المواطنة، والطبقة، وانعدام المساواة في الشرق الأوسط
استضاف مركز الدراسات الدولية والإقليمية، يومي 6 و7 مايو 2018، مجموعة عمل حول “المواطنة، والطبقة، وانعدام المساواة في الشرق الأوسط”. واجتمع الباحثون على مدى يومين لمناقشة ونقد مسودات مقالاتهم التي شملت طائفة واسعة من المواضيع، منها المواطنة السلبية والفاعلة في الشرق الأوسط؛ والنهج الأمني في التعامل مع المواطنة والطائفية في الخليج؛ والمشاركة السياسية في دساتير ما بعد عام 2011؛ والعرق والانتماء العرقي والمواطنة في السودان وجنوب السودان؛ والشتات الإيراني والجنسية المزدوجة؛ والجنسية الفلسطينية وانعدام الجنسية؛ والجنسية وبدو سيناء؛ وإنشاء الهوية الوطنية وبضائع متحف قطر.
استهلّ رويل ماير النقاش في مجموعة العمل بمقاله حول موضوع “المواطنة السلبية والفاعلة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في التاريخ الحديث”. ويحلل ماير في ورقته العوامل التي حددت الطابع الفاعل والسلبي للمواطنة في تاريخ الشرق الأوسط. ويركّز المقال على دور الدولة، وكيف برزت الدولة الحديثة وأثّرت في طبيعة المواطنة في الشرق الأوسط. ويجادل ماير بأن الدولة أدت إلى ظهور المواطنة السلبية حيث نظرت الدولة للمواطن باعتباره أداة تحليل وفئة من فئات السيطرة وموضوعًا للسياسات. وهذا يعني، بعبارة أخرى، أن المواطن إنما يُخلق لدفع الضرائب، والخدمة في الجيش، ونشر التعليم العام، وإظهار الولاء للدولة. ويخلص المقال إلى أنه كلما زاد تأثير الدولة في الشعب في شكل التزامات، زادت فرص مطالبة المواطنين بالحقوق أيضًا، وذلك لأن الحداثة تتطلب تفاعلاً أكبر بين الرعايا والدولة.
وحوّل جيمس ساتر النقاش داخل مجموعة العمل إلى “النهج الأمني في التعامل مع المواطنة والطائفية في دول مجلس التعاون الخليجي”. ويربط ساتر في مقالته بين الطائفية والسعي للحصول على الجنسية في الخليج، مركِّزًا على أربعٍ من دول مجلس التعاون الخليجي، هي المملكة العربية السعودية، والبحرين، والكويت، والإمارات العربية المتحدة. ويبيّن المؤلّف كيف ومتى أصبحت المواطنة القائمة على الطائفة ميزةً سائدة في العلاقات بين الدولة والمجتمع في بعض هذه البلدان دون غيرها. وتستند الورقة إلى مفاهيم نطاق المواطنة ومحتواها وعمقها، وتحلّل حالة السكان غير المواطنين وتأثيرهم في تطوّر المواطنة. ويفحص ساتر أيضًا عملية أمننة المواطنة التي أضحت من خلالها طلبات المواطَنة القائمة على الطائفية تتسم بالاستقطاب ومن خلالها برزت فئةُ غير المواطنين وترسخت. ويؤكد ساتر أن عملية الأمننة ترتبط ارتباطًا وثيقًا بقوة الأنظمة، فإما أن تتيح لهم سلوك النهج الأمني واجتناب أي مطالب بالتحرير أو تجعلهم في حالة توازن مع حركات المعارضة التي تسمح بتحرير نظُم المواطنة لتصبح أكثر شمولية.
