الأمن الغذائي وسيادة الغذاء في الشرق الأوسط – تقرير مجموعة العمل 2
أنهى مركز الدراسات الدولية والإقليمية مبادرته البحثية عن “الأمن الغذائي وسيادة الغذاء في الشرق الأوسط” باجتماع لمجموعة العمل لمدة يومين في 22 – 23 أبريل 2012. وشارك في المبادرة 16 دارس وخبير، تم توجيه الدعوة لهم مرة أخرى لمشاركة نتائج أبحاثهم في الدوحة مع أعضاء مجموعة العمل للتعليق النقدي على النتائج الأوراق البحثية المقدمة. ومن ضمن المشاركين، كان هناك تسعة من الحاصلين على منح بحثية من مركز الدراسات الدولية والإقليمية، وقد شاركوا بتقديم تحديثات على مدى التقدم الذي أحرزوه في مشروعاتهم البحثية. وقد عُقد الاجتماع الأول لمجموعة العمل في نوفمبر 2011.
وتكمن قوة هذه المبادرة البحثية من مركز الدراسات الدولية والإقليمية في تعددية الاتجاهات الدراسية التي تتناول مسائل الأمن الغذائي وسيادة الغذاء في الشرق الأوسط. ويتنوع المشاركون ما بين اقتصاديين، ومهتمين بعلوم الإنسان، ومؤرخين، وخبراء في مجال الزراعة والغذاء. وهذا التنوع في الخبرات يتيح للمشروع فرصة تعويض الانقسام المعرفي بين المنهجيات النوعية والكمية في العلوم الاجتماعية. وتتعرض قضايا الأمن الغذائي الحالية والأحداث العالمية المقابلة لها لعملية تحول من نموذج سيادة دول الاقتصادات الكبرى حيث يركز النقاش على قضايا التنمية الدولية على المستوى الكلي إلى نموذج يُعنى أكثر بالعوامل السياسية والاجتماعية ودورها في اعتبار الغذاء حق من حقوق الإنسان من حيث التوفر والقيمة والتوزيع، وليس مجرد قوة سوقية. وتغطي الأبحاث الفردية قطاع كبير من الشرق الأوسط، مع حالات دراسة تتناول خصائص مشروعات الأمن الغذائي في قطر، ولبنان، والأردن، والأراضي الفلسطينية، واليمن، ومصر، وإيران، علاوة على الدراسات الخاصة باستثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في الأراضي الأجنبية في كمبوديا وإثيوبيا.
تُعرّف منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة الأمن الغذائي كحالة يتمكن فيها الناس يوميًا من الوصول لكمية كافية ومغذية من الطعام بدون قيود بحيث يستطيعون العيش بصحة. وتعد أزمة الغذاء العالمية في 2008، نقطة فاصلة بالنسبة لقضايا الغذاء وصعوبة الوصول إليه، وانتباه الدول المنقادة إلى البحث عن “الأمن الغذائي” و”سيادة الغذاء” لمواجهة الأزمات المستقبلية. ومن المثير للاهتمام أن ارتفاع أسعار الغذاء كان أحد الأسباب التي أدت إلى اندلاع الاحتجاجات الأخيرة المسماة بالربيع العربي والاضطرابات السياسية على مستوى منطقة الشرق الأوسط. ويشير النقاد أن مثل هذه الأزمات تعد نتيجة مباشرة لسياسات التحرر العالمية التي سمحت بسيطرة الشركات متعددة الجنسيات على إنتاج الغذاء وسلاسل توزيع القيمة، مما حوّل الغذاء إلى سلعة تجارية، وجعل مقاومة المقاومة لمثل هذه الأنظمة الدولية أصعب كثيرًا. وترتب على سيطرة السوق على أنظمة الغذاء حاليًا، أزمة مركزية تتعلق بالخيار الأفضل: إما أن يتم تجديد الترويج لوضع استراتيجية للأمن الغذائي تعتمد على الإنتاج المحلي، أو الترويج لزيادة الصادرات غير الزراعية واستخدام النقد الأجنبي لاستيراد المنتجات الغذائية.
ولكي تتضح الديناميكيات المعقدة للعمل في ظل التحول العالمي فيما يتعلق بالنظر للغذاء، وقيمته، واعتباره سلعة تجارية، تقدم المبادرة البحثية لمركز الدراسات الدولية والإقليمية النظرة المتعمقة للعديد من هذه القضايا. وقد تعاون المشاركون في عمل تحليل تاريخي لأنظمة الغذاء والأنظمة الكبرى التي خصصت الموارد الغذائية عبر نماذج مختلفة؛ اقتصادية، وسياسية، وسوقية. وكان للوسائل المختلفة للإنتاج منذ القرن التاسع عشر، بما فيها زيادة النشاط الصناعي والميكنة الزراعية والنقل في النصف الأول من القرن العشرين، تأثيرات متباينة على علاقة دول الشرق الأوسط بالغذاء. وأخذت عملية إنتاج الغذاء وتوزيعه صبغة دولية، حيث أصبحت المنتجات التي تنشأ من مكان واحد تصدر إلى مكان آخر كجزء من شبكة عالمية للمشروعات الاستعمارية على مستوى العالم.
على مدار عقود مضت، بدأت الدول بزراعة المحاصيل التي تدر الأموال والتي لها ميزة تنافسية في الأسواق، وبالتالي أصبح للغذاء معانٍ أخرى كسلعة تخضع لضغط السوق بدلًا من وسيلة لبقاء البشر على قيد الحياة. وأدت زيادة دخول الأفراد والنمو السريع في الكثافة السكانية إلى تغير في أنماط استهلاك الغذاء والطلب للأنواع المختلفة والمتنوعة من السلع الغذائية، مما فرض قيودًا بيئية إضافية على الأراضي والمياه. ترتب على هذا تحول في أسلوب الحياة من الأنظمة الغذائية “التقليدية” المعتمدة على استهلاك ما ينتجه السوق المحلي إلى الأنظمة الغذائية “الحديثة” المعتمدة على اللحم، والسكر، والأطعمة المصنعة التي نشتريها من السوبر ماركت، وكان لذلك كله تأثيرًا عكسيًا على الصحة؛ فزادت مستويات الإصابة بمرض السكري، وسوء التغذية، والسمنة في الشرق الأوسط. وبالإضافة إلى القيمة السوقية للغذاء، كان يستخدم أيضًا كسلاح سياسي للقمع، وأداة للسياسة الخارجية، حيث يمكن للدول الكبرى تشجيع أو تثبيط توزيع فائض الطعام كنوع من المكافأة أو العقاب لدول أخرى.
ولأن دول الشرق الأوسط تستورد نسبة كبيرة من متطلباتها الغذائية، كان للارتفاع المتقلب الأخير في أسعار الغذاء العالمية تأثيرًا عكسيًا شديدًا. على مستوى الاقتصاد الكلي، ساهم كل ذلك في التضخم والعجز التجاري، وعلى مستوى الاقتصاد الجزئي بالنسبة للأسر، زادت الأسعار وأدى ذلك إلى زيادة نسب الفقر وغياب الأمن الغذائي. ولقد استجابت العديد من الدول للأزمة العالمية للغذاء في 2008، وذلك من خلال إصدار قرارات لزيادة الإنتاج المحلي من الغذاء. وتشمل الحلول الأخرى الاستثمار في المجال المثير للجدل بشكل كبير: “الاستحواذ على الأراضي الأجنبية” من أجل زراعة الغذاء في الخارج. وقد يكون ذلك على حساب الشعوب المحلية في الدولة المضيفة، والذين قد يتم تهجيرهم وإضعافهم بصورة أفظع من خلال صفقات الأراضي اللا أخلاقية والتي لا تخضع لقواعد.
في الختام، تناقش المشاركون بشأن الثورات الأخيرة في الشرق الأوسط، ووقد يصبح دور المقاومة الشعبية للأنظمة السياسية المستبدة والأنظمة الاقتصادية عاملًا مهمًا في مسألة دراسة الأمن الغذائي. فالأمر لا يقتصر على الحالة التي تشكل السياسة في الشرق الأوسط، ولكن أيضًا مستوى الفرد والأسرة؛ حيث أصبح الناس أكثر انغماسًا في القضايا التي تؤثر على حياتهم. ويتفق الدارسون على أنه بالنسبة للعقود القليلة المنصرمة، كانت الأبحاث حول مسألة الأمن الغذائي هي محور اهتمام الكيانات الاقتصادية والتجارية الدولية والتي تطرقت إليها من منظور ضيق يركز على الاتجاه السوقي لتحليل الغذاء وعلاقته بالوجود الإنساني. ويعد مشروع مركز الدراسات الدولية والإقليمية مجاولة لإدخال تحولًا فكريًا في هذا الشأن من خلال اقتراح أن يتناول البحث الخاص بالأمن الغذائي المستوى الفردي من التحليل إلى جانب العوامل السياسية والعوامل المتعلقة بالاقتصاد الكلي. ويضيف هذا الكتاب متعدد الاتجاهات الذي يموله مركز الدراسات الدولية والإقليمية القيمة إلى المؤلفات التي تناولت الأمن الغذائي كاستجابة لهذه المعتقد التقليدي الآخذ في التغيير. وبعد المراجعات النهائية المعتمدة على تعليقات الزملاء واقتراحاتهم، سيقوم مركز الدراسات الدولية والإقليمية بجمع مشاركات الفصل الكامل ونشرها في مجلد خلال الأشهر القادمة في دار النشر التابعة لإحدى الجامعات.
- انظر الجدول لاجتماع مجموعة العمل.
المشاركون والمتناقشون:
- أمين الحكيمي، المؤسسة اليمنية للزراعة المستدامة؛ جامعة صنعاء
- زهرة بابار، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، جامعة جورجتاون – كلية الشؤون الدولية في قطر
- رايموند بوش، جامعة ليدز
- جون تي كريست، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، جامعة جورجتاون – كلية الشؤون الدولية في قطر
- طاهرة العبيد، جامعة قطر
- ميرهان كامرافا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، جامعة جورجتاون – كلية الشؤون الدولية في قطر
- ماري لومي، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، جامعة جورجتاون – كلية الشؤون الدولية في قطر
- سوزي ميرغاني، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، جامعة جورجتاون – كلية الشؤون الدولية في قطر
- مارثا موندي، كلية لندن للاقتصاد
- حبيب الله سلامي، جامعة طهران
- نادية تالبور، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، جامعة جورجتاون – كلية الشؤون الدولية في قطر
- فلورا ويتني، مركز الدراسات الدولية والإقليمية، جامعة جورجتاون – كلية الشؤون الدولية في قطر
- إيكارت فيرتز، جامعة برينستون
المستفيدون من منحة مركز الدراسات الدولية والإقليمية:
- إليسا كافاتورتا، جامعة لندن
- جاد شعبان، الجامعة الأمريكية في بيروت
- هالة غطاس، الجامعة الأمريكية في بيروت
- شادي حمادي، الجامعة الأمريكية في بيروت
- جاين هاريجان، كلية الدراسات الشرقية والأفريقية – جامعة لندن
- كارين سيفرت، الجامعة الأمريكية في بيروت/كلية الدراسات الشرقية والأفريقية – جامعة لندن
- بن شبرد، جامعة سيدني
- سلوى طعمة طوق، الجامعة الأمريكية في بيروت
- ماري آن تيترولت، جامعة ترينيتي
- ديبورا ل. ويلر، الأكاديمية البحرية بالولايات المتحدة
مقال لسوزي ميرغاني، مدير ومحرر مطبوعات مركز الدراسات الدولية الإقليمية