الجغرافية. وقد دخل الليبيون في فترة ما بعد القذافي في صراع مع قضايا الإقصاء والمصالحة بين الجماعات التي كانت تابعة للنظام لأنها تتحرك خلال الفترة الانتقالية وتسعى إلى خلق نظام سياسي جديد. وفي أعقاب الانتفاضات وسقوط الطغاة، أكدت الفترات الانتقالية وحالات عدم الاستقرار الناجمة عنها والتي شهدتها دول مثل مصر وتونس على أن عملية التحول الديمقراطي قد تعرض نتائج الحكم الفعالة للخطر.

ويوفر السياق التاريخي والإرث الاستعماري مزيداً من الفهم العميق حول الطريقة التي حافظت بها أنظمة حكم معينة على السلطة، كما يسلط الضوء على أن موجات الصراع على السلطة قد أدت بالتبعية إلى خلق هياكل أنطمة الحكم الضعيفة. وفيما يتعلق بفلسطين، فإن عملية بناء المؤسسات تتحكم بها مجموعة من العوامل، حيث إن عملية بناء المؤسسات التي تخدم مصالح إسرائيل الاستعمارية وكذلك المصالح الفلسطينية، باعتبارها من الدول الريعية؛ إلى جانب توحيد السياسات الفردية للنخبة الحاكمة على حساب بناء المؤسسات في فلسطين.

وأكد المشاركون على أهمية فهم المبادئ السياسية للمؤسسات في اليمن ، مثلها مثل الكثير من الدول كالسودان وليبيا، وكذلك المسار السياسي المتأصل تاريخيا في فلسطين. حيث منحت الحرب الأهلية اليمنية (1962-1970) وسقوط نظام الإمامية، المشايخ القبلية قوة غير مسبوقة. ويسيطر الجيش والتجار الذين تربطهم صلة بالجيش والدولة على المجال السياسي. كما ظل ظهور شيوخ القبائل عاملاً مستمراً في تحديد إستقرار الدولة اليمنية. بالإضافة إلى ذلك، تدخلت المملكة العربية السعودية في المشهد السياسي الداخلي في اليمن من أجل تأمين مصالحها الاستراتيجية. وقد عززت إتفاقية دول مجلس التعاون الخليجي الأخيرة، التي دفعت بها قوى دولية وإقليمية مثل المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة في أعقاب الانتفاضات التي شهدتها اليمن، أسلوب الحكم اليمني السائد مما أدى إلى تقويض جهود بناء للدولة. وبالتالي، فقد تدخلت الجهات الخارجية أيضًا بشكل مباشر في هيكلة حكم الدولة اليمنية حيث إن مستوى تأييدهم لجهود بناء الدولة تحكمه المصالح الجيوسياسية الخاصة بهم.

ويعتبر دور العناصر الخارجية في تحديد الاستقرار الداخلي لا يقتصر على حالة اليمن فحسب. ففي بلاد الشرق، ألقت الأزمة السورية الضوء على مواطن الضعف في لبنان فيما يتعلق بالتيارات الجيوسياسية. حيث ظهرت النخب والأحزاب الطائفية وتحديداً حزب الله باعتبارها أطرافًا سياسية قوية داخل لبنان والتي وضعت استراتيجيات السياسية الخارجية الخاصة بها. وهذا بشانه أدى إلى عرض لبنان كساحة سياسية للأجندات الجيوسياسية.

هذا بالإضافة إلى الآليات السياسية الإقليمية والتفاعلات والمساهمات السياسية التي قامت بها الجاليات لصالح أوطانها وكذلك الآثار المترتبة على بناء الدولة أو إعادة بنائها. وعلى الرغم من عدم إمكانية التعميم بشأن تأثير الجاليات على التطورات التي تشهدتها بلادهم عند العودة إليها، فقد ناقش العلماء دور التحويلات المالية وعملية التصويت من الخارج ومدى علاقة هذه الإجراءات بحفظ الأمن والإمكانيات والحفاظ على شرعية الدولة في حالات خاصة.