وقدّمت إليزابيث وانوشا مقال جيانلوكا بارولين حول موضوع “هوس الجنسية وحجاب المواطنة: المشاركة السياسية في دساتير ما بعد عام 2011.” ويؤطر بارولين الزيادة في الأحكام المتعلقة بالجنسية والمواطنة في النصوص الدستورية لدول غرب آسيا وشمال أفريقيا بعد عام 2011 في ضوء إنفاذ هذه الأحكام في السنوات الأخيرة. ويجادل بأن الأحكام المتعلقة بلوائح الجنسية والأحكام المتعلقة باشتراط الجنسية الواحدة لشغل مناصب عامة تبدو متسقةً مع الاتجاه الليبرالي المشاهَد على الصعيد العالمي. لكن الأحكام المشار إليها آنفًا تتناقض مع الممارسات التنفيذية وتصميم الحكم ذاته، وبالمقابل تمت الاستفادة بشدة من الأحكام التي تشدّد على المواطنة باعتبارها نمط النظام السياسي. وفي ضوء ذلك، يجادل بارولين بأن دساتير ما بعد عام 2011 صُمّمت لكي تعمل “ضد” الثورات. ويفحص بارولين هذه الظاهرة بتحليل عملية وضع الدساتير في كل من مصر والبحرين والمغرب وتونس، وكيف استولت بعض النخب السياسية على هذه العمليات في سياقات مختلفة.
وعمّق أمير إدريس النقاش من خلال تقديم مقاله عن “العرق والانتماء العرقي والمواطنة في السودان وجنوب السودان”. ويجادل إدريس في ورقته بأن أزمات المواطنة في السودان وجنوب السودان مرتبطة بالعمليات التاريخية والسياسية التي أنشأت أفكارًا وروايات حول الهويات العرقية والإثنية قبل انفصال جنوب السودان عن السودان. ويطرح إدريس مشكلة إثبات الهويات العرقية والإثنية دون الوطنية من خلال دراسة العمليات التاريخية التي ينطوي عليها صنع تلك الهويات. ويجادل بأن العرق والانتماء العرقي كان لهما دور مركزي في المشاريع الاستعمارية والقومية وما بعد الاستعمارية المتمثلة في اختراع “الشمال” و”الجنوب” كيانين يكتفي كلٌّ منهما عن الآخر، وأن تسييس العرق والانتماء العرقي بعد الاستقلال كان إلى حد كبير نتاجًا “لاستشراق” الاختلافات الثقافية من خلال القواعد الإدارية الاستعمارية وسياسات ما بعد الاستعمار.
وقدّمت إيمي مالك مقالها حول موضوع “المواطنين المزدوجي الجنسية: قيود الجنسية المزدوجة في الشتات الإيراني”. وتقدّم مالك في مقالها ثلاثة مجالات رئيسية يشعر فيها المواطنون الإيرانيون ذوو الجنسية المزدوجة في الشتات بقيود تعدّد الجنسيات، وذلك على الرغم من الاتجاهات العالمية المتنامية نحو أشكال غير حصرية من الجنسية. وهذه المجالات هي: التخلي عن الجنسية، والنهج الأمني، وقاعدة حق الدم. وتجادل بأن حالة الرعايا الإيرانيين المزدوجي الجنسية تشير إلى أنهم لم يتمتعوا بالحقوق الكاملة على قدم المساواة مع أخوتهم المواطنين. كما تبيّن كيف أن هؤلاء الأفراد مستهدفون أيضًا في بلدان المواطنة وخارجها بطرق تكشف عن قيود الجغرافيا السياسية وقدرة الدول على الحد من أشكال المواطنة المرنة والاستراتيجية والتعويضية.
وحوّل فاتح عزّام النقاش نحو موضوع “نظرة عامة على (انعدام)الجنسية الفلسطينية”. ويجادل عزام بأن فهم الفلسطينيين لجنسيتهم يرتبط جغرافيًا وتاريخيًا بفلسطين في عهد الانتداب، وكان شاملاً وغير طائفي إلى حد كبير على الرغم من إنشاء إسرائيل ومحاولات العثمانيين والبريطانيين تقسيم السكان إلى مجتمعات دينية. ومع ذلك، لم يتمكن الفلسطينيون أبدًا من اتخاذ قرار بشأن جنسيتهم الخاصة وتأسيسها والتمتع بها. ومن الناحية التاريخية، فُرضت عليهم أوضاع قانونية متنوعة من قِبل الإمبراطورية العثمانية، والمجتمع الدولي، والانتداب البريطاني الفظيع، والنكبة، ونزع الملكية عام 1948، والاعتراضات الإسرائيلية والأردنية، وقرارات الدول العربية الأخرى. وهناك خمسة أوضاع قانونية متداخلة تحدد حياة الفلسطينيين، مع ما يصاحب ذلك من مستويات من الحقوق، بحسب المكان الذي يعيشون فيه: عديمو الجنسية، واللاجئون، والمواطنون، والمقيمون الدائمون، والأقليات. ويختتم فاتح حديثه بالقول إن اعتراف الأمم المتحدة وأغلبية الدول أخيرًا بدولة فلسطين فتح آفاقًا جديدة لم تُستثمر حتى الآن لأسباب سياسية وقانونية شتى.
وقدّم إسلام حسن مقال مهند صبري عن “الاقتصاد غير الرسمي والجنسية غير الرسمية في المناطق الحدودية: حالة بدو سيناء”. ويجادل صبري بأن سكان شبه جزيرة سيناء الأصليين تحولوا، منذ إعلان الضباط الأحرار عن قيام جمهورية مصر العربية في عام 1952، تدريجيًا من بدو فخورين إلى مهمّشين عديمي الجنسية في مصر. ويزعم أن الجيش قدّم بدو سيناء في صورة خونة لتسويغ الهزيمة العسكرية غير المبررة في حرب الأيام الستة رغم الدور الهام الذي اضطلع به بدو سيناء خلال حرب عام 1967 والاحتلال الإسرائيلي لسيناء. كما أكد أن إنشاء مراكز الشرطة والمحاكم والدوائر الحكومية في شبه جزيرة سيناء في عام 1982 لم يفلح في دمج المجتمعات المحلية والمؤسسات غير الرسمية القائمة، الأمر الذي ساهم في سوء العلاقات بين بدو سيناء والدولة. وهناك فصل آخر من قصة بدو سيناء القاتمة، يقول صبري، وهو حملة مكافحة الإرهاب في سيناء في عام 2013 التي أدت إلى نزوح الآلاف من بدو سيناء. ويخلص صبري إلى أن مشكلة بدو سيناء لن تُحلّ أبدًا ما دامت الدولة تتعامل معهم بعقلية “الدبابة والكلاشنكوف”.
واختتمت سوزي ميرغني مناقشات مجموعة العمل بمقالها حول موضوع “الدخول عبر متجر الهدايا: الدلالة على هوية وطنية حديثة من خلال سلع متاحف قطر”. وتبين ميرغني في مقالها أن هناك أمرًا مهمًا يحدث في متاجر الهدايا بمتاحف قطر – إعادة صياغة الدلالات على الهوية الوطنية من خلال السلع المعاصرة. وتجادل بأن إدخال سلع المتاحف الحديثة يدلّ على أن قطر دخلت مرحلة جديدة من مراحل تشكيل الهوية الوطنية، رغم أن الهدايا التقليدية والحرف اليدوية لا تزال تحظى بتقدير وتشجيع. وتساءلت: إذا كانت الهدايا التذكارية تحاول تقطير ثقافة أمّة ما، فما موقع بضائع المتاحف الحديثة – أغطية الهواتف المحمولة، والإكسسوارات، والقمصان – من السردية الوطنية الجديدة لدولة قطر؟ وهل تجسد هذه القطع التجارية مشكلة السردية التاريخية التقليدية لدولة قطر، أم إها توسّع الهوية الوطنية القطرية في اتجاهات جديدة – اتجاهات تتأرجح حول ممارسات استهلاكية مشتركة لم تعُد مدينةً للماضي؟
المشاركون والمناقشون:
- فاتح عزام، الجامعة الأمريكية في بيروت
- زهرة بابار، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- إسلام حسن، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- أمير إدريس، جامعة فوردهام
- مهران كامرافا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- إيمي مالك، كلية تشارلستون، ساوث كارولينا
- رويل ماير، جامعة رادبود، هولندا
- سوزي ميرغني، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
- مهند صبري، باحث وصحفي مستقل
- جيمس ن. ساتر، الجامعة الأمريكية في الشارقة
- إليزابيث وانوشا، مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون في قطر
مقال بقلم إسلام حسن، محلل أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية