إنتاج الفن والثقافة في دول مجلس التعاون الخليجي - مجموعة العمل الأولى

إنتاج الفن والثقافة في دول مجلس التعاون الخليجي - مجموعة العمل الأولى

عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية إجتماعه الأول لمجموعة العمل التي تبحث مبادرة “إنتاج الفن والثقافة في دول مجلس التعاون الخليجي” وذلك يومي 30-31 من أغسطس 2015. وقد شارك في الإجتماع عدد من الأكاديميين، والمؤرخين الفنيين، والخبراء المتخصصين بالمتاحف، إضافة إلى نخبة من كبار المشرفين على الثقافة المرئية والمتخصصين بها. وعلى مدار يومين، ناقش المشاركون عددا من القضايا المتعلقة بالموضوع وحددوا الفجوات القائمة في المواد البحثية المتاحة. وقد تضمنت الموضوعات التي طرحت للنقاش خلال الإجتماع فعالية الفن كأحد عوامل القوة الناعمة في منطقة دول مجلس التعاون، ودور دول الخليج كراعية للفنون، المصداقية، والتوظيف الثقافي، والرقابة على الأعمال الفنية في المنطقة.

في بداية الحوار، ناقش الحاضرون دور الفن كأحد عوامل القوة الناعمة ودور الفنانين في مجتمعات دول مجلس التعاون الخليجي. وكما يقول عالم الإجتماع الفرنسي بيير بوردو فإن قيمة العمل الفني لا يحددها الفنان نفسه، ولكن يحددها مجال الإنتاج الذي ينتج قيمتها الفنية.

إلا أنه عند محاولة فهم كيف يمكن توظيف الثقافة والفن في منطقة الخليج لاكتساب القوة الناعمة، لا ينبغي مجرد إدراك المنتجين المباشرين للقوة الناعمة ولكن أيضا جميع المنخرطين فيه والمؤسسات العاملة به، مثل النقاد والرعاة وهواة إقتناء وجمع الأعمال الفنية، وغيرهم من المنخرطين في تقييمها.

في حالة الخليج، تواصلت التنمية الفنية في الشارقة والكويت منذ الستينيات والسبعينيات، ولكن خلال الفترة الأخيرة فقط إزداد الاهتمام الدولي بالفن والثقافة في منطقة الخليج معترفاً بقيمته وجدواه المالية. والفضل في هذا الانتعاش يرجع بقدر كبير إلى الرعاية التي حظي بها الفن ودعمه، حيث بدأت دول خليجية مثل قطر والإمارات العربية المتحدة في تبني المبادرات الفنية وتمويلها. ومن خلال إدراك العوامل الرئيسية المؤثرة في تكوين القوة الناعمة، أصبح من الأسهل فهم التداخلات القائمة بين المصالح الداخلية والخارجية فيما يتعلق بالإنتاج الفني والثقافي في المنطقة.

فيما يتعلق بالفن والأصالة والإستيعاب الثقافي، فقد تطرق المتناقشون إلى العلاقة بين الأصالة والحرفية، وكيف يرتبط هذا بقضايا الجنسية والمواطنة. فإذا اعتبرت المواقع التراثية في أبوظبي وقطر كمعالم فنية، فإن قضية قبولها ثقافياً تصبح محل جدال نظراً لأن هذه المواقع تثير نزعات هوية ثقافية بعينها وتهمش الهويات الثقافية الأخرى في البلاد.

توجد درجة من الإنفصال بين الفن والمجتمع الذي يجري عمل هذا الفن بداخله، وهو ما يمتد أيضا إلى العلاقة بين المتاحف والمجتمعات المحيطة بها. يذكر أن الفلسفة الكامنة وراء المتاحف أنها يجب أن تكون موجودة في قلب المجتمعات من خلال تقديم الخدمات الثقافية والمعارف الضرورية. على سبيل المثال، يعتبر طريق اللؤلؤ في البحرين مبادرة فنية تتكون من 21 موقعا أثريا مختلفا من بينها مساجد ومدارس ومواقع لأصداف اللؤلؤ تحت سطح البحر تقدم صورة عن المجتمع التقليدي في البحرين قبل اكتشاف النفط. وعلى نفس المنوال يعتبر حصن خصب في عمان، الذي تم تحويله مؤخراً إلى متحف من التجارب الفريدة، حيث يتم تمويله من الدولة بينما تتم إدارته محلياً. ولكن هذين المثالين هما الاستثناء في غالب الأحوال، إذا ما أخذنا في الإعتبار أن معظم المتاحف في الخليج تواجه صعوبات في التعامل مع كيانات أخرى لا تنتمي لفئة المتاحف.

كذلك فإن خطط الجدوى والإستدامة، وهي من الأمور الإعتيادية التي ينبغي على المتاحف الأوروبية أن تخوض فيها عندما تطلب الدعم المالي من الحكومات، هي أيضا من الأمور النادرة في حالة متاحف الخليج. تجرى معظم دراسات الجدوى داخلياً، وهو ما يحد من مشاركة المجتمع وهيئاته في المناقشات الخاصة بالموضوع. كما يمكن رؤية مواقف مماثلة عند مناقشة أمور تتعلق بتطوير السينما المعاصرة في الخليج. فمنذ السبعينيات كانت السينما الخليجية مجالاً صغير الحجم ولكنه واعد وسريع التطور، وخلال الفترة الأخيرة ازداد الدعم المالي بصورة كبيرة وازداد الاهتمام المجتمعي بصناع الأفلام الشباب من المنطقة. وبعد فترة قصيرة، تم تقليص مهرجانات الأفلام وبرامج تدريس فنون السينما بدرجة كبيرة أو إلغاؤها تماما. ويرجع ذلك جزئياً إلى أمور تتعلق بالرقابة ونظراً لعدم تنفيذ خطط للجدوى والاستدامة بالشكل الصحيح قبل بدء العمل على تنفيذ هذ المبادرات.

عندما يتعلق الأمر بفهم دور دول الخليج كرعاة للفنون، وضع المشاركون تصورات للمشكلات المتعلقة بكل متحف أو مؤسسة فنية. على سبيل المثال، في مراسم توقيع عقد متحف اللوفر في أبوظبي، كان هناك قلق واضح من قبل الفنانين المحليين من استيراد فن من الغرب خصوصاً وأنه في أغلبه مجموعات يشرف عليها مستشارون فنيون من الغرب، ونفس الأمر ينطبق على دبي فالمعارض الفنية والمزادات التي تقام تحركها قوى السوق بفعل الخطاب السائد لكون دبي ملتقى الفنون ومركزها في الخليج. وفيما يتعلق بمتاحف الشارقة والكويت، تركزت الرؤية على دعم الفنانين المحليين من خلال توفير مساحات فنية وبرامج تعليمية لإثراء مهاراتهم وقدراتهم.

كذلك ناقش المشاركون الجانب التعليمي من صناعة الفن في الخليج، حيث تقوم العديد من برامج الفنون بتدريب الطلاب بالقدر الكافي، ولكنها لاتحقق تجمعاً أكاديمياً يمكنه تحفيز الثقافة إلى ما هو أبعد من الرعاية والدعم من قبل الدولة. كما أنه من الضروري تفقد من سيتولى تدريس الأجيال الجديدة من الفنانين في المنطقة، نظراً لكون الكثيرين من الخبراء ليسوا من أهل المنطقة ولا يعيشون بها، بل هم مجرد زوار.

فيما يتعلق بالرقابة على الأعمال الفنية، فقد كان هناك العديد من الأحداث التي تعرضت فيها المعارض الفنية للرقابة بسبب “حساسيات ثقافية”. وفي منطقة تنمو بسرعة كمنطقة الخليج فإن ديناميكيات الفن المعاصر تتغير بسرعة أيضا. ويلعب الأفراد والجماعات دوراً رئيسياً في تحديد كيفية تنظيم الأسواق الفنية لما هو مسموح به وما هو غير مسموح به. على سبيل المثال، استهدفت حالات الرقابة على الأعمال الفنية قطعا لما تحتويه من مشاهد مكشوفة للعيان. وقد أثارت المناقشات تساؤلات حول طبيعة الأعمال الفنية المعروضة للعامة في مدن الخليج التي لا تلائم أجواء السير على الأقدام، وهو بالتالي ما يشجع الأعمال الهندسية والبنايات على أن تكون النماذج الوحيدة للفن في الفضاء العام.

وصلت المناقشات الى استنتاجات تفيد بأنه في حالات غياب ثروات النفط، فإن دول خليجية مثل البحرين وعمان والكويت، اضطرت للاعتماد على فرص بديلة للتمويل لا ترتبط بالدولة، الأمر الذي دفعها الى التعامل مع العديد من أفراد المجتمع بهدف تمويل المبادرات الفنية من خلال التبرعات النقدية أو القروض. وقد أظهرت المناقشات أنه في بعض الأحيان، وفي حالة منطقة الخليج، يمكن للدول أن تستفيد من نقص الثراء لتعمل على تدعيم الروح الابتكارية والإنتاج الفني.

المقال بقلم هيا النعيمي محللة أبحاث بمركز الدراسات الدولية والاقليمية