الجغرافيا السياسية للموارد الطبيعية في الشرق الأوسط - مجموعة العمل الثانية

الجغرافيا السياسية للموارد الطبيعية في الشرق الأوسط - مجموعة العمل الثانية

خلال شهر أبريل 2016، التأمت مجموعة العمل التابعة لمركز الدراسات الدولية والإقليمية للمرة الثانية لمناقشة المبادرة البحثية بعنوان “الجغرافيا السياسية للموارد الطبيعية في الشرق الأوسط.” وعلى مدار يومين قدم المشاركون في مجموعة العمل مسودات لأوراق بحثية حول عدد من الموضوعات المتعلقة بالعنوان، ومن بينها أبحاث عن قضية التوظيف السياسي للموارد الطبيعية في الشرق الأوسط، الندرة والتنمية الاقتصادية، حشد القدرات البيئية والاجتماعية، تأمين الموارد الطبيعية في دول مجلس التعاون الخليجي، سياسات “التخضير” في دول الخليج العربية، استخراج الفوسفات في تونس، تجريف الرمال الساحلية في المغرب، القرصنة والصيد الجائر وغير الشرعي للأسماك في المياه الإقليمية الصومالية، وتهريب الفحم النباتي من افريقيا إلى دول مجلس التعاون الخليجي.

بدأ هاري فيرهويفن من جامعة جورجتاون المناقشات الجماعية مشيرا إلى وجود ثلاثة أنماط رئيسية يمكن استخدامها كإطار تحليلي إرشادي يمكن من خلاله دراسة الأبعاد السياسية للموارد الطبيعية في الشرق الأوسط.

الأول هو أسلوب إيجابي بالأساس، ينظر إلى العالم الطبيعي كمملكة منفصلة عن سلوك الإنسان. وفي هذا الإطار يتم استبعاد السياسة من المعادلة، ويمكن تحقيق نوع من التقارب والمصالحة بين التنمية والبيئة، خصوصا من خلال التدخل التقني والإبداع.

النمط الثاني هو سلبي بامتياز ويعتمد على النظرية “المالتوسية” المتعلقة بالسلوك الإنساني المدمر فيما يتعلق بالبيئة. والنمط الثالث يشير إلى أن المجتمع الإنساني والبيئة متلازمان ومتداخلان، ولهذا فإن أي حوار يتعلق بالبيئة لابد أن يكون سياسياً بالأساس.

وبعد حديث فيرهويفن الذي كان نظريا إلى حد بعيد، قدم ويسيل فيرمولن ورقة بعنوان “الندرة تدفع بالتنمية الاقتصادية إلى الأمام: آثار دعم الطاقة على تنوع الصادرات في الشرق الأوسط.” وقد قام فيرمولن باختبار تأثير الدعم الحكومي لأسعار الطاقة خصوصا عند التركيز على صادرات متنوعة، وعدد الوجهات التي يتم التصدير إليها.

وتشير أبحاثه إلى أن إصلاح الدعم الحكومي لأسعار الطاقة يبقى تحدياً حرجاً في العديد من الدول النامية، وخصوصاً في محيط منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. يعتبر تطبيق سياسة إصلاح الدعم أمراً يصعب تطبيقه بسبب المعارضة من عامة الشعب وأيضا من القطاع الخاص. إلا أنه على المدى الطويل، فسيظل تخفيض الدعم على الطاقة أمراً لا يمكن تلافيه إذا ما تكاملت دول الشرق الأوسط اقتصادياً مع بقية العالم، ومع الدول ذات الاقتصاديات المتقدمة بالتحديد.

ومتابعة لورقة فيرمولن البحثية، قدمت جيني سويرز تدقيقا لموضوع “نشوء وتطور التعبئة البيئية والاجتماعية في الشرق الأوسط.” ومن خلال عملها البحثي، تستكشف سويرز التغيرات والمتابعات في الأنماط المتعلقة بالنشاطات البيئية التي تشهدها المنطقة. وتضع سويرز التعبئة والنشاطات البيئية في الشرق الأوسط ضمن دراسات أوسع للنشاطات والحشود والتعبئة الاجتماعية، والعلاقات بين الدولة – والمجتمع.

تجذب تحليلاتها الاهتمام إلى التحديات الاقتصادية والبيئية الأساسية القائمة في أرجاء المنطقة، وتناقش أي منها أكثر ارتباطا بالنشاط البيئي. كما حددت سويرز الصيغ السائدة للحشد والنشاط البيئي في الشرق الأوسط من الحملات الشعبية إلى مشروع التبرع الرسمي، إضافة إلى الحشود التي تقودها الجمعيات والمنظمات غير الحكومية. تركز سويرز في ورقتها البحثية على أنشطة الحملات البيئية الشعبية في مصر ولبنان.

