الأسرة الخليجية – إجتماع مجموعة العمل الثانية
في الخامس عشر والسادس عشر من عام 2015، استضاف مركز الدراسات الدولية والإقليمية اجتماعات مجموعة العمل الثانية لمناقشة مبادرة بحثية بعنوان “الأسرة الخليجية” وذلك بمقر كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون في قطر.
على مدار يومين ناقش عشرة من الخبراء، خمسة منهم من الحائزين على منح من مركز الدراسات الدولية والإقليمية أوراقاً بحثية تغطي مدى واسعاً من القضايا المتعلقة بالأسرة في دول الخليج العربية. وقد تطرقت الأوراق البحثية المقدمة والتي تمت مناقشتها إلى عدة موضوعات، من بينها القبلية والأسرة، مؤسسة الزواج، الزيجات المختلطة، التصنيف الاجتماعي والأسرة، قوانين الأسرة وحقوق الطفل، العلاقات الجنسية والأسرة، تأثير الحرب على الأسرة العراقية، العلاقات بين الجنسين، القوة والسياسة، وثنائية اللغة.
تاريخياً لطالما كانت الأسرة الوحدة الأساسية للمجتمع، ويتغير بناؤها وتكوينها بشكل مستمر ليتلاءم مع تطورات اجتماعية واقتصادية وسياسية تتعرض لها المنطقة. وقد شهدت دول مجلس التعاون الخليجي تحولات ضخمة منذ اكتشاف النفط، وخرجت خلال العقود القليلة الماضية كمنطقة ذات أهمية استراتيجية تشهد تطوراً ملحوظاً.
وكان التحول الذي شهدته المنطقة قد جلب معه تغيرات في طبيعة الدولة ووظائفها وصاحبته تغيرات موازية في المجتمع والثقافة والاقتصاد. تعرضت الأسرة الخليجية بالطبع لتأثيرات من قبل هذه العوامل الاجتماعية الواسعة، ولكن البحوث الأكاديمية حول الموضوع تظل محدودة والأسرة في الجزيرة العربية لم تحظ بالقدر الذي تستحقه من الدراسات. دعمت المبادرات البحثية المقدمة من مركز الدراسات الدولية والإقليمية عدداً من البحوث الاصيلة التي تستكشف القضايا المتعلقة بمؤسسة الأسرة في الخليج، بما في ذلك تلك التي تركز على هيكلة الأسرة، العوامل السكانية، دور السياسات ورد فعلها، القبائل، صلات القرابة، التقاليد، والقيم. وقد منح مركز الدراسات الدولية والإقليمية خمس منح دراسية تنافسية إلى الباحثين الذين قدموا مقترحات بإجراء دراسات ميدانية أصلية عن هذا الموضوع.
وبناء على اجتماع مجموعة العمل الأولى، قدم الباحثون المشاركون في مجموعة عمل شهر نوفمبر أوراقاً بحثية ونتائج بحثية في صميم الموضوع. وخلال الاجتماع، انخرط المشاركون في مناقشات دقيقة حول كل ورقة بحثية، وقدموا تعليقاتهم وردود أفعالهم عن المساهمات المختلفة.
بدأت مجموعة العمل بتحري سباستيان مايسل لموضوع “القبلية وشؤون الأسرة”. وتركز ورقة مايزل على دراسة الشخصية القبلية في الأسر الخليجية، مركزاً على تأثير القبلية في إدارة شؤون الأسرة. وتتحرى الورقة البحثية إذا ما كانت الممارسات الاجتماعية والسياسية الحالية للأسر من المنطقة يمكن تصنيفها على أنها “قبلية”. ونظراً لوجود جدال حول مفهوم ومعنى “القبلية” في المواد العلمية المتاحة حاليا، تبدأ هذه الدراسة بتقديم إطار وتعريف لما هي حقيقة القيم القبلية، وكيف أثرت هذه القيم على العوامل المتغيرة للأسرة الخليجية في عصر ما قبل النفط ثم ما بعده. وتوفر جهود مايزل البحثية عدسة تاريخية من التحليلات، وتعتمد على سلسلة من المقابلات المجهزة التي تم اجراؤها في ثلاث دول خليجية.
أجرت جيهان صفار، وهي باحثة ممن حصلوا على منحة من مركز الدراسات الدولية والإقليمية، بحثاً عن “ارتفاع سعر العروس (المهر) في سياق الحداثة والتطور: متغير معقد يؤثر على تشكيل الأسرة الخليجية: دراسة حالة سلطنة عمان.” وتجيب دراسة جيهان صفار على بعض الأسئلة الأساسية حول كيفية تقدير مبلغ المهر وكيف يتم التفاوض بشأنه في سلطنة عمان، وكيف يؤثر هذا على اتجاهات الزواج في السلطنة. ويكشف بحثها عن بعض الأسباب الرئيسية لاستمرار ارتفاع المهور في عمان على الرغم من الاتجاه للحداثة، وتلقي النساء للتعليم وانخراطهن في العمل، والاتجاه الى الحضر، ووجود طموحات والمال فردية لديهن. وتحدد صفار المتغيرات التي تقرر مبلغ المهر، بما فيها الموقع الجغرافي، زيجات الصالونات التي تتم من خلال لقاءات عائلية للتعارف والزيجات التي تتم بدون تقديم عائلي، الانتماء الديني، والهوية العرقية. هذه الدراسة تقدم لنا فهما للاختلافات الدقيقة للهيكل الابوي للأسرة، والقواعد المتبعة في الدولة، ومعاني الذكورة والانوثة، وكيف تواصل الأسرة، كوحدة واحدة، التأثير على مؤسسة الزواج في عمان.
كذلك قدم محمد محيي الدين وسناء الحراحشة وفراس المير من معهد الدوحة الدولي للأسرة بحثهم المشترك الذي ركز على “الزيجات المختلطة بين القطريين.” وتوفر الدراسة تحليلا عميقا لظاهرة زواج القطريين من غير قطريين، وهم يقولون إن ثمة إتجاهاً متنامياً واضحاً خلال السنوات القليلة الماضية.
هذا المشروع البحثي، اعتماداً على مجموعات البيانات المتوافرة حالياً عن الزيجات في قطر، يستكشف موضوعاً لم يحظ بالقدر الكافي من الدراسة. فمن بين ما يظهره هذا البحث أن هناك عدداً كبيراً من النساء القطريات اللاتي يزوجن من أجانب، ويوضح الباحث القيود المفروضة على أطفال النساء القطريات اللاتي يتزوجن من أجانب، الذين يحرمون من حقوق المواطنة إذا لم يكن أبوهم قطريا. وتشير الورقة البحثية إلى التغيرات التي تعرض لها المجتمع على الصعيدين السكاني والاقتصادي كان لهما تأثير مباشر على اتجاهات الزواج في البلاد.
ومن بين المساهمين الآخرين، المحلل بمركز الدراسات الدولية والإقليمية إسلام حسن الذي ركز على موضوع “الأسرة، الزواج، والتصنيف الاجتماعي في المجتمع القطري.” وتملأ الورقة البحثية لحسن الفجوة في المادة البحثية المتوافرة من خلال فحص دور الديناميكيات الاجتماعية، خصوصا الأسرة ومؤسسة الزواج، في إطار الديمومة وإعادة انتاج النظام الاجتماعي والتصنيف في المجتمع القطري. تنظر الدراسة في المادة البحثية المتوافرة ضمن مجموعات البيانات التي لم يتم تحليلها بصورة نمطية بعد. وتظهر تحليلات حسن كيف أن مؤسسة الزواج -من خلال التأثير على خيارات اختيار الشريك – تحافظ على الثقافة وتعيد إنتاجها، وكذلك التقاليد والقيم والعادات والهرم الاجتماعي في المجتمع القطري.
أجرت لينا ماريا مولر بحثاً عن موضوع “قوانين الأسرة الخليجية ومراعاة مصلحة الأطفال: المعاني المتعددة لمفاهيم قانونية غامضة.” وتركز الورقة البحثية لمولر على الإطار الدولي، الذي تم من خلاله اجراء إصلاحات على قانون الأطفال في الخليج. كما تأخذ في الاعتبار تأثير سن قوانين “معايير مراعاة مصلحة الطفل” على تصنيف قانون الأسرة في البحرين وقطر ودولة الإمارات العربية. وأخيراً، تستكشف مولر العلاقة بين تفسيرات مفهوم “مراعاة مصلحة الطفل” وتغير القيم الاجتماعية، وبناء الأسرة، وأنماط التعامل الحالية مع الأمومة والأبوة في دول الخليج العربية.
قدمت هيا النعيمي، الباحثة السابقة بمركز الدراسات الدولية والإقليمية والدارسة الحالية لدرجة الدكتوراه في كلية الدراسات الشرقية والإفريقية بلندن، ورقة بحثية بعنوان “التستر على خطاياكم: أحوال العلاقات الجنسانية في الأسرة الخليجية.” وتتضمن الورقة البحثية التي أعدتها النعيمي ثلاثة محاور، الأول كيف تعرف الأسرة الصغيرة والمجتمع الأوسع العلاقات الجنسية العادية، والثاني هو فحص دور الدولة في تطبيق القوانين الأخلاقية والسلوكيات من خلال تحليل مختصر لتلك القوانين، والتركيز على مواضع القوة والضعف لتلك القوانين وما هو مقترح للتشريع. وأخيراً، بعض السبل التي يمكن من خلالها للأسرة الخليجية، بالتعاون مع الدولة، أن تحاول تطبيق سياسات واقعية تحمي الشباب والأقليات الجنسية من خلال المناقشات، والتربية والتشريع.
تركزت مساهمات لورا سيوبرغ حول “أسر الحرب والحروب العراقية”. وتبحث هذه الورقة في أسر الحرب العراقية، والأسر التي ساهمت في تشكيل الحروب في العراق. وهي تعيد النظر في تعقيدات الأسر التي تعيش الحروب، وتستكشف التغيرات السكانية، والمتغيرات الغذائية والصحية للأسرة العراقية خلال سنوات الحرب والنزاعات في العراق. وتختتم سيوبرغ بوضع سياق لأسر الحرب مستطلعةً مستقبل الأسر العراقية في السنوات القليلة المقبلة.
قدمت صوفيا باندايا ورقة بحثية بعنوان “الحرب أعادتنا إلى الوراء: النساء اليمنيات الناشطات والثورة والحرب”. تحلل هذه الدراسة أبعاد العلاقات بين الجنسين في “الربيع اليمني” وما أعقبها من حرب عام 2015، مع التركيز على دور الجماعات الدينية. كما تفحص الأسباب الكامنة وراء إخفاق النشاط السياسي للمرأة اليمنية في إحداث تغير ملموس في وضع المرأة في المجتمع اليمني. كما تلقي الدراسة الضوء على الظروف التي يمكن من خلالها للنشاطات السياسية أن تحقق تغيراً، وفي هذه الحالة منح النساء نفاذاً أكبر للوصول إلى مقاليد السلطة السياسية بدلاً من “إعادة الاندماج” إلى نفس الأوضاع التي كانت عليها قبل “الربيع اليمني”.
الورقة التالية كانت من إعداد ديونسيس ماركاكيس، الباحث السابق يمركز الدراسات الدولية والإقليمية، بعنوان “مسألة عائلية: السلطة في الخليج الفارسي”. وتستكشف هذه الورقة البحثية دور الأسرة وعلاقتها بممارسة السلطة في دول الخليج، ويقول إن متغير العلاقة الأسرية يعتبر أساسياً في فهم ممارسة السلطة واستمرار الأسر الحاكمة في السلطة في الخليج. كما يستكشف الخصائص الأساسية، والملامح، والاتجاهات الحالية في علاقات الحكم الأسرية في الخليج، ويفحص عملية التوريث في الخليج، ويدرس لتهديدات الرئيسية التي تهدد استمرار ظاهرة “الأسرة الحاكمة” في دول الخليج العربية.
الورقة البحثية الأخيرة تقدم بها علي كمال تكين ركزت على “الأطفال الذين يجيدون لغتين في الخليج: دراسة حالة عمان”. ويستكشف تكين في دراسته أسباب تعليم الآباء لغتين لأطفالهم وكيفيته، وإلى أي مدى يكون لثنائية اللغة تأثير على العلاقات بين الأجيال، وآثار ثنائية اللغة على الأطفال في حياتهم اليومية. وتختتم الدراسة بتقديم آثار وتبعات ذلك مع تحديد لمجالات البحث الموصي بها في المستقبل، وتوصيات لصناع السياسة.
زهرة بابار، المدير المشارك لمركز الدراسات الدولية والإقليمية اختتمت اجتماعات مجموعة العمل بإلقاء الضوء على مساهمات الحاضرين في البحث العلمي من خلال ما قدموه من أوراق، يتم نشرها في مجلد منقح يصدره المركز قريبا.
يجدر الذكر هنا بأن مجموعة العمل هذه هي جزء من مبادرات مركز الدراسات الدولية والإقليمية التي تهدف إلى ملء الفجوات البحثية القائمة، والمساهمة في تعزيز المعرفة. وتتضمن كل من هذه المبادرات بعضا من الباحثين المرموقين في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والخليج الذين تناولوا العديد القضايا المطروحة المتعلقة بالأمن والإستقرار الاقتصادي والمجال السياسي في المنطقة.
كتب المقال إسلام حسن، محلل باحث بمركز الدراسات الدولية والإقليمية.