الإنتاج الفني والثقافي في مجلس التعاون الخليجي - مجموعة العمل الثانية
في السابع من فبراير 2016، عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية إجتماعه لمجموعة العمل الثانية عن “الإنتاج الفني والثقافي في مجلس التعاون الخليجي”. واشترك العاملون بالمشروع وغيرهم من الباحثين في مناقشات جماعية وقدموا انطباعاتهم إلى واضعي التقرير حول فصول المسودة. تتناول الفصول التي يتضمنها المشروع العديد من الموضوعات، بما فيها المبادئ المثالية ومتاحف الفنون في شبه الجزيرة العربية، الفن العام في مدن الخليج، والجماليات، والإنتاج الفني، والرقابة في دول مجلس التعاون الخليجي، والفن كعامل للحداثة والقوة الناعمة، والفن والخطاب الثقافي والأصالة في الإمارات العربية المتحدة.
عبر ثلاثة عقود، شهدت اقتصاديات دول الخليج العربية نمواً ضخماً. وكان لهذا تأثيره المباشر على النفوذ السياسي لهذه الدول على الساحة الدولية والإقليمية، وعلى النسيج الاجتماعي المحلي لهذه الدول، بفعل توافد العمالة الأجنبية عليها من انحاء العالم. وقد أثر إيقاع التغيير في النسيج الاجتماعي لهذه الدول على تطور المؤسسات الفنية والثقافية.
ويذكر ان النطاق المحدود للدراسات في الوقت الحالي يميل الى التركيز على الثقافة المتنامية سريعاً للمتاحف ولاقتناء الأعمال الفنية الأجنبية كمؤشر على استخدام أموال النفط في العديد من دول الخليج. يبني هذا المشروع على الأدبيات المتاحة من خلال المساهمة في زيادة المعارف حول القضايا السائدة بشأن الإنتاج الفني والثقافي في الخليج. وتستكشف الفصول البحثية عمليات اقتناء الأعمال الفنية واستثمارات دول خليجية معينة في المتاحف والأعمال الفنية، وكما تتحرى عن تأثيرات استيراد الأعمال الفنية واستيعابها وقبول المواطنين لها من حيث الهوية والذات.
بدأت مجموعة العمل بفصل كارين إكسل عن “القيم المثالية، المستقبل الغامض، والمتاحف الفنية في الجزيرة العربية.” في هذا الفصل تستكشف إكسل فكرة الطوباوية وعلاقتها بالمتاحف الفنية واللحظة الحالية في شبه الجزيرة العربية.
جلبت ممارسات تحويل متاحف الفن العالمي، والتي تم بناؤها حسب المبادئ التاريخية الغربية السائدة وممارسات تنظيم المتاحف، جلبت معها الى الجزيرة العربية الجدالات المثالية لعصر ما بعد التنوير.
وجاءت قدرات هذه المتاحف على استخدام السلام والتفاهم الدوليين، إضافة إلى تقديم العون على المستوى الفردي من خلال علاقات وثيقة مع الأعمال الفنية، نتج عنها تجارب مؤثرة. وإذا كانت هذه التجربة مرغوبة في المجتمعات العلمانية،فإنها ليست كذلك في المجتمعات الإسلامية، بل قد تثير المشاكل.
تناول هذا الفصل الأيديولوجيات المختلفة محل النقاش وانتهى إلى تقييم بعض التوقعات المرتقبة لمتاحف الفن العالمي في شبه الجزيرة العربية.
قدمت الفصل الثاني نادية منجد وكان عنوانه ” الفن العام في مدن الخليج.” وتقول منجد إنه على الرغم من أن تعبير الفن العام يشير إلى الأعمال الفنية التي تعرض سواء بشكل دائم أو مؤقت، وتم تخصيصها لمواقع مفتوحة لعموم الناس، وفي الخليج تناقش هذه المفاهيم فقط في إطار الإنتاج المعماري وتصميم المدن. هذا يقود تحقيقها عن طبيعة ما هو عام والأملاك العامة في المدن العربية لدول الخليج. وهي تستكشف “معايير الدعاية” والاحتمالات الكامنة أن يكون الفن العام قوة للنقاش الاجتماعي، لتحديد المواقع و للذاكرة الجمعية. وفي هذا الفصل تطرح منجد سلسلة من التساؤلات حول: ما الذي يعتبر فنا عاما، وما لا يعتبر؟ ما الذي تعنيه كلمة “عام”؟ ما الغرض من الفن العام؟ من يمول الفن العام؟ كيف يرتبط الفن العام بمفهوم المكان، والهوية، والتنوع الاجتماعي؟
في الفصل الثالث بعنوان: “القوائم الرمادية والتمويه: الجماليات والاستراتيجيات الفنية للإقتراب والإبتعاد في دول مجلس التعاون الخليجي”، تفحص نانسي دمرداش “المناطق الرمادية” في مجلس التعاون فيما يتعلق بالرقابة على الأعمال الفنية. وتقول الدمرداش إن الإجراءات التي بموجبها يتم قبول الأعمال الفنية أو تفقدها أو رفضها من قبل مجموعة من الرعاة والمشرفين والعامة تقدم نسيجاً معقداً من العناصر الفاعلة، الذي يتجاوز جهاز الدولة الرسمي، ويمتد إلى المؤسسات والمنظمات. بالإضافة إلى ذلك، تفحص الدمرداش ما يتعرض له الفنانون من رقابة، وتماشيهم مع التيار أو الإلتفاف حوله، وتحلل المخارج التي من خلالها يتم إبراز بديل جمالي.
كما أنها تلقي الضوء على مناطق معتمة تتعلق بحرية الفن والخيارات الجمالية فيما يتعلق بالفراغ الثقافي، والمؤسسات، والأحداث الفنية التي تقام مرة كل عامين في دول مجلس التعاون. وخلا هذا الفصل، تثير الدمرداش سلسلة من التساؤلات: بأي السبل يمكن تعريف الحرية الفنية بشكل عام في دول مجلس التعاون؟ كيف يتعامل فنانو الخليج مع التقاليد الدينية والسياسات اليومية في المنطقة؟ بأي السبل يقوم هؤلاء الفنانون بفرض رقابة ذاتية على أنفسهم، لنزع أي صفة سياسية عن ممارساتهم؟ كيف يمكن لجمهور المشاهدين أو يؤثروا على نوعية ما يقدم من أعمال فنية؟ إذا كانت الأعمال الفنية في العالم العربي، خلال السنوات الأخيرة في أعقاب ما عرف بالربيع العربي، قد يتم تعريفها أو وصفها بأنها “ناشطة” أو “سياسية” أو “ثورية”، فأين مكان هذه الأنواع من الصيغ الفنية في الدول العربية في الخليج؟ ما هو شكل العلاقة بين العمل الفني وما هو غير مستقر أو غير مقبول اجتماعياً؟ وما هي جماليات الصيغ الفنية التي لا يمكن أن تعبر عن التمرد أو المعارضة بشكل واضح؟
قدمت ليزلي غراي الفصل الرابع حول “الفن المعاصر والحداثة: الفن والهوية العالمية في أذربيجان والخليج”. ومن خلال اللجوء لتحليل الخطاب الوثائقي والإعلامي للمجالين الأكاديمي والإعلامي الشعبي، تفحص غراي العوامل التي كانت رئيسية في ارتفاع شعبية الفن المعاصر كجزء من استراتيجية المشاركة الدولية، ووضع سياق لهذه المعلومات يتفق مع آراء الذين يعملون بالمشهد الفني في باكو.
علاوة على ذلك، ضمن سياق مماثل في جغرافية الجزيرة العربية التي تشبه أذربيجان من حيث الثراء النفطي، تعتبر أذربيجان واحدة من تلك الدول التي تبنت عناصر من التقدم الاقتصادي الغربي، المدفوع بالثروة النفطية دون ما يصاحبه من الحريات الفردية والاجتماعية والسياسية والحقوق وضمنتها في برامجها الحداثية. وبالتحدي يطرح هذا الفصل أسئلة من قبيل كيف يمكننا تعريف الحداثة في أذربيجان، وتحت أي ظروف نهضت؟ كيف ساهم الإعلام في تشكيل صورة أذربيجان أمام العالم؟
كيف تطور الفن المعاصر في ما بعد العصر السوفياتي وكيف يعبر عن الهوية الحديثة لأذربيجان أمام المجتمع الفني العالمي؟ كيف يبدو المشهد الفني المعاصر بداية من المستوى الأساسي ومن هم العامة هناك؟ وكيف يمكن مقارنة أذربيجان، والعاصمة باكو بالتحديد، مع مدن مماثلة مثل أبو ظبي ودبي والدوحة؟
في الفصل الأخير بعنوان: “الثقافة الأصيلة في دولة الإمارات العربية،” تطرح اليزابيث دردريان رأي يفيد بأن “شهرة المتاحف” في منطقة الخليج تثير تساؤلات عن الأصالة والاستيعاب الثقافي.
يركز هذا الفصل على دولة الإمارات العربية المتحدة وبالتحديد يقوم باستكشاف مفهوم الأصالة وكيف يؤثر انتشارها على الاستبعاد بسبل محددة. وتفحص دردريان الطرق التي تحتاجها الأصالة، ومنها الحاجة لوجود خبراء يقومون بمهام إنتاج المعلومات والمعارف التي تعتمد على هياكل وديناميكيات مختلفة للقوة وتعيد إنتاجها. وأيضا تقوم دردريان بتفسير التبادل الثقافي وتمييزه عن الاحتواء أو الاستيعاب الثقافي، مركزة على تسلسل للسلطات والاستبعاد.
اختتم مهران كمرافا مدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية اجتماعات مجموعة العمل بإلقاء الضوء على مساهمات المشاركين في العمل البحثي من خلال اوراقهم البحثية، والتي سيتم نشرها في عدد خاص من مجلة بحثية أكاديمية متخصصة.
المقال بقلم إسلام حسن، محلل أبحاث بمركز الدراسات الدولية والإقليمية