إمامة المؤمنين: دور السلطة الدينية في الشرق الأوسط - مجموعة العمل الأولى

إمامة المؤمنين: دور السلطة الدينية في الشرق الأوسط - مجموعة العمل الأولى

خلال يومي الثاني والعشرين والثالث والعشرين من أغسطس عام 2016 التأمت مجموعة العمل الأولى التابعة لمركز الدراسات الدولية والاقليمية تحت عنوان مبادرة البحث لموضوع “إمامة المؤمنين: دور السلطة الدينية في الشرق الأوسط”. 

بدأت مجموعة العمل بمناقشة أدارتها الدكتورة ريم مشعل عن “أزمة السلطة الدينية في مصر والربيع العربي.” وقد أثارت مشعل ثلاث أزمات معاصرة تتعلق بقضية السلطة الدينية في الشرق الأوسط تحتاج لمزيد من الدراسة وهي: أزمة من يمثل السلطة الدينية الشرعية في الإسلام السني، وأزمة إعادة تصعيد النزاعات الطائفية، والأزمة التي يتعرض لها الأكاديميون في فهمهم للعقيدة الدينية بفعل النقد العلماني.

وتشير الدكتورة مشعل إلى أنه في مصر يصعب تحديد زعيم ديني يتمتع باحتكار للسلطة الدينية في عالم الإسلام السني. فهناك جهات متعددة ومتنافسة، مثل الأزهر والإخوان المسلمون، وهم جميعا يزعمون تمثيل الإسلام السني، ولكن لا يمكن لأي منهم أن يقدم نفسه على أنه السلطة السنية الوحيدة. ومؤخراً، بدأ انتشار النزعات الطائفية في إثارة أزمة جديدة أنتجت نتائج واضحة المعالم في اليمن، والعراق، وسورية، والسودان، وإلى حد ما في مصر أيضا، وهي أيضا تشير إلى وجود أزمة في العقيدة الدينية.

علاوة على ذلك، فقد أثارت مشعل تساؤلاً حول ما إذا كنا في منتصف “فترة إصلاحية ثالثة” للتاريخ الإسلامي حيث يتولى المسؤولون بالدولة والتكنوقراط دور التمثيل الديني والحديث بإسمه. وقد ركزت مشعل على الحاجة لطرح تساؤلات حول العقيدة الدينية بأسلوب أكثر عمقاً وتعقيداً عما هو متاح من قبل النقاد العلمانيين، والتعامل معها كعملية يتم بناؤها تدريجيا بدلا من كونها مسلم بها.

من جهته، دفع الدكتور ساجد رزفي بالمناقشة قدما إلى الأمام من خلال التعرض لمناطق بحثية تتعلق “بتغير المرجعيات والسلطة الدينية الشيعية في الشرق الأوسط”. بدأ رزفي حديثه بردود الفعل على لحظات تاريخية معينة في السلطة الدينية الشيعية في الشرق الأوسط. ناقش زرفي الثورة الإيرانية عام 1970 وكيف ساهمت في ترسيخ فكرة أن رجال الدين يمتلكون السلطة، وحرب العراق عام 2003، وكيف أنها أثارت تساؤلات حول من سيمسك بالسلطة الدينية. كما ناقش رزفي البناء الإسلامي في العقيدة الشيعية، وكيف أن المسلمين الشيعة – في نظره – أكثر صلابة من المسلمين السنة. أعقب رزفي مناقشاته بسلسلة من الأسئلة التي يراها لم تحظ بالقدر الكافي من الدراسات. ومن بين عدة قضايا بحثية جديدة ومثيرة للاهتمام حدّد منها ما يلي: كيف يتم تخريج المرجعيات في الوقت الحالي؟ ما هي ردود الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، والإعلام الجديد، والأنماط الجديدة من الاتصالات حول دور المرجعيات والعلاقة بينها وبين الجمهور؟ كيف تتم إدارة الموارد المالية وتدفقها والشبكات الخاصة بالمرجعيات؟ وكيف أثر تشكيل المليشيات وعسكرة الدين على دور المرجعيات؟ إضافة إلى ذلك، أثار رزفي بعض النقاط المثيرة المتعلقة بالعلاقة بين العديد من رجال الدين الشيعة، إضافة الى الاختلافات بين الحالة التقليدية للقيادة الدينية، والشبكات المرتبة حول التقوى والتدين لشخصيات معينة، وما يقومون به من أعمال خيرية وإنسانية، والشخصيات المعاصرة التي تتولى ادورا مختلفة و أكثر اتساعا. كما تساءل رزفي عن تأثير الطبقات الاجتماعية، والأصول العرقية في تخريج قيادات دينية شيعية، وما إذا كان من الممكن إنتاج مرجعيات خارج نطاق النجف وقم.

بدوره، ترأس روبرت بيانكي نقاشا حول موضوع “السلطات الدينية وسياسات الحج في الشرق الأوسط.” وطرح أربعة محاور رئيسية يمكن الإستفادة منها في دراسات موسعة، ويمكن أن تضيف إلى البحوث الحالية. أولا، اقترح بيانكي ضرورة دراسة عواقب تغير التصنيف العرقي للحجاج، والذين لم يعد غالبيتهم من الدول العربية، ولكن من آسيا ومناطق أخرى.

هذه التغيرات العرقية والسكانية للحجاج كان لها آثار على علاقات القوة بين المملكة العربية السعودية و غيرها من الدول التي تعيش فيها غالبيةمن المسلمين. ثانيا، يشير بيانكي إلى أنه على مدار العقود الماضية أصبحت إدارة شؤون الحج أكثر دولية مع دخول عدد من الدول الأخرى وبعض المؤسسات الخاصة في شؤون إدارة وتنظيم الحج، وهذا يتطلب أيضا بحثا مكثفا حوله.

كمجال ثالث للبحث، يشير بيانكي إلى ضرورة دراسة الحج كجزء من نظام كوني للزيارات الى الأماكن المقدسة لدى الأديان والعقائد الأخرى ومن وجهة نظر مقارنة وتكميلية. فلم يتم عقد مقارنات بين الحج و مراسم زيارات المعالم الدينية المقدسة في أنحاء العالم التي يقوم بها أتباع الديانات الأخرى، وسيكون من المثير تقديم هذا المنظور المقارن للحج من زاوية جديدة.

وأخيرا، قدم بيانكي مقترحا بإجراء نقاشات حول مدى إمكانية تجديد واصلاح وإعادة تشكيل صورة الحج، لجعله أكثر عملية وأكثر شمولية. أما ستيفان دودوانيون فقد أدار جلسة نقاش حول إيران، مركزا على “دور الزعامات الدينية السنية والعلاقات بين الطوائف الدينية في إيران”. ويقول دودوانيون إن إعادة إحياء الذاكرة التاريخية لهويات الأقليات الدينية مقابل هوية الأغلبية قد كون تفاعلا قويا للمصالح بين الشيعة والسنة كثنائية دينية في إيران. تقدم إيران أيضا نموذجا مثيرا لدراسات الحالة لبحث الدور الذي تقوم به القيادات الدينية المحلية في سياق توجد فيه هويات قبلية و انتماءات عبر الحدود السياسية للدولة. ومن بين الموضوعات التي لم تحظ بالقدر الكافي من الدراسة، يشير دودوانيون إلى الحاجة لإجراء دراسات لعلماء السنة كمجموعة قوية متميزة داخل إيران، وذلك بهدف تعميق فهمنا للتفاعلات المعقدة بين “عوالم” السنة والشيعة، ولدراسة كيفية تعامل السلطات الدينية الإيرانية مع الهويات العرقية والقبلية والدينية واللغوية في إيران، وأخيرا دور علماء السنة في تحويل إيران الى العلمانية.

ناقش زاكري رايت وأسامة علوني “التأثير والجاذبية الدينية للأشخاص في الدوائر الجهادية الإسلامية.” وبدأ رايت بنقاش فضفاض حول الجدال الديني المتعلق بالقيادة والسلطة في علماء الدين من مدارس الفكر الإسلامي المختلفة. وقد ركز رايت على أهمية تفقد تطور العقيدة في دوائر السلفية الجهادية. وعقب ذلك، تحدث علوني عن التفاوتات في لب العقيدة لدى القيادات السلفية المرتبطة بالحركات عبر حدود الدول. وبناء على بحث نوعي تم القيام به في سورية عام 2013 بمقابلات مع عدد من القادة العسكريين للعديد من الحركات الجهادية المختلفة في سورية، قدم علوني تفاصيل عن هوية هؤلاء القادة الجهاديين، ومن أين يأتون، وما هي عقيدتهم، وكيف يرون أنفسهم وحياتهم في فترة ما بعد الحرب الأهلية في سورية. وأوضح علوني أنه بناء على بحثه الميداني فأنه يرى أنه بينما تظل القيادات الدينية تحظى بقدر من الأهمية، فهي لم تعد المحفز الوحيد للجمعات الجهادية المسلحة وحياتها بعد الحرب الاهلية في سورية.

وأشار كلا من رايت وعلوني إلى ضرورة تناول الفجوات في الأبحاث المتعلقة بالسلطات الدينية وشرعية داعش، وقضية الجاذبية الشخصية للقيادات والمصادر المختلفة للسلطات الدينية في الجمعات السلفية على نحو أوسع.

كذلك قدم كل من ليون غولدسميث وألبرت دي يونغ ومايكل ليزنبرغ دراسات حالة مكثفة عن المجتمعات الدينية الصغيرة والمختلفة في الشرق الأوسط. وقدم ليون غولدسميث رؤية عميقة حول موضوع القيادة الدينية للطائفة العلوية، والدولة، والسياسات في الشام”. 

وخلال مناقشاته، أشار غولدسميث إلى أنه ليس من الواضح في الوقت الراهن إذا ما كانت القيادة الدينية لاتزال تحظى بنفس القدر من الأهمية بالنسبة للعلوين السوريين، وما إذا كانت القيادات الدينية العلوية تظل مؤثرة. ويمكن القول إن عقودا من حكم حزب البعث قد نجحت في استهداف سلطة القيادات العلوية وتفكيكها وتقييدها وتحديد قدراتها على التأثير في صنع القرارات من أجل المجتمع ومن خلاله.

وفيما يتعلق بالفجوات الكبيرة في فهمنا ، أشار غولدسميث إلى محدودية العمل البحثي الموجود بشأن تعريف الهوية العلوية وما اذا كانت مساعي القيادات الدينية العلوية للتأثير على تشكيل الهوية العلوية وتطويرها. كذلك ناقش غولدسميث أيضا نشر الإعلان العلوي في أبريل من العام الحالي، والذي يمكن اعتباره نقطة تحول تاريخية حيث يسعى إلى نبذ الأفكار والمفاهيم السائدة سابقا بشأن عن الهوية العلوية. ومن بين الفجوات الأخرى في المادة البحثية المتاحة أشار غولدسميث إلى أن هذا المشروع يجب أن يحاول توفير المزيد من الدراسات على الموضوعات المقترحة التالية: القيادة الدينية العلوية في الشام (من، أين، وماذا، إلخ.)؛ أهمية القيادات الدينية العلوية ونفوذها على المجتمع؛ السلطة الدينية العلوية والتعاون مع الدولة في سورية وتركيا؛ التفتت أو الوحدة في أوقات الأزمات: الوضع الراهن للقيادات الدينية العلوية.

أدار ألبرت دي يونغ نقاشاً حول مجتمع لم يلق الكثير من الاهتمام في البحوث والدراسات في الشرق الأوسط، وهم المندائيون. وقد بدأ دي يونغ نقاشه بالحديث عن”طبقة رجال الدين التارميدا في العقيدة المندائية، والهوية المندائية، و السلطات الدينية في العراق وايران” وأشار الى وجود قدر قليل جدا من البحوث عن المندائين في الوقت الراهن، وأن ما هو متاح من بحوث تميل إلى كونها أعمالا تاريخية. ولذلك فهناك العديد من الفجوات والأسئلة التي تحتاج لتناولها. ومن بين موضوعات الدراسة التي يقترحها دي يونغ موضوعان بالتحديد يستحقان الاستكشاف ضمن هذا الموضوع: تلاشي التنوع الديني في الشرق الأوسط، و موت دين، أو كيف يمكن لديانة أن تموت؟ هل تموت حقاً أم أنها تتحول على شيء آخر؟ في كلا الموضوعين هناك العديد من المجتمعات التي تواجه مآزق مماثلة ويمكن تضمينها في النقاش، منها المندائين والزرادشتية واليزيدية.

اختتم مايكل ليزنبرغ أعمال مجموعة العمل بمناقشة حول “القيادات الدينية لديانات الشبك واليزيديين وعلاقاتهم بالدولة العراقية”. وبدأ ليزنبرغ حديثه بطرح سؤال عما إذا كان العراق حاليا دولة كاملة الصلاحيات. وخلال عرضه ركز ليزنبرغ على بعض المناطق المثيرة لأبحاث جديدة ينبغي القيام بها حول القيادات الدينية لطائفتي الشبك واليزيديين.

ومن بين ما أشار اليه أيضا ضرورة إجراء دراسات على موجات العنف المتصاعد الأخيرة التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط والتي كان لها تأثير على تلك المجتمعات، وخصوصا كيف ازدادت القلاقل لتشكل قيادات هذه الجماعات. فهل هناك في الواقع قيادات دينية متميزة لتلك الجماعات تتعامل مع الدولة ومع الجهات غير الرسمية في العراق.

عكست المناقشات أهمية دور القيادات الدينية في الشرق الأوسط من خلال تفاعلها مع كل من الدولة والعامة على حد سواء. كما أظهرت مدى القصور في الدراسات التي تغطي تلك القضايا الهامة، خصوصا على ضوء التطورات التي اجتاحت المنطقة بعد الانتفاضات العربية عام 2011. ومن خلال الموضوعات التي طرحت للنقاش أعلاه، تتناول هذه المبادرة البحثية قضية تزداد أهميتها ولكنها تظل دون القدر الكافي من البحث ضمن دراسات الشرق الأوسط.

المقال بقلم إسلام حسن، محلل باحث بمركز الدراسات الدولية والاقليمية