الدبلوماسية العامة الأمريكية بعد إدارة بوش
استضاف مركز الدراسات الدولية والإقليمية حلقة نقاش على الغداء بتاريخ 19 أكتوبر 2008، أدارتها سينثيا شنايدر، أستاذ الممارسة الدبلوماسية في جامعة جورجتاون، والزميل غير المقيم في مؤسسة بروكينغز، والسفير الأمريكي السابق لدى هولندا. ناقشت شنايدر السبل التي يمكن للإدارة الأمريكية القادمة استخدامها والإفادة من الثقافة كجزء من جهودها الدبلوماسية. حضر الغداء عدد من السفراء المقيمين في قطر، وصانعي السياسات، والخبراء التربويين في مؤسسة قطر ومؤسسة بروكينغز.
بدأت شنايدر حديثها باقتباس قول المؤلف فريد زكريا: إن “أمريكا لا تزال الأمة العالمية، هي بلد يعتقد الناس في جميع أنحاء العالم أن عليها أن تنادي بالقيم العالمية”. وقد لخص هذا القول، بحسب شنايدر، الوضع الحالي في الولايات المتحدة التي أضاعت الكثير من سمعتها عالمياً كدولة تدافع عن القيم العالمية. مع ذلك، فبإمكان الولايات المتحدة إصلاح صورتها في الخارج من خلال علاج الجوانب المنتجة للفن والثقافة فيها.
تقول شنايدر أنها عبر مسيرتها المهنية كمؤرخة للفنون ودبلوماسية، حاولت الجمع بنجاح بين الدبلوماسية العامة والتفاهم بين الثقافات، هادفة بذلك إلى الترويج لثقافة الولايات المتحدة باعتبارها عنصراً رئيسياً في السياسة الخارجية. ليس بمعنى “التسويق” لثقافة الولايات المتحدة في بقية أنحاء العالم، بل من خلال تقديمها كبادرة ودية لتعزيز “التفاهم والاحترام المتبادلين” مع الدول الأخرى. ذكرت شنايدر أن إحدى النتائج الصادمة لأبحاث استطلاع جالوب التي قام بها كل من جون اسبوزيتو وداليا مجاهد كانت أن مسألة “عدم الاحترام والتفهم من جانب الولايات المتحدة” قد حظيت بتصنيف أعلى على جدول أعمال العالم العربي من الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي أو الحرب في العراق. ما يدل على أهمية أن تقوم الإدارة الأمريكية القادمة بإرسال بعثات دبلوماسية تراعي الثقافات المحلية في محاولة لفهم واقع العالم العربي كي لا يتم أي تحريف للمشاكل التي تواجهها في هذه المناطق.
لتحقيق الاندماج الكامل بين الترويج الثقافي والسياسة الخارجية، اقتبست شنايدر المبادئ الأساسية للدبلوماسية العامة، والتي تتمثل بنقل بعض جوانب القيم الأمريكية مثل التنوع، والفرص أو حرية التعبير، لتلبية احتياجات الدول الأخرى، ولإدراك أن الصيغة نفسها غير صالحة بالنسبة للجميع؛ وللدخول في علاقة طويلة الأمد مع دول أخرى. أوضحت شنايدر أن “القوة العسكرية لها قيمة محدودة، ولا يمكنها حل كل شيء، أو حل العديد من المشاكل” وقد شهدنا الضرر الذي سببه الاستخدام المفرط للقوة. لذلك فمن الضروري بالنسبة للإدارة الأمريكية القادمة إيجاد وسائل بديلة للتعامل مع بقية دول العالم. ولفتت شنايدر إلى أن الإصغاء يشكل جزءاً هاماً من الدبلوماسية العامة المتبادلة، وعلى بساطة الأمر، فمن شأنه أن يولد قدراً كبيراً من احترام الآخر.
تعد وسائل الإعلام، سواء التجارية أو الحكومية منها، أدوات قوية لتعزيز القيم دولياً وينبغي استخدامها لتعزيز العلاقات الإيجابية بين الثقافات. كما تعتبر الثقافة الشعبية وسيلة هامة لتعزيز القيم والتاريخ والتراث. بشكل محدد أكثر، فإن تمثيل العرب بشكل أكثر إيجابية في برامج الإعلام والترفيه في الولايات المتحدة من شأنه أن يقطع شوطاً طويلاً في تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي.
في الختام، قدمت شنايدر ثلاث توصيات للإدارة الأمريكية المقبلة من شأنها أن تحسن إلى حد كبير الجهود الدبلوماسية في العالم العربي. شملت هذه التوصيات المواءمة بين القيم والإجراءات؛ المشاركة بدلاً من إعطاء التعليمات؛ والتعامل مع ثقافات الأمم الأخرى بنفس القدر من الجدية التي تتعامل بها تلك الثقافات مع الولايات المتحدة.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.