الدولة والابتكار في الخليج – مجموعة العمل الأولى
عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية مجموعة عمل في الفترة 8-9 ديسمبر 2013 لإطلاق مبادرة بحثية تحت عنوان “الدولة والابتكار في الخليج“، وقد التقى في هذا الحدث لفيف من العلماء والخبراء الاقليميين والدوليين من مختلف التخصصات والتوجهات لمناقشة القضايا المتعلقة بالسعي نحو اقتصاد مبني على المعرفة في العديد من الدول في مجلس التعاون الخليجي.
وفي هذا الإطار، قام أعضاء مجلس التعاون الخليجي خلال العقد المنصرم، بإعداد وصياغة وإطلاق خطط واستراتيجيات تنموية من شأنها نقل الباعث المشترك بين هذه الدول من أجل خلق اقتصاد مبني على المعرفة. وعلى الرغم من ذلك، فقد حظيت هذه الدول الأعضاء بوتيرة سريعة من التنمية على أوسع نطاق نظراً لوفرة المناطق المستأجرة لاستخراج المكونات الهيدروكربونية. هذا بالإضافة إلى تأكيد حكام ومسؤولي هذه الدول بشكلٍ متزايد على أهمية التنوع الاقتصادي من أجل تحقيق نمو اقتصادي مستدام، وذلك نظراً لأن مفهوم التنوع كان يستخدم في الغالب بشكلٍ تبادلي مع مفهوم تطوير “الاقتصاد المبني على المعرفة”، مما يؤكد تحقيق الهدف الأسمى الذي تسعى إليه هذه الدول لإصلاح قطاعات التعليم والبحوث والتطوير وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والقطاعات الأخرى التي تعمل على تعزيز الانتاجية والتقدم العلمي.
ويعد الاستثمار في التعليم العالي أحد أبرز الشواهد لهذه القوة الدافعة نحو تطوير الاقتصاديات المبنية على المعرفة، ويرجع استثمار الحكومات بشكلٍ كبير في فروع الجامعات الدولية إلى افتقار الجامعات الحكومية العامة في جميع أنحاء المنطقة إلى الكفاءات والخبرات التي تُصقل خريجيها بالمهارات الضرورية المناسبة للاقتصاد المبني على المعرفة. وعلى الرغم من أن فروع الجامعات الدولية لا تمثل ظاهرة غير مسبوقة في العالم، فقد تبنت منظمات مثل مؤسسة قطر الكائنة في دولة قطر ممارسات وإجراءات تنظيمية فريدة من نوعها كالتي تتبناها هذه الجامعات الدولية. ومن الجدير بالذكر أن خريجي الفروع الدولية لهذه الجامعات الأوروبية والأمريكية المصنفة عالمياً من الدرجة الأولى يحصلون على شهادات معادلة ومماثلة للشهادات التي يحصل عليها خريجي هذه الجامعات الرئيسية. ورغم أن الغرض وراء هذا النموذج من الجامعات المَضيفة يتمثل في نقل المعرفة من جامعة إلى أخرى، إلا أن هناك أنواعًا معينة من المعرفة لها نماذج تبني أكثر تعقيداً. وقد ناقش المشاركون عملية نقل العلوم وما تتميز به من سهولة نسبية، بينما يتم تبني برامج الدراسات الإنسانية الكامنة في القيم الاجتماعية والثقافية لتتناسب مع مكان محدد.
كما يدل الاستثمار في فروع الجامعات الدولية والمؤسسات البحثية على وجود البنية الأساسية اللازمة لتعزيز الاقتصاد وتقافة البحوث والتنمية. وعلى الرغم من ذلك، فقد ثبت أن الاحتفاظ برأس المال البشري المعني بإعداد البحوث يمثل مهمةً في غاية الصعوبة. كما أدى قلة التعداد السكاني في دول مجلس التعاون الخليجي إلى جلب أعداد كبيرة من الموراد البشرية للوفاء بمتطلبات سوق العمل. ومع ذلك، فقد أدت حالة عدم التوازن السكاني الناجمة بين السكان الأصليين والوافدين إلى صياغة قوانين إقامة صارمة في هذه الدول، من شانها عدم إتاحة سبلاً رسمية للحصول على المواطنة. كما أن عملية توظيف العمالة لم تحظى بمزيدٍ من الاهتمام، إلا أن الاحتفاظ بقوة عاملة تتميز بمباديء الالتزام طويل المدى والاستقلالية في الأعمال التي يقومون بها من القضايا بالغة الصعوبة لدى المؤسسات. وبالتالي، فقد سعت دول مجلس التعاون الخليجي نحو خلق بيئة من الابتكار وتوليد المعرفة من خلال الاستثمارات المالية والاستثمار في البنية التحتية، كما أن القدرة على نثر بذور الابتكار وحصاد ثماره في مجتمع يعيش فيه سكان مؤقتين أمرًا يثير الكثير من التساؤلات، حيث إن تحقيق الاستدامة في الابتكار يتطلب منهجاً شاملاً يضع في الاعتبار الأبعاد الاجتماعية لعملية التحول إلى الاقتصاديات المنتجة للمعرفة.
