أليكسس أنتونيادس في محاضرة عن الاقتصاد العالمي المستقبلي
استئنافاً لسلسلة برامج الشؤون العامة السنوية بعد انتهاء العطلة الصيفية، بدأ مركز الدراسات الدولية والإقليمية العام الدراسي 2009-2010 بمحاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية ألقاها أليكسس أنتونيادس، أستاذ الاقتصاد في كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر. قدم الحوار الشهرية بعنوان “مستقبل الاقتصاد العالمي”، وذلك بتاريخ 8 سبتمبر 2009، وحضره سفراء وممثلو سفارات، والهيئة التدريسية في جامعة جورجتاون وكلية المدينة التعليمية، فضلاً عن المهتمين من العامة.
تحدث د. أنتونيادس ضمن ثلاثة مجالات مختلفة: فقد عرض للجمهور لمحة عامة عن الركود الاقتصادي الحالي وعلاقته بالأحداث الماضية، ثم انتقل إلى الآثار الناجمة عن الأزمات وتأثيرها الدولي، وأوجز أخيراً عدة استراتيجيات انتعاش قصيرة وطويلة الأجل للتغلب على الأزمة الحالية. مشيراً إلى أنه للتنبؤ بما قد يبدو عليه مستقبل الاقتصاد العالمي، فمن الضروري البدء بتحليل العوامل التي أنتجت الوضع الراهن. وأشار إلى أن الأزمة الاقتصادية العالمية التي بدأت عام 2008 لم تشبه أي ركود عالمي سابق، ولم تقع ضمن تصنيف أي نمط معتمد.
لخص أنتونيادس عواقب الركود العالمي على الولايات المتحدة، بالقول “لدينا بطالة مرتفعة للغاية الآن، ولعلها لن تنخفض في وقت قريب. ولدينا تجارة أقل، وإنتاج أقل، وإنفاق أقل على الاستهلاك، ومعدل ادخار عال. هذا ليس وضعاً نموذجياً شهدناه في حالات الركود السابقة”. كما عرض أنتونيادس مقارنات بين حالات ركود اقتصادي مختلفة في مراحل تاريخية وجغرافية مختلفة، بما في ذلك الكساد الاقتصادي الكبير في عشرينيات القرن المنصرم في الولايات المتحدة والركود في اليابان خلال التسعينيات.
انطلقت الشرارة الأولى لهذا التراجع الاقتصادي الحالي من سوق الإسكان في الولايات المتحدة. وقال أنتونيادس إن أزمة الرهن العقاري ناجمة عن عدد من العوامل، بدءاً من إدارة كلينتون في الولايات المتحدة ودفعها الجاد لخطة ملكية المنازل. تصرفت البنوك وفقاً لذلك، وأعطت القروض للمتقدمين بصرف النظر عن حالتهم شديدة الخطورة وعدم قدرتهم على احترام خطط الوفاء بالديون. تورطت البنوك وشركات الاستثمار والمؤسسات المالية الأخرى ذات الصلة، من خلال بيع ديونهم وزيادة نفوذهم، في عدد من الابتكارات والتلاعبات المالية بدلاً من رصد أنشطتهم المنتهية في سوق الإسكان. إن الزيادة المتزامنة في أسعار الفائدة، وأسعار المنازل، والقروض كانت مؤشرات تدل أن هذه الفقاعة العقارية لا بد أن تنفجر.
تتمثل النتيجة الخطيرة للأزمة المالية الحالية بزيادة معدل البطالة. يقول أنتونيادس تجدر الإشارة إلى أننا يجب ألا نقلق بشأن حجم البطالة وحسب، بل بالسرعة التي يتصاعد بها. ففي الولايات المتحدة حالياً، “تقدر البطالة بنسبة 9.7٪، ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة”. وأضاف أنتونيادس أن هذا الرقم في الواقع أقل من معدل البطالة لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار نسبة العمال المحبطين: وهم الأشخاص “الذين قرروا الخروج من القوى العاملة، للحصول على تقاعد مبكر أو الذين قرروا العودة إلى مقاعد الدراسة”. وإذا ما أضيف هذا إلى الحساب “سوف ترتفع النسبة إلى 11٪”. وبالنظر إلى حالتي الركود الماضيتين في الولايات المتحدة “نلاحظ أن البطالة لا تنخفض بعد انتهاء الركود؛ بل تستمر في الصعود، لذا فالأمور لا تبدو جيدة”. أشار أنتونيادس إلى مقياس آخر مثير للاهتمام، وهو “استغلال القدرات”، الذي يقيس مقدار استخدام الاقتصاد في أي بلد. وأشار إلى أن “الاقتصاد الأمريكي يعمل عند هذه النقطة بـ 67-68٪ من طاقته، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1962”.
[يظهر الرسم البياني مستويات البطالة في الولايات المتحدة] من المعروف عن المستهلكين الأمريكيين أنهم يتمتعون بالمرونة وبالإنفاق الكبير، لكن الركود قد كبح هذا الاتجاه. يقول أنتونيادس “سوف يصبح المستهلكون مدخرين، ما يعتبر أمراً جديداً بالنسبة للاقتصاد الأمريكي” وأشار إلى أن “هذه هي المرة الأولى التي يكون لدينا معدل ادخار إيجابي؛ فقد وصل إلى 7٪ في مايو، في حين كان متوقفاً سابقاً عند 0٪”.
للحصول على نمو مستدام وانتعاش مستدام، ثمة حاجة للحصول على ثقة المستهلك: يجب أن ينفق الناس بحيث يدور المال ويخلق نمواً في الاقتصاد. تحتاج الشركات والأعمال التجارية أيضاً للاستثمار في مساع جديدة لزيادة الإنتاج وتسهيل النمو. لكن ثمة حلقة مفقودة ضمن هذه الدائرة، لأنه لكي يحدث النمو، يحتاج المستهلكون والشركات للحصول على قروض من البنوك، وهو أمر من غير المرجح أن يحدث في ظل المناخ المقتصد الحالي.
أضاف أنتونيادس أن العديد من المحللين والاقتصاديين حددوا المبالغ المستردة، إما على شكل حرف V، وهذا يعني أن الاقتصاد يتراجع، لكن ثمة انتعاش سريع، وإما على شكل حرف U، ما يعني تراجع الاقتصاد، وأنه سوف يبقى متراجعاً لفترة من الوقت، ثم ينتعش؛ أو على شكل حرف L، وهذا يعني انخفاض الاقتصاد ومن ثم يستمر في خط أفقي، ما يجعل من الانتعاش عملية طويلة وشاقة. ورأي أنتونيادس أن الشكل L سيكون الأقرب لما سيشهده الاقتصاد العالمي الحالي في مرحلة انتعاشه.
وفقا لأنتونيادس، فإن الركود الاقتصادي العالمي الحالي سوف يؤدي إلى نتيجة تتمثل بإعادة هيكلة رئيسية وإعادة توازن للاقتصاد الأمريكي، لكنه لن يعود لحالته السابقة، وأشار إلى أن “هذا ليس أمراً سيئاً. “وعلى الرغم من أن ارتفاع معدلات البطالة أمر غير مرغوب فيه، فإن الإيجابي هو ارتفاع معدلات الادخار وانخفاض الديون. لهذه الأسباب، من المستحيل أن يكون الانتعاش الاقتصادي في الولايات المتحدة نتيجة للإنفاق المحلي على المدى القصير. يقول أنتونيادس “سوف يأتي الانتعاش من الخارج، خاصة من الدول الآسيوية والبلدان ذات الاقتصادات الكبيرة – مثل البرازيل وروسيا والهند والصين”، وسوف تعمل الصين، على وجه الخصوص، على تحفيز انتعاش الاقتصاد العالمي، لأنها سوف تتفوق على جميع الدول الأخرى في السنوات القادمة مما سوف يؤدي إلى نمو هائل. وفي الوقت الذي تنمو فيه الصين، سوف يبدأ المستهلكون بالإنفاق أكثر من الادخار. وسوف يؤدي هذا التغير في السلوك الاستهلاكي لدى الصينيين إلى زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية، لاسيما السلع المستوردة من الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة. بالتالي، فإن الاقتصادات المتقدمة ستكون قادرة على الخروج من الركود الطويل من خلال الانتعاش الذي ستقوده الصادرات.
على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت ولفترة طويلة رائدة على مستوى العالم في مجال الابتكار والتعليم والتكنولوجيا، فإن هذه البلدان النامية الأخرى وعلى المدى الطويل سوف تلحق بالركب في وقت قياسي. مع ذلك سوف يولد النمو السريع لهذه الاقتصادات النامية ضغوطاً هائلة على البيئة وعلى الموارد، الأمر الذي سيؤدي إلى التدهور والتلوث على المدى الطويل. اختتم أنتونيادس بجانب إيجابي للولايات المتحدة قائلاً “توجد فرصة هنا للاقتصادات المتقدمة”، لأنها لا تزال تمتلك القدرة التكنولوجية العالية مقارنة ببقية دول العالم. يمكن للولايات المتحدة بالتالي “الاستثمار في التكنولوجيا النظيفة والخضراء ومن ثم تصدير الخبرات ومنتجاتها إلى الصين ودول آسيوية أخرى”، ما يسهل الابتكار والحفاظ على مكانتها في الاقتصاد العالمي.
[يقارن الرسم البياني الدائري بين النمو في الولايات المتحدة والاقتصادات النامية] أليكسس أنتونيادس هو أستاذ مساعد زائر في كلية الشؤون الدولية في جامعة جورجتاون في قطر. حصل أنتونيادس على إجازة في الرياضيات والاقتصاد من جامعة ويسكونسن في ماديسون عام 2001 بمنحة فولبرايت، وعلى درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة كولومبيا عام 2008. وعمل في الفترة الواقعة ما بين 2001-2002، كمساعد في مجال الاقتصاد في البنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك حيث شارك في تأليف وثيقتين حول التنبؤ بالتضخم وتطوير مؤشر للنشاط في قطاع التكنولوجيا. ويقوم البنك بنشر دلالات هذا المؤشر التكنولوجي شهرياً..تركز أبحاث أنتونيادس الحالية على قضايا التضخم، وآثار الاتحادات النقدية وأسعار الصرف. وقد حصل على منحة الصندوق القطري للبحث العلمي لمدة ثلاث سنوات لإجراء أول دراسة مصغرة على اقتصادات دول الخليج. يعمل أنتونيادس أيضاً كاستشاري لجهاز الإحصاء القطري لتنسيق تدابير التضخم في أنحاء دول مجلس التعاون، ويتعاون مع مصرف قطر المركزي بشأن قضايا السياسات النقدية. ويدرس الأستاذ أنتونيادس في مجالات التمويل الدولي والتجارة الدولية والنقود والمصارف في جامعة جورجتاون في قطر.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.