نقلت جيل كريستال تركيز المجموعة إلى شبه الجزيرة العربية، حيث قدمت ورقة بحثية بعنوان “تأمين الموارد الطبيعية في الخليج.” حيث قامت بدراسة البناء السياسي للإطار الأمني الشامل في دول مجلس التعاون الخليجي فيما يتعلق بالموارد الطبيعية.

وتشير الباحثة إلى أنه عندما تعرضت البنية الأساسية للطاقة في دول مجلس التعاون لتهديدات إرهابية، وضعت الحكومة لغة مكافحة الإرهاب وطورت خطابا أمنيا ليحيط بمصادر الطاقة. وبعد الانتفاضات العربية، لوحظ وجود عدة أشكال من نمط تسلطي سلطوي في أنحاء المنطقة، وتغلغل الخطاب الأمني لعدة نطاقات ومجالات.

من بين ما طرحته في ورقتها البحثية، تقول كريستال إن المقايضة التاريخية بين السكون السياسي والرضا الاقتصادي قد حل محلها مقايضة السكون السياسي مقابل الأمن.

كثف علي القبلاوي التركيز على دول الخليج العربية في ورقته البحثية بعنوان “تخضير الخليج”، حيث يشير إلى أن المشهد العام لسطح الأرض والغطاء النباتي للصحاري في دول الخليج العربية قد تغير بشكل ملموس خلال الخمسين عاما الماضية بفعل عدة عوامل.

هذه العوامل تتضمن: تربية الماشية، استخدام السيارات ذات الدفع الرباعي، الزحف الحضري والتمدن وما يتبعه من أنشطة، أنشطة استكشاف النفط وانتاجه، إدخال فصائل غريبة على البيئة. وهناك عدة عوامل أخرى اعاقت تعافي البيئة وأبطأت من استردادها لمقوماتها الخضراء على نحو طبيعي بعد الاخلال بها، من أهمها عدم إمكانية التنبؤ بسقوط الامطار وندرته، والجفاف المتكرر، وارتفاع درجات الحرارة المفرط، أشعة الشمس القوية، الواصف والرياح القوية، وانخفاض خصوبة التربة الصحراوية. إلا أن العديد من دول الخليج العربية اهتمت بإعادة تأهيل البيئة وتخضير التربة المتدهورة. ويشير القبلاوي إلى أن التعامل مع الظروف البيئية القاسية وليس ضدها، سيساعد في إيجاد غطاء أخضر مستدام للتربة. ويقترح عددا من البدائل التي تتضمن عدة أمور من بينها: زراعة الأشجار التي نمت في تلك المناطق على مدار التاريخ، وزراعة محاصيل معدلة وراثيا، والري بمياه البحر، وزراعة النباتات الملحية.

ورقة بحثية أخرى تقدم بها عباس مالكي، ركز فيها على “الأبعاد السياسية للموارد الطبيعية في منطقة بحر قزوين.” ويقول مالكي إن منطقة بحر قزوين اليوم هي منطقة تحظى باهتمام الولايات المتحدة وروسيا، والاتحاد الأوروبي، والصين، وتركيا، واليابان، و إيران، و الهند، بسبب ما تحتويه من موارد واعدة من النفط والغاز.

هذه الموارد تتجاوز ما هو متاح في بحر الشمال. فتحت هذا المسطح المائي، الذي يعتبر أكبر بحيرة في العالم، يقبع نحو 4% من احتياطيات العالم من النفط والغاز. ويقول مالكي إنه إذا ما أخذنا في الاعتبار حجم الاحتياطيات من النفط والغاز فإن القوة الاقتصادية والجغرافية لهذه المنطقة لم تتجاوز بعد السيطرة العسكرية التقليدية على الأرض في تلك المنطقة وفي هذا السياق الذي لايزال معقداً على عدة أصعدة جيوسياسية. وهو في هذه الورقة البحثية يدرس الجغرافيا السياسية، والأنظمة البيئية، وسياسات واقتصاديات الطاقة، والمناظرات القانونية المتعلقة بالموارد الطبيعية في منطقة بحر قزوين.

إشترك كل من فرانسيس غايلز و إيكارت وراتز في التركيز على موضوع “الفوسفات التونسي وسياسات الاقتصاد الهامشي.” وقدم الباحثان في تلك الورقة المشتركة موجزاً تاريخياً لصناعات استخراج الفوسفات التونسية ودوره في التنمية الإقليمية.

كما قاما بتحليل الجانب السياسي من الاقتصاد الهامشي ودور الاتحاد التونسي العام للشغل فيه، وظهور لاعبين اجتماعيين جدد. وقدما فحصاً تفصيلياً لكيفية تطور تلك النزاعات خلال فترات الاضراب في مناجم الفوسفات في عام 2008 وبعد عام 2011، واختتما ببعض الأفكار حول إمكانيات التنمية المستقبلية.

قدمت ماريا السنوسي مراجعة نقدية عن تجريف الرمال الشاطئية في المغرب في ورقتها البحثية عن “الدولة، والاعمال، والقيود البيئية في المغرب: حالة تجريف الرمال الساحلية.” وقد قامت السنوسي بدراسة الأسباب الرئيسية التي أعاقت عمل السلطات في مساعيها لإدارة تجريف الرمال على نحو فعال. وتقول إن هذه الأسباب تكمن في الافتقار الى سياسات شاملة ومتكاملة تحكم الموارد الرملية للسواحل المغربية، إضافة إلى ضعف وعدم تطبيق الإطار القانوني.

يزيد من تفاقم هذه المشكلة قصر النظر فيما يتعلق بالقيمة المحتملة للشريط الساحلي كرأس مال طبيعي. وأخيرا، تشير السنوسي إلى أنه يمكن تحقيق نتائج مختلفة فقط من خلال التحول إلى سياسة حاسمة تعمل للحفاظ على الموارد، وتكامل في إدارة المناطق الساحلية ، واجراء إصلاحات قانونية للتعامل مع تجريف الرمال.

أدار افياري عبدي علمي النقاش حول بحثه بعنوان “القرصنة والصيد غير القانوني من الصومال إلى الشرق الأوسط.” ويقول إلمي إن المياه الإقليمية الصومالية تعتبر ذات أهمية كبيرة وأن نحو 70% من الملاحة البحرية في منطقة الشرق الأوسط تمر عبر خليج عدن. ويشير علمي إلى أن أعمال القرصنة التي سادت في المياه الإقليمية الصومالية ترجع بجذورها إلى أحداث تاريخية في الماضي لأعمال صيد للأسماك بصورة غير شرعية لسفن صيد من اليمن وإيران و غيرها من دول الشرق الأوسط. ويقدم علمي تحليلا عميقا للتفسيرات السياسية والاقتصادية وعواقبها لأسباب ظهور القرصنة، والروابط بينها ويبن الصيد غير الشرعي، إضافة إلى كيفية ارتباط هذا الاقتصاد السياسي بالتحديد بمنطقة الشرق الأوسط. وتشير أبحاثه إلى وجود خمسة أسباب رئيسية لهذه الظاهرة: عدم وجود دولة أو ضعف الدولة، الأرباح المرتقبة من فرص الصفقات، الصيد الجائر وغير القانوني بكميات كبيرة، والتخلص من النفايات السامة في المنطقة.

أخيرا، عرض إيليا غريدنف نتائج بحثه عن “تهريب الفحم النباتي في منطقة الشرق الأوسط.” وقد قام غريدنف باستقصاء العواقب الاقتصادية والبيئية لتجارة الفحم النباتي في الصومال التي أدت الى توترات سياسية على المستويات المحلية والإقليمية والدولية.

ويشير بحثه إلى ارتباط تجارة الفحم النباتي غير الشرعية بالصومال في الشرق الأوسط وخصوصاً بدول الخليج العربية. حيث يتم حرق أشجار الصمغ العربي في منطقة جنوب الصومال لإنتاج الفحم النباتي وتصديره الى الدول العربية في الخليج. وقد كان لارتفاع الطلب على الفحم النباتي الذي تنتجه الصومال، وهو من بين الأفضل في العالم، والدخل الذي يجلبه، قد أدى الى صراع على السيطرة في الصومال بين قوات الاتحاد الافريقي والدول المجاورة من جانب وبين المقاتلين الصوماليين من أهل البلاد، مثمثلين في حركة الشباب. فتجارة الفحم النباتي تعد من أهم موارد الدخل لحركة الشباب، بينما هي تمثل تهديداً للبيئة وأيضا تهديداً سياسياً وأمنياً للصومال ودول منطقة الشرق الأوسط والدول الافريقية.

المقال بقلم إسلام حسن، محلل باحث بمركز الدراسات الدولية والإقليمية.