ديناميات الأمن المتغيرة في الخليج
عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية اجتماعه الأول لفريق العمل الخاص بالمبادرة البحثية الموسومة بـ “ديناميات الأمن المتغيرة في الخليج” بتاريخ 25- 26 نوفمبر 2014. فقد التقى عدد من الأكاديميين من تخصصات مختلفة في اجتماعهم الأول المخصص لمناقشة تطور الديناميات الأمنية المحلية والإقليمية، وتحديد الفجوات البحثية التي ينبغي ملؤها. وقد لفت الفريق الانتباه إلى التعاريف المختلفة السائدة للأمن، بما في ذلك الأمن العسكري وأمن النظام والأمن البشري. كما ناقش المجتمعون ترتيبات الأمن المتخذة في الخليج، وكيف يمكن للعلاقات الإقليمية أن تشكل تهديداً للمصالح الوطنية لكل من دول المنطقة.
ركز المشاركون في افتتاح المناقشة على مفهوم النظرية الأمنية. فالمقاربة الكلاسيكية للأمن تركز على خصائص التهديدات القابلة للقياس مثل القدرات العسكرية. أما النظرية الأمنية فتتفحص كيف يمكن لقضايا معينة أن تتحول إلى موضوع قلق أمني للدولة أو للفاعلين السياسيين وغيرهم من أصحاب المصلحة.
يعتمد أمن الدولة عادةً على استقرار النظام والقوة العسكرية والموارد. لذلك تعدّ آليات المراقبة المعتمدة من الدولة ضمانات فعالة لترسيخ شرعية الأنظمة واستقرارها في الحكم. ففي بلدان مثل البحرين هناك أبعاد طائفية لأمن النظام. أما الأشكال الأخرى من التهديد، والتي تحدِّد القلق السياسي والبشري والبيئي، فهي كلها عوامل يمكن أن تسهم في شعور السكان بـ”الحرمان النسبي”. وفي الآونة الأخيرة تفاقم الأمن البشري في الخليج بفعل تدخل جهات فاعلة غير حكومية مثل “داعش”.
وناقش فريق العمل أيضاً “العنصر الشخصي” للحكام في الإقليم. ففي دول الخليج لا توجد في الغالب فروق بين أنماط التهديدات التي ينظر إليها على أنها تطال الأمن الشخصي للحكام وتلك التي تؤثر على أمن الدولة ككل. وقد طُرحت أسئلة متعلقة بالآفاق الأمنية الجوهرية على مستوى الخليج، ولاسيما حيث تتكاثر المؤسسات الهشة. وفي معظم الأحيان، تؤدي اختلالات التركيبة السكانية في دول الخليج إلى توافق عام في الآراء بين المواطنين لقبول تعريفات الأنظمة بشأن ما الذي يشكل تهديداً أمنياً للدولة.
كما ناقش المشاركون ضعف الترتيبات الأمنية الجماعية لدول مجلس التعاون. فخلال اجتياح العراق للكويت عام 1990 لم تتحرك دول المجلس لأسابيع عديدة، ولم تستطع أن تقدم رداً صلباً موحداً. وقد أدى ذلك إلى هروب العائلة الحاكمة في الكويت إلى العربية السعودية إلى أن أعيدت إلى السلطة. إن القواسم المشتركة في المخاوف الأمنية بين الأنظمة الخليجية تعزز المصالح الأمنية المشتركة المهيمنة في هذه المنطقة، كما تعزز الأهميةَ المؤسسية لمجلس التعاون في تسليط الضوء على تلك المخاوف. وقد فكر المجلس في توسيع عضويته بتوجيه دعوات إلى كل من الأردن والمغرب عندما شعرت دولُه أنها بالكاد قد نجت من تصاعد ثورات تهدد استقرارها. وكانت الدعوات نوعاً من التزام بعض دول الخليج تجاه الأنظمة الملكية في المنطقة. ومع ذلك، شكك المشاركون بالغرض من هذا الترتيب للأمن الجماعي، آخذين بالاعتبار تاريخ المجلس في التعاون خلال أوقات الأزمات وميل دوله لترجيح أولويات المصلحة الوطنية عندما تتبدد التهديدات الخارجية.
وبالإضافة إلى المواضيع الواسعة النطاق تعرضت المناقشات أيضاً لعدد من الحالات المحددة، بما في ذلك حالات كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين وإيران. في حالة دولة الإمارات، التي شهدت تغييرات كبيرة في سياستها الخارجية منذ وفاة الشيخ زايد آل نهيان، صار خطر المتشددين الإسلاميين يعدّ التهديد الأكبر لأمن النظام والدولة. ففي مارس 2013 وقعت مجموعة من النشطاء وأعضاء المجتمع الإماراتي على عريضة تحث النظام على التحول إلى مجتمع أكثر ديمقراطية، داعية لانتخاب جميع أعضاء المجلس الوطني الاتحادي ومنح الصلاحيات التشريعية والرقابية لهذه الهيئة. وقد أدانت المحكمة نحو 64 من أصل 94 من النشطاء المذكورين بتهمة التعاطف الأيديولوجي مع الإخوان المسلمين. واليوم تبذل دولة الإمارات العربية المتحدة جهداً واسع النطاق للانخراط في الشؤون السياسية لشمال أفريقيا، وشجعها على ذلك جزئياً الدعمُ المصري. لقد بذلت كل من قطر والإمارات جهداً كبيراً في شمال أفريقيا في محاولة لتطوير أدوارهما الجيوستراتيجية في المنطقة. ويعدّ شمال أفريقيا ذا أهمية قصوى من منظور أمني لمنطقة الخليج، إذ أنه بمثابة بوابة إلى أوروبا، الأمر الذي صعّد من المنافسة بين دول الخليج فيما يخص العلاقات الإقليمية.
وفي البحرين، جعل غيابُ المؤسسات السياسية من الصعب التبصرَ في وجهات النظر السياسية للسكان البحرينيين وكيف يرون التهديدات الأمنية. وقد تعمّدت دولُ مجلس التعاون هيكلةَ الصراع السياسي وتحديد ما يشكل خطراً على الدولة، وغالباً ما استخدمت المشاعر الطائفية لهذا الغرض. خلال مظاهرات 14 فبراير كانت جهود التعبئة السنية التي ترعاها الدولة رد فعل على التمرد الذي نظمته الأغلبية الشيعية في البحرين. وبعد ذلك بشهر واحد، تم إرسال أكثر من خمسة آلاف جندي من دول الخليج المجاورة في محاولة لاحتواء الانتفاضات ومحاصرتها. واستلهمت المنطقة الشرقية في المملكة العربية السعودية الانتفاضات التي شهدتها البحرين، حيث تظاهر سكان محافظة القطيف، الذين تبلغ نسبة الشيعة بينهم نحو 95 بالمئة، تضامناً مع البحرين عندما وصلت القوات السعودية إليها.
ناقش أعضاء فريق العمل أيضاً كيف أظهرت بعض دول الخليج، كالسعودية والبحرين، نقاط ضعف أكبر في المساومات الريعية مع مواطنيها. فمنذ عام 2011 نشّطت أكثريةُ دول الخليج طابعَها الريعي بزيادة الأجور وعرض الوظائف في سوق العمل، في محاولة لتثبيط احتمالات خوض المواطنين في مسألة شرعية الأنظمة الحاكمة. ورأى الباحثون أن دول الخليج ليست كلها متشابهة، فالإنفاق الريعي في بعض تلك الدول يشكل تحدياً لقدرة الدولة على الاستمرار في ذلك الإنفاق لمدة طويلة. وقد واجهت الدول الخليجية الأقل شفافية، والتي تضم نسبة أكبر من المواطنين كالمملكة العربية السعودية، تصدعات جدية فيما يتعلق بالأعباء الريعية، إذ يعيش نحو 70% من السعوديين في مساكن مستأجرة نتيجة لعدم قدرة الدولة على تقديم المساكن لجميع مواطنيها. كما أضاف اختلالُ التركيبة السكانية المتعاظم في دول الخليج مزيداً من التعقيد على علاقة السكان المحليين بسوق العمل، مكثفاً بذلك، في غالب الأحيان، التوترات بين المواطنين والوافدين، الأمر الذي يخلق إشكالية للأنظمة الحاكمة التي تعتبر المساومات الريعية أساس شرعيتها.
كان التفسير الأكثر شيوعاً لنجاح الأمن الداخلي واستمرارية النخب الحاكمة في دول الخليج وجودَ مصادر الطاقة الهيدروكربونية التي تحمل قيمةً جيوستراتيجية للغرب وحماية لدول الخليج. وقد استندت إدارة الأمن الداخلي بوجه عام إلى استراتيجية احتواء الجماهير وقمعها معاً. وكان بالإمكان مشاهدة مثل هذه التكتيكات في البحرين خلال انتفاضات عام 2011، حيث قُتل ستون شخصاً واعتُقل العديد من النشطاء السياسيين واحتجزوا لفترات غير محددة من الزمن. وفي حالة المملكة العربية السعودية، أدت سياسة الاحتواء إلى خلق مئات من فرص العمل في محاولة لتصحيح الوضع الاقتصادي في البلاد. وقد ناقش أعضاء فريق العمل أيضا الروابط بين الدين والتقاليد والنفط، مؤكدين أن الدول الخليجية غالباً ما تشجع الهويات الوطنية التي تتلاءم مع المصالح الأمنية المحلية.
عندما حصلت دول الخليج على استقلالها في عام 1971، كان من الواضح أن هوية الخليج “الوطنية” لم تستند إلى مبادئ تقرير المصير أو التاريخ الجماعي. ويرجع ذلك إلى حقيقة أن الإمارات المتصالحة، التي كانت تحت الحماية الاقتصادية والسياسية البريطانية، لم تشهد تغييراً بطبيعتها أو بفعل العملية الاستعمارية. في ذلك الوقت، كانت معظم الدول الساحلية في الخليج تتألف من قبائل إما بدوية أو بحرية. وبين هذه القبائل كانت هناك أعداد غفيرة من الإيرانيين والهنود الذين شكلوا جزءاً من طبقات المركنتيلية التجارية. في مراحل أحدث، ومع إنشاء الدولة- المدينة في المنطقة، كان هناك رفض نشط للهويات الخارجية غير الأصيلة. كما بذلت أنظمة الخليج جهداً واعياً لخلق هوية وطنية تقوم على التراث القبلي والديني من أجل فرض شرعيتها الداخلية. وطرح المناقشون مسألةَ ما إذا كان إنشاء الهويات الوطنية يمكن أن يؤدي إلى “مجتمعات متخيلة”. وتحديداً فكرة أن دول الخليج عملت على تمتين الروابط الوطنية والقبلية كوسيلة لبناء تضامن قائم على المشاعر الوطنية والطائفية.
كتبت المقال هيا النعيمي، محلل البحوث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية