ورشة عمل إيان ألموند حول أبحاث أعضاء هيئة التدريس
ترأس إيان ألموند، أستاذ الأدب العالمي في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون قطر، ورشة عمل بحثية لأعضاء هيئة التدريس في مركز البحوث الدولية والإقليمية يوم 16 نوفمبر 2014، ناقش خلالها آخر أعماله التي تناولت الأفكار المتعلقة بالكآبة، والتوجهات السياسية المحافظة، والإخبار المحلي. يتناول البحث شخصية “نيراد تشودري”، المفكر الهندي الذي عاش في القرن العشرين، ويبحث في مجمل أعماله من المنظورات المتغيرة لعدد من الموضوعات المختلفة – وذلك سعياً لفهم كيف أمكن لمثقف هندي مثل تشودري من الدفاع بذلك الحماس عن إرث الإمبراطورية البريطانية، بل وازدراء ثقافة وذهنية مواطنيه الهنود. كما سحب ألموند هذه المسألة على مثقفين مخبرين معاصرين، مثل فريد زكريا، وفؤاد عجمي، وإنريكه كراوس.
كان كتاب ألموند في البداية مجرد دراسة بسيطة عن الكاتب الهندي نيراد تشودري (1897-1999)، ولكن سرعان ما تطور على مدى السنوات الاربع التي تولى فيها تأليفه، إلى مشروع مختلف تماماً: دراسة حول كيفية تكوّنِ المثقفين المحافظين المؤيدين للغرب في بيئات ما بعد الاستعمار. وما بدأه المؤلف كمجرد كتاب آخر عن كاتب بنغالي ممالئ للانجليز سيئ السمعة، تحول إلى بحث أخذ يكشف فيه عن آثار نموذج كامل من “المخبر المحلي” من زاوية أربع مقاربات مختلفة- الإسلام، الأرشيف، الكآبة، الإمبراطورية- وهو لم يَدخل بهذا إلى قلب تعقيدات منظومة تشودري الفكرية فحسب، بل طوّر أيضاً نظرة ثاقبة حول إدماج الأيديولوجيا وإعادة إنتاجها. يحاول كل فصل في الكتاب توضيح السياق الهندي من البحث- ما الذي كان أقران تشودري في التقاليد البنغالية والهندية الأوسع ليقولونه عن المسلمين أو عن الكآبة أو عن المكتبات- لكنه يطرح ذلك أيضا ببُعدٍ مقارن قوي. ففي أحد الفصول، على سبيل المثال، يتناول الكتاب عام 1947 في ثلاث مدن مختلفة -كلكوتا، مكسيكو سيتي واسطنبول- ويدرس ثلاثة نصوص حول الكآبة كتبت في تلك المدن ذلك العام (السيرة الذاتية لهندي غير معروف، إل لابيرنتو دي لا سوليداد والرواية التركية هوزور).
يحاول ألموند إظهار وجهات نظر تشودري حول الإسلام- ثقافاته، وأتباعه والإيمان به- ويكشف عن وجود خليط من الأصوات المختلفة لدى تشودري، ينتمي كل منها إلى قاموس مختلف، ويستند إلى كوكبة مختلفة من المعتقدات. ونتيجة لذلك، ألقى المؤلف نظرة على كيفية استخدام تشودري أرشيف المكتبات وصالات العرض والمتاحف، مما يلقى الضوء ليس فقط على أصل بعض هذه المفردات، بل ينير أيضاً عملية الاغتراب الذاتي التي أبرزتها قراءاته الواسعة النطاق. كانت تلك عملية صدّعت وقوضت فكرة شودري عن “الهندية” وأبعدتها من مركز شخصيته وفتحت أمامه ما وصل اليه من سجلات أجنبية واسعة. ومن بين العواقب العديدة لهذا التطور الفكري البديل كان الازدراء المتزايد لثقافة بلاده، والتعاطف المتزايد مع وجهة نظر الإمبراطورية التي حكمتها. في الفصل قبل الأخير من كتاب الدكتور ألموند، تظهر الكآبة التي نشأت عن هذا الوضع والمؤلفة من عدد من العناصر المختلفة، ليس فقط كمجرد حالة لا مفر منها من الحزن تصاحب كل عمليات الاغتراب، بل أيضا حالة الشعور بالخسارة الناجمة عن انسحاب الكيان الإمبراطوري الذي احتل مكاناً ميتافيزيقياً مركزياً في حياته. في الفصل الأخير، ينظر المؤلف إلى علاقة تشودري بالإمبراطورية في سياق مماثل لحالة مثقفين من مناطق مختلفة جداً: المثقف اليميني المكسيكي إنريكه كراوس، والصحفي العربي فؤاد عجمي، والكاتب الهندي فريد زكريا الذي تلقى تعليمه في الولايات المتحدة.
قدِم المشاركون الذين جاءوا للتحدث عن كتاب ألموند من جامعات تقع في مناطق مختلفة من العالم. تحدث محمود مؤتمن عن العلاقة بين الإمبراطورية والأدب، والطريقة التي استخدمها الإمبرياليون لتعزيز المشاعر الإمبريالية في الإبداع الأدبي (سواء بطرق ايجابية أو سلبية). ورأت كاثلين هويت- سميث تشودري كشخص بدا وكأنه يسعى للحصول على شكل من أشكال المعرفة المقننة في الإمبراطورية، وقارنت بين حب تشودري للمكتبة واهتمام الروائي التركي أورهان باموك بالمحفوظات الأرشيفية. وتحدث طارق محمود عن الحاجة إلى سياق تاريخي أوسع في فهم شخصيات مثل تشودري، في حين تحدث سيبل إرزيق عن التمييز الفرويدي بين الكآبة والحداد، وسأل لماذا كانت بعض الخسائر بالنسبة لتشودري أكثر مدعاة للكآبة من غيرها. وقال: “لقد فقد تشودري إمبراطورية لم تكن له أبداً”. أما شيتال ماجيثيا فقد ألمحت بإيجاز إلى الطريقة التي استخدمها الأدب العالمي من أجل الترويج لمحاولات الحد من دراسات ما بعد الاستعمار، وتحدثت عن طرائق تشودري على أنها يمكن أن تكون مفيدة للمدارس التي تتبنى تحليلات معينة مثل النظرية المسماة نظرية التأثير.
حصل إيان ألموند على الدكتوراة في الأدب الإنجلزي من جامعة إدنبره عام 2000. وقد ألف أربعة كتب كان آخرها إيمانان وراية واحدة (منشورات جامعة هارفرد، 2009)، و تاريخ الإسلام في الفكر الألماني (روتلج، 2010). وله أكثر من أربعين مقالة منشورة في مجلات مختلفة منها مطبوعة مؤسسة اللغة الحديثة، الفلسفة الراديكالية، تاريخ الأدب الإنجليزي، تاريخ المكتبة الحديثة. وقد تخصص في الأدب العالمي المقارن مع التركيز على الأدب في بلدان تنتمي لثلاث قارات: الأدب المكسيكي والبنغالي والتركي والكوري والصربي- الكرواتي والفارسي والإندونيسي. ويعمل حالياً على تاريخ الإسلام في أمريكا اللاتينية.