وفي الوقت الذي أصبح فيه الاستثمار في التعليم العالي يمثل بؤرة الاهتمام لدى هذه الاقتصاديات الواعدة المبنية على المعرفة، أصبح هناك تجاهلاً نسبياً لأنظمة التعليم الأساسي في دول مجلس التعاون الخليجي. وأوضح المشاركون أنه لكي نتمكن من تفعيل أنظمة توليد المعرفة والاستدامة المعرفية بشكلٍ فعال، يجب على الدول أن تسعي إلى خلق مجتمعات المعرفة بدلاً من المجتمعات في حد ذاتها. ويعتبر التعليم التلقيني المعتمد على الحفظ والمناهج الوظيقية هي الطرق السائدة في سنوات التعليم الأولى، وبالتالي فهي تمثل عقبات في وجه الابتكار، مما أدى بدوره إلى إضعاف مهارات التفكير النقدي وعدم الوضع في الاعتبار قيمة المعرفة ضمن متطلبات سوق العمل، ولذلك فقد يظل تعزيز الانتاج المعرفي وثقافة قبول المخاطرة أمرا بعيداً عن الانجازات بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي على الرغم من ازدخارها بالجامعات البحثية المصنفة من الدرجة الأولى.
وتجدر الإشارة إلى أن توظيف المواطنين في سوق العمل مازال يمثل أولوية قصوى لدى دول مجلس التعاون الخليجي. كما يعكس تأميم قطاعات التعليم والسياحة جهود الحكومة في تنويع مجالات اقتصادها، في الوقت الذي تسعى فيه إلى الحد من معدل البطالة بين المواطنين. وتشهد دول مجلس التعاون الخليجي دفعة قوية نحو تطوير ريادة الأعمال والمشروعات الصغيرة والمتوسطة والتي تعتبر بمثابة وسائل أخرى للتوظيف تحفز على الابتكار والابداع. وأشار المشاركون إلى أنه على الرغم من ذلك، فإن هناك الكثير من التحديات النظامية والفكرية التي تواجهها الدولة في تشجيع ريادة الاعمال والابتكار والابداع. ومن بين العوامل الأخرى، تتمثل العقبات النظامية في المنافسة المؤسسية والإجراءات البيروقراطية المفرطة، إلى جانب حالات عدم التوافق المستوطنة بين السياسات وأحوال السوق التي يحكمها. ومن ناحية أخرى، تشكل التحديات الفكرية عائقًا كبيراً أمام تطوير ريادة الأعمال وتعمل على الحد من التحفيز نحو الابتكار والابداع الريادي بين المواطنين في الخليج. ونوه المشاركون إلى أن الأنماط المسارية لأصحاب الدخول وهيكل الأجور المزدوج بين القطاعين العام والخاص في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي تعمل على إعاقة حوافز الابتكار وريادة الاعمال بين المواطنين المحليين. وفي حقيقة الأمر، أدت محاولات الدولة الرامية إلى إنعاش القطاع الخاص وتقويته من خلال تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إلى تضمين القطاع العام بشكلٍ كبير في الاقتصاد وريادة الأعمال، مما جعله نموذجاً جديداً لرعاية الدولة ووسيلة لتحقيق أرباح.
وعلى الرغم من الجهود الحثيثة التي تبذلها دول مجلس التعاون الخليجي من أجل تطوير “مدن الابتكار”، وتبني سياسة الابتكار التي تهدف إلى انتشار الاقتصاديات المبنية على المعرفة على نحوٍ عالمي راسخ، إلا أن الامر الذي يبدو أكثر تعقيدًا هو معالجة البعد الاجتماعي على النحو المطلوب لكي يتواءم مع مرحلة الانتقال إلى الاقتصاد المبني على المعرفة ومواءمة هذه السياسات لكي تتناسب مع الظروف المحلية. وفي هذا الإطار، فإن تعزيز الابتكار قد يجعل هذه الدول تتجه نحو إعادة النظر في سياسات الاعتماد على أصحاب رؤوس الأموال التي تستهدف المواطنين، وتسعى إلى تطوير الأليات التحفيزية التي تشجع المواطنين على أن تلعب دورا رئيسيًا في تطوير الاقتصاد المبني على المعرفة.
مقال كتبته دعاء عثمان، محللة أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية