التشبيك بين الجمهور العربي والخلاف في العصر الرقمي

التشبيك بين الجمهور العربي والخلاف في العصر الرقمي

قدم محمد زياني، الأستاذ المساعد في جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر، محاضرة وحلقة نقاش في مركز الدراسات الدولية والإقليمية تحت عنوان: “التشبيك بين الجمهور العربي والخلاف في العصر الرقمي” وذلك بتاريخ 15 أبريل 2014. ارتكز الحديث على مشروع الكتاب الذي يعمل عليه زياني، والذي يحلل العلاقة المتغيرة بين وسائل الإعلام والسياسة في العالم العربي، وخاصة من حيث صلته بالانتفاضة العربية في تونس. يقدم الكتاب نظرة إثنوغرافية لتطور الممارسات الإعلامية التي تسلط الضوء على العلاقة المعقدة بين الثقافة الرقمية الناشئة في العالم العربي؛ ومشاركة الشباب وانخراطهم؛ والمعارضة والمقاومة الافتراضيتين، والتعبير السياسي. أجرى زياني المزيد من التحقيقات حول هذا الموضوع لأن دور وسائل الإعلام، وخاصة الاجتماعية منها، في الكثير من الأدبيات، إما قد تضخم بشكل كبير أو تم تحليله على نحو غير ملائم، ما ضيق حيز التفكر بتعقيدات دقة العلاقة بين الناس، ووسائل الإعلام، والسياسة، والسلطة.

ولدراسة دور الإعلام في الثورات العربية، أكد زياني على أهمية الدراسات الخاصة بكل بلد. فقد لوحظ ميل عام لجمع الدول التي شهدت انتفاضات عربية في إطار ظاهرة واحدة متجانسة وتحت مسمى “الربيع العربي”، دون الالتفات إلى الاختلافات الهامة من حيث السياق العام لكل دولة. وقد أثبتت تونس مكانة هامة تجمع وسائل الإعلام، والسياسة، والخلاف الشعبي، وذلك لكونها أول دولة عربية تدخلها الإنترنت في عام 1991 وأول مكان انطلقت منه الانتفاضات العربية بشكل علني. إذاً، فقد قام زياني بتحليل العلاقة بين انتشار الإنترنت والتغيير السياسي، معتبراً أن “البلاد قد عاشت في ظل حكم نظام أثبت مهارة في التحديث السلطوي وضمان استمراريته. ومن جهة أخرى، فقد تبنت البلاد نموذجاً لتنمية مفهوم الإنترنت بشكل طليعي وسعت لإنشاء بنية تحتية رقمية قادرة على تجسيد البلاد كمثال يحتذى لمجتمع شبكي طامح في عصر العولمة “. وقد شكلت محاولات تحقيق التوازن بين هذين العاملين تحدياً للنظام التونسي، الذي انهار في نهاية المطاف تحت ضغط الجمهور المستعد تكنولوجياً ولفظياً.

وكما خلق التطور السريع لوسائل الإعلام العربية خلال فترة التسعينيات مجالاً افتراضياً عاماً، وأصبح من الممكن مناقشة القضايا السياسية بشكل علني نسبياً، أضحى هذا الشقاق أكثر وضوحاً. وقد ساهمت عدة عوامل في دفع نشاط الانترنت، بما في ذلك الواقع الديموغرافي في المنطقة، فقد شكلت فئة الشباب النسبة الأكبر في العالم العربي الذي قدر أن ثلثي تعداد سكانه هم من فئة الشباب دون سن الخامسة والعشرين”. وأضاف زياني: “تمثلت المعضلة بتهميش هذه الفئة الاجتماعية والديموغرافية الكبيرة وتركها خارج إطار الحياة السياسية – أو على الآقل، هكذا كان تصور ما يحدث”. الأهم من ذلك هو انتعاش هذه الفئة الكبيرة والمتزايدة من السكان الشباب بفضل ظاهرتين تزامنتا في وقت واحد هما انتشار التعليم ووسائل الإعلام بشكل كبير، ما مكن الشباب من تحدي الهياكل التقليدية للسلطة والدعوة إلى التفكير النقدي.

وللتركيز على مسائل التنشئة الاجتماعية السياسية، اتجهت دراسة زياني للإجابة عن السؤال المحوري: “كيف يصبح الشباب مسيساً على شبكة الإنترنت؟” وهذا يتعارض مع الافتراض العام بأن الشباب العربي عامة مهمشون ولا مبالون سياسياً. أثبتت أحداث الانتفاضات العربية عكس ذلك، فقد أظهر الشباب العربي قوة الوعي السياسي، والنشاط، والمشاركة. في حين تم إغفال قضية أساسية وهي أنهم يميلون للتعبير عن مواقفهم السياسية عبر وسائل مختلفة عن الهياكل السياسية الرسمية.

من ثم اختتم زياني محاضرته بالإشارة إلى أهمية تحدي التصنيفات التقليدية بخصوص ماذا يعني أن تكون سياسياً، موضحاً: “تهدف دراستي لتحويل الأنظار عن المؤسسات السياسية الرسمية في العالم العربي إلى السياسات في الحياة اليومية” وضمن هذه الصياغة، يتضح لنا أن الخلاف الرقمي أكثر من مجرد خلاف في الرأي. فهو يشجع أشكالاً أخرى لتأكيد الذات بشكل مرتبط بمفهوم المواطنة.

محمد زياني: عضو منتسب في برنامج الاتصالات والثقافة والتكنولوجيا وزميل مركز الدراسات الإقليمية والدولية للعام الدراسي 2013 – 2014. تشمل أعمال زياني قراءة العرض (1999)، الفضائيات العربية والسياسة في الشرق الأوسط (2004)، ظاهرة الجزيرة: منظور نقدي للإعلام العربي الجديد (2005)، ثقافة الجزيرة: نظرة داخل عملاق الإعلام العربي (2007). حصل زياني على العديد من المنح، بما في ذلك منحة مجلس بحوث العلوم الاجتماعية، وهو عضو في لجنة خبراء اليونسكو الخاصة بالتنوع الثقافي.

 

 المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.