الجغرافيا السياسية للموارد الطبيعية في الشرق الأوسط - مجموعة العمل الأولى
اجتمعت مجموعة العمل الأولى التابعة لمركز الدراسات الدولية والإقليمية يومي 27 و 28 سبتمبر 2015 لمناقشة المبادرة البحثة بعنوان “الجغرافيا السياسية للموارد الطبيعية في الشرق الأوسط”. وشارك في الجلسات عدد من خبراء البيئة والجيولوجيا والاقتصاد والعلوم السياسية، إضافة إلى باحثين من ذوي الخبرة في القضايا البيئية في الشرق الأوسط. وكان الهدف من الاجتماع هو تقديم طرح المخاوف الجغرافية السياسية والبيئية في المنطقة، وتحديد الفجوات في الأبحاث المتاحة حاليا. وعلى مدار يومين، ناقش المشاركون عدداً من القضايا التي تمثل نظرة عامة على الجغرافيا لسياسية والموارد الطبيعية في المنطقة إضافة إلى النظر في عدد من دراسات الحالة حول الظروف البيئية في دول محددة.
بدأت مجموعة العمل حواراتها بمناقشة تطبيق الإطار النظري “للجغرافيا السياسية” على موضوع الموارد الطبيعية في الشرق الأوسط. فبسبب تمتع هذه المنطقة باحتياطيات ضخمة من النفط والغاز، فقد كانت عرضة لمخاطر وتهديدات مثلتها العديد من قوى الجغرافيا السياسية منذ مطلع القرن العشرين. وتاريخياً سعت القوى الكبرى، بما فيها القوى الأوروبية والولايات المتحدة وروسيا، إلى بسط نفوذها على الدول الغنية بالموارد الطبيعية في الشرق الأوسط، وكان لتدخل هذه القوى الخارجية للسيطرة على هذه الموارد الإقليمية آثار ضخمة على الاقتصاد السياسي في المنطقة.
وقد تؤدي التحولات التي طرأت مؤخراً على قطاع الطاقة المصحوبة بانخفاض ملموس في أسعار النفط العالمية إلى مزيد من التأثير على الجغرافية السياسية في المنطقة. وقد أخذ أعضاء مجموعة العمل في اعتبارهم احتمالات انكماش المصالح الامريكية في الشرق الأوسط كنتيجة لانخفاض الاعتماد على نفط منطقة الخليج بسبب ارتفاع المنتج من الزيت الصخري والغاز محليا. وقد بدأت دول آسيوية من بينها الصين والهند في الظهور كمستهلكين أساسيين للطاقة الواردة من الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي قد تكون له تبعات جغرافية سياسية على المنطقة.
علاوة على ذلك، أدى ظهور الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) إلى جذب الانتباه للأدوار العابرة للحدود السياسية التي يقوم بها لاعبون من غير الدول فيما يتعلق بالموارد الطبيعية. ناقش المشاركون استيلاء داعش على أراض في منطقة نهري دجلة والفرات، مع تركيز الاهتمام على ما إذا كانت داعش تسعى استراتيجياً لبناء امبراطورية “مائية” أو إذا ما كان أول اهتماماتها هو السيطرة على الأرض والنفط. وكان هناك اتفاق من قبل المجموعة على التعامل مع الاعتبارات الجغرافية السياسية، ضمن هذه المبادرة البحثية، كتصور عام مناجل البحث في عوامل القوة المتعددة الجوانب العابرة للحدود، والإقليمية، والمحلية التي تمر من خلالها المصالح السياسية لإدارة البيئة والموارد الطبيعية.
أثرت الموارد الطبيعية بشكل ملموس على تأسيس الدول وقيامها في منطقة الشرق الأوسط. فقد ظل هناك شعور سائد بعدم الاستقرار في المنطقة على مدار السنوات الماضية، وخصوصاً منذ الانتفاضات العربية ونمو داعش. في خضم ذلك، تمكنت دول الخليج النفطية، بما فيها البحرين، وهي الدولة الخليجية التي شهدت انتفاضات ضخمة، تمكنت من الحفاظ على الاستقرار السياسي إلى حد بعيد، كما تمكنت من احتواء أي تحركات سياسية معارضة للنظم الحاكمة. وعليه قام المشاركون في مجموعة العمل بتسليط الأضواء على الاختلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي وغيرها من الدول العربية فيما يتعلق بانتفاضات الربيع العربي، وعزت الاستقرار النسبي لدول الخليج إلى وضعها الاستثنائي كدول نفطية ثرية، وأيضا إلى صلابة الهيكل المؤسساتي بها، وتبعية المواطنين له على أساس الاتفاق الريعي بين الدولة والشعب الذي يمثل خاصية عامة في المنطقة.
علاوة على ذلك، فإن الموارد الطبيعية قد كان لها تأثير على التنوع الاقتصادي في المنطقة، ليس فقط في إطار دول مجلس التعاون، بل أيضا كما شوهدت في الإطار الأوسع لمنطقة الشرق الأوسط برمته. فاقتصاديات الخليج بنيت على رؤوس الأموال التي تم تجميعها من وقرة الموارد الطبيعية وإمكانية النفاذ إلى أسواق رخيصة نسبيا للعمالة (المهاجرة)، ونتيجة لذلك، ولهذا فإنه لا يمكن تطبيق نظرية اقتصاديات الندرة في هذا السياق. ناقش الباحثون نوع الاقتصاد الذي يمكن بناؤه كنتيجة لتلك الظروف الخاصة السائدة في دول مجلس التعاون الخليجي.
ثمة افتراض بأن الدول الريعية محكوم عليها بالفشل من حيث إمكانية تحقيق تنوع اقتصادي كبير، نظرا لأن الاقتصاد السياسي القائم لا يشجع على الابتكار أو زيادة الإنتاج للعمالة. وعلى مدار العقد الماضي سعت دول مجلس التعاون لتشجيع التنوع الاقتصادي من خلال دفع المشروعات الحكومية المرتبطة بالإبتكار والإبداع وتركيز الجهود على خلق اقتصاديات تعتمد على المعرفة. كذلك فإن العديد من دول الخليج تعتمد على تنويع محافظها الاستثمارية وصناديق الاستثمار السيادية كوسيلة يمكن من خلالها التحرك بعيدا عن الاعتماد الكامل على العائدات النفطية.
وكما هو الوضع عالميا، تأثرت منطقة الشرق الأوسط سلبيا بتغير المناخ. ومن بين المخاوف البيئية التي تواجه المنطقة نضوب المياه الجوفية، وملوحة المياه، وارتفاع درجات الحرارة، والتلوث. علاوة على ذلك، فإن ندرة الأنهار وعدم وجود موارد للطاقة المائية أو ترسبات للفحم في باطن الأرض تعتبر من العوائق الكبيرة التي تواجهها دول المنطقة.
وعلى امتداد معظم تاريخ المنطقة، إعتمد السكان على وفرة الثروة الحيوانية لوجود الأغنام والماعز لتمكنها من التكيف مع مناخ الإقليم. ولكن الأمور تغيرت مع اكتشاف احتياطيات النفط والغاز الطبيعي، فقد تدخلت الدولة في إدارة الموارد الطبيعية مع زيادة أهمية الوقود الأحفوري ليصبح عاملاً حيوياً في السياسات الريعية. وقد كان هناك نمو متزايد وتوسع في المدن والمناطق الحضرية مما أدى الى تهميش الريف وتدهور المراكز الزراعية التقليدية في الشرق الأوسط.
كذلك تسبب ارتفاع مستوى الدخل في تغيرات سريعة في أسلوب الحياة ونمو الثقافة الاستهلاكية في دول مجلس التعاون وهو ما كان له رد فعل مباشر على الموارد البيئية، مما أضر بموارد المياه والطاقة الحالية وأدى الى نقاش حول كيفية كبح الأنماط الاستهلاكية وتقييد الهدر في الموارد.
وأثناء مناقشة البيئة السياسية للموارد المتجددة وغير المتجددة وكيف يمكن تم تشكيل المشهد العام في دول مجلس التعاون بفعل صناعات الوقود الأحفوري، طرح المشاركون مسألة الحاجة إلى تطوير أبحاث تتعلق بالبيئة وبالأساليب البيئية، والسلوك البيئي في منطقة الخليج حيث ظهر أنه لايوجد الكثير من المادة العلمية سوى مجموعة مفتتة من البيانات حول هذه الموضوعات. ونظراً لوجود عدد كبير من الأجانب المقيمين في مطقة الشرق الأوسط، فقد ركزت المناقشات أيضا على الحاجة لمعرفة المزيد عن أساليب وسلوكيات غير المواطنين المقيمين في الخليج فيما يتعلق بالبيئة والحفاظ عليها وعلى الموارد.
إضافة إلى النظرة العامة على المنطقة، فقد تضمنت مجموعة العمل دراسات لدول معينة للتركيز على مشكلات بيئية محددة. من بينها استخراج موارد طبيعية أقل شهرة – مثل الرمال، لمواكبة الاحتياجات المتزايدة من قطاع الإنشاءات العالمي.
تشير الإحصاءات إلى أنه يتم استخراج الرمال من المغرب بمعدلات أكثر تسارعا من معدلات تجديد الفاقد. وقد كان لهذا الأمر ردود فعل حادة على البيئة مما أدى إلى تآكل الشريط الساحلي، ودمار المستنقعات، وارتفاع مستوى البحر وما تبعه من فيضانات. وبناءً عليه، فإن استخراج الرمال يمثل تهديداً للعالم العربي حيث تقع معظم العواصم والمدن الرئيسية قبالة السواحل. كما ناقشت المجموعة موضوع إعادة التشجير و”المشاريع الخضراء” في دولة الإمارات العربية المتحدة. فلدى مدينة دبي رؤية لإقامة أول غابة خضراء لأغراض التعليم والثقافة هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط بحلول عام 2020.
إلا أن معظم الفصائل المستخدمة لهذا الغرض هي من الأنواع الدخيلة على البيئة التي تتطلب للكثير من المياه للري وهو ما يهدد الظروف المائية المتقشفة بالفعل في هذه الإمارة. وخلال مداولات المجموعة ناقش الخبراء الحاجة لمواجهة الاتجاهات الحالية “للتشجير” في دول مجلس التعاون والتركيز على الأبحاث في كيفية إعادة إحياء الفصائل الأصيلة التي تستهلك قدراً أقل من المياه، والتي تتمتع بالقدرة على تحمل الحرارة المرتفعة، والتي يمكن التوسع في زراعتها. يذكر أن هناك حاجة للاستثمار في المحاصيل المعدلة وراثياً، التي تتسم بجينات قادرة على التحمل للجفاف المتكرر، الذي أصاب المنطقة مؤخراً. ذكر خلال المناقشات أن منطقة الشرق الأوسط تعاني من فقر مائي، ومن المتوقع أن تشهد أزمات مائية حادة في المستقبل القريب نتيجة للضغوط السكانية وتغير المناخ.
يذكر أن ارتفاع درجات الحرارة وانخفاض معدلات سقوط الأمطار كانت لها آثار سلبية على مستويات المياه. وهناك المزيد من موجات الحر، والجفاف المتواصل والفيضانات المدمرة في المنطقة عما عرفته المنطقة في الماضي. على سبيل المثال، يواجه اليمن أزمة مائية خطيرة ويتوقع صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة (يونيسيف) أن ينفذ الماء من البلاد بحلول عام 2020.
يفتقر معظم سكان اليمن الى المياه النقية الآمنة، بينما تنتشر الأمراض التي تنتقل من خلال المياه. وهناك دراسات ترجع الإنهيار الحالي في الدولة هناك إلى الأزمة المائية الحادة التي تشهدها البلاد. وتعد مشكلة ندرة المياه أكثر القضايا ذات التأثير المباشر بيئياً في منطقة الشرق الأوسط، وولها تبعات ضخمة على أمور تتعلق بالأمن الغذائي والانتاج الزراعي الذي يعتمد على توافر المياه.
يعتبر نقص المياه مدمراً للاقتصاد اليمني حيث تتعرض البلاد لأزمات غذائية متزايدة وتحتاج لتعزيز الإنتاج الزراعي المحلي بدرجة كبيرة. ولتناول قضايا الأمن الغذائي والمائي، أنشأت دول مجلس التعاون الخليجي مؤسسات لزيادة الإنتاج المحلي على الرغم من الطبيعة الهشة لمواردها المائية، وأيضا الى تطوير مزارع خارج البلاد بهدف توفير الواردات الغذائية. فعلى سبيل المثال، قامت قطر، من بين دول أخرى بمجلس التعاون، بشراء أراض زراعية في السودان ودول أخرى بهدف استثمارها، رغم أنه لم يتم استيراد أي إنتاج زراعي من أي من هذه الدول بعد. وبينما ناقش المشاركون في المجموعة عددا من القضايا التي تتراوح بين الجغرافية السياسية والمشكلات البيئية في الشرق الأوسط، فقد أقر الجميع بقلة الدراسات والأبحاث المتاحة حول البيئة في المنطقة من عدة تخصصات علمية. ويأملون أنه من خلال هذه المبادرة أن يتمكنوا من ملء الفراغات في المادة العلمية المتاحة.
كتب المقال عنبر لطافات ( كيلة الشؤون الدولية 2016) و زهرة بابار، المدير المشارك لمركز الدراسات الدولية والإقليمية.