الانتحاريات في العراق في محاضرة لمنى الطحاوي
تلبية لدعوة مركز الدراسات الدولية والإقليمية، حضرت الصحفية وكاتبة مقالات الرأي لإلقاء محاضرة الغداء في حرم كلية الشؤون الدولية في قطر حول موضوع: “الانتحاريات في العراق”. يذكر أن الطحاوي هي كاتبة صحفية ومتحدثة جماهيرية عالمية في قضايا العرب والإسلام، وقد حازت العديد من الجوائز. نشرت لها مقالات رأي بشكل متكرر في صحف انترناشونال هيرالد تريبيون، وواشنطن بوست، والشرق الأوسط العربية، وصحيفة العرب القطرية.
بدأت الطحاوي المحاضرة بالإشارة إلى تحولها من صحفيية معنية بالحفاظ على التوازن والموضوعية لشخص مجبر على التحدث ككاتب رأي لا كأستاذ جامعي محايد في مجموعة متنوعة من القضايا التي تؤثر على المسلمين. تقول الطحاوي، إن ذلك كان نتيجة للتغير في المناخات السياسية في جميع أنحاء العالم بعد هجمات 11 سبتمبر 2001. فبحسب الطحاوي، يتمثل الدافع خلف الكثير من أعمالها بموقفها الشخصي كمسلمة مدافعة عن حقوق المرأة، ما يعد هوية لا يتم منحها المجال دوماً للتعبير عن رأيها. بوصفها مسلمة مقيمة في الولايات المتحدة، تشعر الطحاوي أن ما من تمثيل لآرائها، وهذا ما شكل السياق الذي جمع كتاباتها وخطبها. أما بالنسبة لموضوع الانتحاريات، فتقول الطحاوي إنه “موضوع آسر للغاية، ومثير للقلق في الوقت نفسه”.
لدحض أسطورة أن فكرة الانتحاريات هي تجسيد لأيديولوجية جديدة خاصة بالتطرف الإسلامي والشرق الأوسط، أشارت الطحاوي إلى الأبحاث التي أجريت عام 1992 من قبل ايلين ماكدونالد أثناء التحضير لكتابها: أطلق النار على النساء أولاً. حيث مثل هذا العنوان توجيهات القوة الأمنية الألمانية الغربية التي طلبت إطلاق النار على النساء أولاً عند دخول أحد معاقل الجيش الأحمر، نظراً لأن المقاتلات الإناث أبدين ميلاً شديداً للعدوانية. يوثق الكتاب حالات متنوعة من مشاركة المرأة في أعمال التطرف والعنف في منظمات مثل حركة الباسك الانفصالية، والانفصاليين في حزب العمال الكردستاني الكردي في تركيا، ونمور التاميل، وعصابة بادر ماينهوف، ومنظمة التحرير الفلسطينية، كل ذلك كان موجوداً قبل فترة طويلة من الوقت الذي بدأت تعلو فيه الأصوات المتذرعة بأن العمليات الانتحارية هي صنيعة جماعات معينة من المتطرفين الإسلاميين. لكن “ما يميز ما يحدث في العراق من هذه الأمثلة” بحسب الطحاوي، “أن تلك المجموعات كانت علمانية، ومناضلة، وإرهابية” في حين يشكل التطرف الديني محور عمل الجماعات الموجودة في العراق.
أما السؤال الذي تطرحه الطحاوي فهو: “ما هو الدافع الذي يحرك امرأة للانضمام إلى مجموعة عنف أو لتصبح إرهابية؟” وقالت: “إن الفكرة المتأصلة في هذا السؤال هي أن المرأة مختلفة عن الرجل عند اختيار الانضمام إلى هذه الجماعات”. لكن الباحثين في الموضوع قد وجدوا أن الدوافع الأيديولوجية والسياسية التي تولد التطرف تكاد تكون واحدة لدى كل من الرجال والنساء.
تناولت الطحاوي العراق كحالة للدراسة، وقدمت عدداً من الإحصاءات المتعلقة بالانتحاريات، حيث ذكرت أنه “وفقاً لإحصاءات الولايات المتحدة العسكرية، منذ الغزو في مارس عام 2003 وحتى نهاية العام الماضي، شهد العراق 57 عملية انتحارية قامت بها نساء – بما في ذلك النساء اللاتي سلمن أنفسهن – وقد تمكن من قتل ما مجموعه 370 شخصاً وإصابة 650 آخرين”. إن ما يبعث على القلق هو معدل الهجمات الذي قد تضاعفت ثلاث مرات خلال عام 2008. يعزى السبب وراء الزيادة الحادة في استخدام الانتحاريات بالإجراءات الأمنية المتزايدة في جميع أنحاء العراق منذ زيادة عدد القوات الامريكية، حيث يمكن للمرأة اليوم الوصول إلى أماكن لا يستطيع الرجل الوصول إليها.
ما ينذر بالخطر أيضاً، هي الطبيعة المتفاوتة بين الإناث لدى تنفيذ هذا العنف المتطرف في العراق. فإحدى الانتحاريات كانت فتاة لم تبلغ 13، وأخرى كانت ترتدي زي رجل، في حين نرى حالة أخرى لامرأة متزوجة وأم لطفلين، ما يمكن اعتباره خصائص غير مألوفة للمتطرف، ولا تندرج ضمن المفهوم الشائع لشخصيته. فعادة ما يتم تنفيذ مثل هذه الأعمال من قبل نساء عازبات أو مطلقات أو أرامل فقدن أفراداً من أسرهن خلال فترة معينة وبالتالي فقدن مصادر الدخل الأساسية بالنسبة لهن.
تم وصف عنف المتطرفين، المتمثل بالتفجيرات الانتحارية، كعمل ناتج عن اليأس وسلاح خلال الصراع السياسي والأيديولوجي و”المقاومة ضد قوات الاحتلال” وقوى الظلم. بداية، تم التعامل مع التفجيرات الانتحارية في العراق في كمقاومة سياسية وأيديولوجية لقوات الاحتلال، لكن هذه الأعمال المتطرفة سرعان ما اتسمت بطابع ديني وطائفي بشكل متزايد. تختتم الطحاوي حديثها بالقول إن المفارقة أن هذه العمليات الاستشهادية المدعومة دينياً وأيديولوجياً في العراق وباكستان وتركيا ومصر قد أدت إلى مقتل المزيد من المسلمين بأيدي مسلمة أكثر مما أدت إلى قتل الأعداء المفترضين أو المحتلين أو الكفار. بل إن معظم ضحايا التفجيرات الانتحارية كانوا حجاجاً شيعة متدينيين ولم يشكلوا أي أهداف عسكرية شرعية.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.