ويؤكد الدور الفعال للوكالات المانحة في مجال التنمية على أن تشكيل الدولة يتأثر بالأجندات العالمية. كما ناقش أعضاء مجموعة العمل أيضًا القدرة الاستيعابية للدولة والعلاقة بين حجم المساعدات وفعاليتها في الدول ذات المؤسسات الضعيفة. وساهمت الفجوات في قدرة الدولة ورغبتها في توفير السلع الأساسية للمناطق أو الفئات المهمشة في تدخل المنظمات غير الحكومية بالمساعدات المالية في دول منطقة الشرق الأوسط الكبير. وأدت سياسات التهميش والإقصاء الاجتماعي للمرأة في السودان وباكستان إلى تدخل المنظمات غير الحكومية المحلية والدولية على حد سواء في تنفيذ مشروعات تنموية مثل مبادرات التمويل الصغير ومبادرات تهدف إلى التمكين الاقتصادي للمرأة، في حين أن هذه التدخلات تستهدف على وجه التحديد المناخ الاقتصادي، حيث إن تنفيذها قد يعيق الإندماج السياسي والاجتماعي للمرأة أو يدعمه وفقًا للسياق المحلي.

ويبدوا من الواضح، بعيدًا عن احتياجات التنمية المطلقة، أن الديناميكيات الجيوسياسية تحدد كمية ونوعية المساعدات التى تتلقاها أي بلد. فعلى سبيل المثال، وجود تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية داخل حدود اليمن وتصنيف اليمن من حيث النظام السياسي المتعاقب كدولة ضعيفة أو هشة، أدى بدوره إلى فرض الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية استراتيجية محددة تجاه اليمن. حيث إن منهج التنمية الخاص بكل دولة والذي تطبقه الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتسوية الصراع يعمل على تجاهل الفروق المحلية وتصورات الحكومة المركزية اليمنية والقواعد القانونية التقليدية القائمة ويفرض عقبات أمام برامج الاصلاح داخل مؤسسات الدولة. وقد تؤدي جهود التدخل المزعوم بهدف الاستقرار إلى تداعيات غير مقصودة، من بينها زيادة المشاعر المعادية للغرب داخل اليمن.

وعلى غرار اليمن، فقد سعت التدخلات في العراق وأفغانستان إلى تضييق نطاق نظام الحكم المحلي في العراق وأفغانستان. وشهدت مدن الجنوب العالمي حالات متزايدة من العنف السياسي والصراعات التنافسية. وبالتالي سعت قوات التدخل، على حساب التحريض على التعددية الديمقراطية على المستوى دون الوطني، إلى أن تجعل عملية الانتخابات على رأس أولوياتها على المستوى القومي في محاولة منها لتحقيق الاستقرار السياسي الذي يساعدها على مصالح تدخلاتها العسكرية.

وتتناول هذه الفصول المستقلة تحليل الأسباب والآثار المترتبة على مفهوم الدولة “الهشة” في جميع أنحاء المنطقة، وسوف يتم تجميع هذه الفصول في مجلد مطبوع تحت عنوان “الدول الضعيفة في منطقة الشرق الأوسط الكبير”.

المشاركون والمساهمون

  • رقية مصطفى أبو شرف، جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
  • زهرة بابار، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
  • لوري براند، جامعة جنوب كاليفورنيا
  • مات بيوهلر، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
  • الكس دي واال، جامعة تافتس
  • دانيال ايسر، الجامعة الأمريكية
  • مهران كامرو، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
  • مارك جيليفري، جامعة ديكن
  • شوغيج ميكالين، جامعة كونكورديا
  • دعاء عثمان، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
  • سارة فيليب، جامعة سيدني
  • جلين اي روبنسون، كلية الدراسات العليا البحرية
  • روبرت أي روتبرج، جامعة واترلو
  • باسل صلوخ، الجامعة اللبنانية الأميركية
  • تشارلز شميتز، جامعة توسون
  • نادية تالبور، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
  • فريدريك ويري، مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي

يرجى القراءة عن مجموعة العمل الأولى

رجى قراءة السير الذاتية للمشاركين    

انظر الجدول الزمني لمجموعة العمل

مقال كتبته دعاء عثمان، محللة أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية