آفاق الانتقال الديمقراطي السلمي في السودان
تلقى عبد الوهاب الأفندي، عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية وأستاذ السياسة في معهد الدوحة للدراسات العليا، دعوةً من مركز الدراسات الدولية والإقليمية لمناقشة الانتفاضات الجارية في السودان وإلقاء محاضرة في 6 فبراير 2019 حول “آفاق الانتقال الديمقراطي السلمي في السودان”. لبّى الأفندي الدعوة وقدّم معلومات أساسية عن المشكلة الجارية، موضحًا أن عمر البشير ظلّ رئيسًا للسودان على مدى ثلاثة عقود منذ أن وصل إلى السلطة إثر انقلاب عسكري في عام 1989. ويعُدّ كثير من الناس البشير قائدًا مستبدًا، وتتهمه المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.
وألمح الأفندي إلى أن الانتفاضات التي عمّت البلاد في الآونة الأخيرة كانت الأكثر استمرارًا في تاريخها، إذ ظلّت مستمرة منذ 19 ديسمبر 2018. وقال مجادلاً: “لم يسبق أن حظي احتجاجٌ في الماضي بهذا القدر من الدعم الشعبي الواسع النطاق. فيكاد يخلو السودان من بلدة لا تدعم هذا الاحتجاج، كما تدعمه معظم فئات الناس، بل حتى معظم الطبقات على اختلاف أطيافها —من الإسلاميين إلى اليساريين، وذاك أمر غير مسبوق. لقد أضحت التجمعات الكبيرة، وحتى حفلات الزفاف، مواقع للمظاهرات المناهضة للحكومة. في الثورات السودانية السابقة، كانت الأنظمة الحاكمة تسقط في أقل من أسبوعين بعد بدء الاحتجاجات، ومرجع ذلك إلى حد كبير إلى أن “الجيش – أو أجزاء منه – تقف إلى جانب الشعب فيُضطر النظام إلى الرحيل. لكن هذا الأمر لم يحدث” في الصراع الدائر حاليًا. ورغم أن شرعية الحكومة آخذة في التناقص على مر السنين، فإن الجيش ما فتئ يدعمها ولم يُبدِ معارضةً لها.
“لم يسبق أن حظي احتجاجٌ في الماضي بهذا القدر من الدعم الشعبي الواسع النطاق. فيكاد يخلو السودان من بلدة لا تدعم هذا الاحتجاج، كما تدعمه معظم فئات الناس، بل حتى معظم الطبقات على اختلاف أطيافها —من الإسلاميين إلى اليساريين.”
وبيّن الأفندي أن شرارة الانتفاضة الحالية التي تعمّ البلاد أطلقها الغضبُ التلقائي عندما “ذهب الناس إلى مخابزهم ذات صباح فألفوا أسعار الخبز قد تضاعفت ثلاث مرات” في عطبرة، وهي مدينة يسكنها العمال ولها تاريخ طويل من النقابات العمالية ساهم في تعبئة المحتجين. وانتشرت الاحتجاجات بسرعة إلى الدامر المجاورة، عاصمة الإقليم، وبربر المجاورة. ووصلت العاصمة الخرطوم خلال أربع وعشرين ساعة. ولئن كان الانتشار السريع للاحتجاجات مفاجئًا، إلا أنه كان متوقعًا في ظل المناخ الاقتصادي السريع التدهور في السودان.
وحاول البشير، على إثر انتفاضة صغرى وقعت في سبتمبر 2013، أن يسترضي الناس بعقد ما سُمّي “الحوارات الوطنية” التي علّق الناس عليها آمالاً كبيرة في الإصلاح الجاد، على حد قول الأفندي. لكن “نتائج المفاوضات لم ترقَ إلى مستوى التوقعات”. وبالأساس، لم يحدث شيء وظلّ الغضب والإحباط يتراكمان. وفي الواقع، يقول الأفندي، كانت الثورة تتشكل في السودان منذ أمد بعيد، وكان من المتوقع أن تندلع قبل سنوات من الانتفاضات العربية عام 2011، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تقسيم البلاد المثير للجدل إلى دولتين منفصلتين، ما شكّل خسارة فادحة للكثيرين في الشمال. وقال: “كان الناس يتوقعون أن تقسيم البلد سيكون بمثابة شرارة للانتفاضة لأن الناس لن يقبلوا بتقسيم البلد على هذا النحو وسيلقون باللائمة على الحكومة”.
وقال: “عندما كان النظام يسقط في الثورات السودانية السابقة، كانت تشكّل حكومة انتقالية تضم تحالفًا من الأحزاب السياسية والنقابات والمنظمات المهنية، وتُنظّم انتخابات جديدة. “أما الآن فالثوار يقولون لا”. لم يعد المتظاهرون مهتمين بأي شكل من أشكال الانتقال بالتراضي. وقال الأفندي إن الناس بلغ بهم الإحباط من النظام الحالي أنهم يطالبون بتفكيك هيكل الحكومة بالكامل. الثوار راديكاليون للغاية في مطالبهم، يقولون لا نريد أي مفاوضات مع هذه الحكومة، ولا نريد أي محادثات معها”. وبالتالي فإن البشير وإدارته في وضع دفاعي ويقومون بتعبئة الموارد لإعادة تأكيد السيطرة. وقال الأفندي: “في الوقت الحالي، نحن أمام طريق مسدود، ويبدو أن الاحتجاجات تتصاعد وتتواصل، ولكن يبدو أن الحكومة قادرة على الصمود”.
وفي الختام، اقترح الأفندي ثلاثة حلول محتملة للنزاع: 1) قد يرفض الجيش خدمة الحكومة، على غرار ما حدث في تونس ومصر خلال الانتفاضات العربية؛ 2) قد تصعّد الحكومة العنف وتشرع في قتل المدنيين لردع الاحتجاجات؛ 3) قد تُبذَل جهود وساطة من خلال المجتمع الدولي، من خلال الاتحاد الأفريقي، مثلاً. وقال إن رئيس الاتحاد الأفريقي السابق ثابو مبيكي كان قد تدخل في السودان في الماضي، وتوسط في مواقف مثل الصراع في دارفور في عام 2008، والصراع بين السودان وجنوب السودان. لكن الحكومة السودانية، كما يبدو، تعتقد أن لا حاجة بها إلى مساعدة دولية أو خارجية. وأخيرًا، وصف الأفندي الوضع بأنه “نوع من السيناريو السوري، حيث يحتفظ النظام بموقفه الخاص، لكن الاحتجاجات ستزداد، وستصبح على الأرجح عنيفة”.
مقال بقلم الخنساء ماريا، زميلة منشورات كيورا.
عبد الوهاب الأفندي عميد كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية وأستاذ السياسة في معهد الدوحة للدراسات العليا. شغل سابقًا منصب رئيس برنامج السياسة والعلاقات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا ومنسق برنامج الديمقراطية والإسلام بجامعة وستمنستر. كما عمل دبلوماسيًا في وزارة الخارجية السودانية ومحررًا أو مديرًا للتحرير في العديد من المنشورات. كان زميلًا/أستاذًا زائرًا في معهد كريستيان ميشيلسن في النرويج وجامعة نورث ويسترن وجامعة أكسفورد وجامعة كامبريدج والمعهد الدولي للفكر والحضارة الإسلامية في ماليزيا. وهو مؤلف كتاب “كوابيس الإبادة: سرديات الخوف ومنطق العنف الشامل” (2015).