التعددية والمجتمع في الشرق الأوسط - مجموعة العمل الأولى

التعددية والمجتمع في الشرق الأوسط - مجموعة العمل الأولى

شكل مركز الدراسات الدولية والإقليمية مجموعة عمل حول قضية “التعددية والمجتمع في الشرق الأوسط” في مارس 2016. وعلى مدى يومين، ناقش عدد من الباحثين المرموقين القضايا المتعلقة بالأصول العرقية واللغات والتعددية الدينية في الشرق الأوسط، وحددوا فجوات النقص في الأعمال المتاحة حاليا، وحددوا المجالات التي يتوقعون بدء أعمال بحثية أصلية فيها.

ومن بين الموضوعات العديدة المطروحة للنقاش، فحص المشاركون قضية التعددية والتنوع كما تتبلور من خلال هيمنة السلطة والأنظمة القانونية، والاندماج / والاستبعاد الاجتماعي وصنع السياسات، ودور ورمزية تحطيم المعتقدات التقليدية في الشرق الأوسط، والعمارة، والفضاء الحضري والهوية، والثقافة الرقمية، والتواصل السياسي والمفاهيم الإقليمية السائدة “للتعددية الثقافية”، واللغة، والأدب، والتمثيل الثقافي. وكذلك تمت مناقشة دراسات حالتين محددتين هما الأمازيغ والمسيحيين الأرمن.

مر النسيج السياسي والاجتماعي للتعددية في الشرق الأوسط بعدة تغيرات تاريخية، لعبت العوامل العرقية، والدينية، واللغوية، والأيديولوجيات السياسية أدواراً محورية فيها في تشكيل الانتماءات المعاصرة والهويات في أنحاء المنطقة. غالباً ما يؤدي تصاعد النزاعات الداخلية والإقليمية إلى توترات تتعلق بالهوية القومية، وهذا ما حدث في الشرق الأوسط خلال الأعوام الماضية. وقد حدد المشاركون في مجموعة العمل سلسلة من المحاور الرئيسية للأبحاث تتعلق بتصعيد التوتر بشأن الهوية في الشرق الأوسط، بما في ذلك العلاقة بين مفاهيم الدولة وتضمين بعض الجماعات المحددة الهوية واستبعاد جماعات أخرى، ورد فعل العولمة والمجتمعات العابرة للحدود، والإرث التاريخي للنظام الملي العثماني، والطائفية في فترة ما بعد الربيع العربي، ودور المثقفين ووسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي في تشكيل الهوية، والأسباب الكامنة وراء ازدياد التدين وعواقبه.

تؤثر سياسات الحكم والدولة على الإدماج أو الإقصاء الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للمجتمعات في الشرق الأوسط. وقد ناقش المشاركون في مجموعة العمل الروابط المتعددة بين الدولة وتكوين الهوية في الشرق الأوسط. وطرحوا تساؤلات تتعلق بالعلاقة بين المجتمعات ومواقع النفوذ، والتحديات التي تشكلها قيم ومبادئ القانون الدولي على الحكم التقليدي للدول. كما ناقش المشاركون كذلك موضوعات متعلقة بالتنمية الموازية لتقاليد حقوق الإنسان المحلية على ضوء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان كإحدى سبل تقرير المصير في عملية صنع القرار، ودور مؤسسات الدولة في تطبيق الانسجام والتماسك الاجتماعي.

تؤثر سياسات الدولة المتعلقة بالتعليم والأسرة والقرابة والقانون، وحركة العمالة ورؤوس الأموال بشكل مباشر على الاندماج أو الاستبعاد الاجتماعي. وخلال السنوات الأخيرة، أثرت السياسيات الحكومية الى حد كبير على الأجانب والمؤسسات التعليمية الخاصة.

على الرغم من عدم تفرد الشرق الأوسط بهذه الأوضاع، فليس هناك سوى قدر محدود من الأعمال البحثية حول مفاهيم الاندماج والاستبعاد في المناهج التعليمية الشرق الأوسط. كما أن للعلاقة بين صنع السياسات والطرق التي يتم من خلالها بناء الأسرة تأثير مباشر على التعليم. ويدعي المشاركون أن طبيعة علاقات المجتمع سواء مع غيره من المجتمعات أو مع الدولة يمكن النظر إليها كنتيجة لسياسات الاستبعاد أو الاحتواء. إضافة إلى ذلك، ناقش المشاركون قضايا تتعلق بقدرة الناس والأفكار على الانتقال، والتمثيل الاجتماعي في النظام التعليمي، والعولمة، والحرب على الإرهاب والمناهج الدراسية في الشرق الأوسط.

بدأت عمليات بناء الدولة الحديثة في منتصف القرن العشرين تقريبا في عدد من دول الشرق الأوسط، مثل مصر والعراق. وقد استخدمت الدول، ومؤخراً غير الدول مثل داعش، مدفوعة بدوافع الايدولوجية، والسياسة والمعتقدات الدينية لتحطيم المعتقدات القديمة والتقليدية واستخدام ذلك كأداة لتقليص تعدد الهويات ضمن الدولة الواحدة كأمة، وعملت على تعزيز مبدأ الهوية الواحدة والشاملة.

وقد أثر تطبيق مفهوم تحطيم المعتقدات التقليدية على الثقافة المادية والتراث المرئي للعديد من المجتمعات الدينية والمجتمعات ذات اللغات العرقية التي تتكون منها شعوب المنطقة. كما ساهم الإهمال وعدم الاهتمام بالآثار إضافة إلى التخطيط العمراني العشوائي في هذا الأمر وفي إزالة التعددية بشواهدها المرئية. وعلاوة على ذلك، ناقش المشاركون أيضا دور الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي والأفلام السينمائية في تشجيع ومواجهة الاتجاه لتدمير المعتقدات القديمة في الشرق الأوسط.

كذلك تعرضت المناطق الحضرية في الشرق الأوسط لتطور سريع في بعض الدول، ولتدهور كبير في دول أخرى. يذكر أن التخطيط العمراني الشامل في دول الشرق الأوسط يخضع بدرجة كبيرة لعوامل واعتبارات سياسية، مع وجود العديد من الدوافع والعواقب الاجتماعية والاقتصادية.

وقد أدى التخطيط وإنشاء مدن بأسوار ومدن ذكية، وتشييد عواصم جديدة، إلى تقسيم المجتمع وفصل فئاته على أسس الجنسية، والطبقة الاجتماعية، والعرق، والدين. كما طرح المشاركون أسئلة تتعلق بتعريف الصالح العام، والتمثيل الاجتماعي في التخطيط الشامل، والطعون القانونية العامة، وإتاحة المعلومات للعامة، واللامركزية الديمقراطية، والمقرات المجتمعية، وجلب الأغنياء وخروج الفقراء من التجمعات السكانية، والأمن، والمواطنة، والمساواة والتمييز في الحياة الحضرية.

يعتبر الإعلام وسيلة تواصل تخضع بدرجة كبيرة للدولة في منطقة الشرق الأوسط. فالإعلام يروج لقناعات وأفكار ترتبط بالمجتمعات الدينية واللغات العرقية في الشرق الأوسط. وقد حدد المشاركون أربعة موضوعات رئيسية لم يتم تناولها بالبحث بدرجة كافية: العمالة والإعلام الرقمي، والمواطنة، والحدود، وإنتاج المعلومات. وفي إطار هذه العناوين الأربعة، تم تحديد أسئلة تتمحور حول قضايا مثل استخدام الإعلام من قبل العمالة المهاجرة والوافدين الأجانب في الخليج، وإعادة تصميم الحدود، وانخفاض التمثيل في المؤسسات السياسية والإعلامية، والرأسمالية والمعرفة العقلية، الحفاظ على الذاكرة، وإنتاج المعلومات، كقضايا رئيسية هامة لإجراء دراسات أصلية بشأنها.

تعتبر اللغة وعلوم اللغويات موضوعات مناسبة للنقاش حول التعددية في الشرق الأوسط. وقد ظل أعضاء الجماعات اللغوية والجاليات العرقية يحاولون الحفاظ على لغاتهم ولهجاتهم على الرغم من محاولات الدول تقويض لغاتهم وفرض اللغة الرسمية للدولة.

اقترح المشاركون أسئلة بحثية تفحص نفوذ الجماعات المحلية والسلطات في أمور اللغة، ومقاومة المجتمعات للسياسات فرض اللغة التي تسعى الحكومات لفرضها، التوحيد والتمزيق بين مجتمعات لغوية – عرقية مختلفة ، والفروق في اللهجات بين الشيعة والسنة، والحفاظ على اللهجات، ومعالجة الفئات اللغوية، الإعلام والأفلام، والاستخدامات المختلفة للغات المحلية واللغات الكلاسيكية. “أدب الأقلية” هو أدب أنتج من قبل الشعب الواقع تحت الاستعمار بلغة المستعمر وفيه يقاوم الاحتلال. وفي عصر ما بعد الاستعمار ظهر أدب الأقلية كوسيلة للمقاومة وتفكيك الاتجاهات الوطنية روجت له المجتمعات المتدينة وذات اللغات المرتبطة بعرقية بعينها في الطعن على تهميشهم من قبل الدول المعنية.

وفي تركيا، غالبا ما تعني عبارة أدب الأقلية أدب اليونانيين واليهود والأرمن واليزيدين. ولطالما تمت دراسة مثل هذا النوع من الأدب من حيث علاقته بالماضي. بينما تظل موضوعات مثل مكانة ودور أدب الأقلية في الأحوال المتصورة للمجتمع المستقبلي والظروف السياسية في أعقاب التحول الوطني في تركيا موضوعات لم تحظ بقدر واف من الدراسة.

كذلك تظل قضايا الدراسات الإثنوغرافية التي ينتمي إليها قراء أدب الأقلية في تركيا قضية لم تحظ بما تستحقه من دراسات، ولذلك فإن المشاركين في الاجتماع وضعوا أسئلة بحثية جديدة تتناول أدب الأقلية في تركيا، تجارب المهاجرين في المهجر وكتاب أدب الأقلية، وتمثيل مثل هذه التجمعات في منظومة الأدب الرئيسية، والتواصل بين أدب الأقلية والمجتمع الأدبي الدولي، والتواصل بين تجمعات مختلفة ضمن أدب الأقلية في تركيا، والجمهور المستهدف بأدب الأقلية في تركيا.

فيما يتعلق بالجالية المسيحية الأرمنية في الشرق الأوسط، ناقش المشاركون أربعة محاور رئيسية للبحث. وهي المحاور التي تتناول قضايا المسلمين الأرمن، وما إذا كان الإسلام متوافقا أم لا مع الهوية الارمينية. كذلك ناقشوا مسألة المواطنة الارمينية وما إذا كان اعتناق المسيحية وممارستها هو شرط مسبق. وحدد المشاركون فجوات أخرى في الأدب من بينها: دور الإعلام الأرميني، المطبوعات المتداولة والشائعة والترويج للأجندة السياسية الارمينية، التوتر بين الأرمن الشرقيين والغربيين، مفاهيم الأرمن في المهجر حول الدولة الأرمينية، استخدام اللغة القومية، أهداف المطبوعات الأرمينية، المدن والجاليات الأرمينية في الشرق الأوسط، الكشافة الأرمن، الشبكات الأرمينية العابرة لحدود الدول، الإعلام والسينما، الحركات الأرمينية الوطنية التقدمية، والعلاقة بين الأرمن وحزب الله.

وأخيراً، ناقش المشاركون المجتمع الأمازيغي في شمال أفريقيا. وأشار المشاركون إلى أن الفجوات الرئيسية في البحث كانت أقل ارتباطا بمدى تغير المجتمع الامازيغي، ولكنها كانت أكثر ارتباطا بكيفية تغيير أسلوب التناول وزاوية الرؤية التي يتم من خلالها فحص وتحليل المجتمع وصراعاته. يمكن للتحليلات الإقليمية والعابرة للحدود أن تساهم في دراسة المجتمع الامازيغي في شمال أفريقيا بنفس الأسلوب الذي تناولت به القضايا السياسية الكبرى، وإدراك العواقب غير المنتظرة للتعددية.

تم تحديد أربع فجوات بحثية: الإقليمية، تجاوز الحدود الدولية، المحلية، وسياسات اللغة. وتحت هذه البنود الأربعة الرئيسية، طرح المشاركون أسئلة تلمس لب القضايا التي تتضمن: العلاقة بين السياسية الخارجية وتشكيل الهوية، الأنشطة والتحركات السياسية الأمازيغية، الاختلافات بين الجيل الأول والجيل الثاني من المهاجرين الأمازيغ، النخبة المجتمعية في الحضر مقابل الصفوة في الريف، مأسسة وتسيس الأمازيغ كأقلية عرقية ذات لغة خاصة، ومفاهيم الإندماج والإقصاء.

كتب المقال إسلام حسن، محلل باحث بمركز الدراسات الدولية والإقليمية