ما يتعين على إيران القيام به الآن

ما يتعين على إيران القيام به الآن

مهران كامرافا

أبريل 14, 2015

بقدر الصعوبة التي واجهها فريق التفاوض الإيراني مع  مجموعة (5+1) للتوصل إلى الاتفاق النووي، والذي كان من الصعب تحقيقه،  إلا أن العمل الجاد للدبلوماسية الإيرانية لم ينته بعد، فمن خلال إطار اتفاق ممكن، يتعين على مسئولي السياسة الخارجية الإيرانية الآن الاعتماد على الإنجازات التي تم تحقيقها منذ ما يقرب من عام مضى لتحقيق مزيد من الأمن والاستقرار في المنطقة وتعزيز المكاسب الدبلوماسية الإيرانية.

وقد وصفت شخصيات بارزة مثل وزير الخارجية الإيراني ظريف، ووزير الخارجية الأمريكي جون كيري، والرئيسين روحاني وأوباما توقيع هذا الاتفاق النووي بأنه “تاريخي”، وتحتاج إيران الآن إلى الاستفادة من هذا الزخم لتصبح مصدرا للاستقرار الإقليمي، ولاعبا هاما في الترتيبات الأمنية الجديدة الناشئة في المنطقة.

وأول هذه الترتيبات هو وجوب تحسين علاقات إيران مع المملكة العربية السعودية من خلال الانخراط في سلسلة من التدابير لبناء الثقة مع المملكة السنية.

وقد اتهم السعوديون إيران منذ وقت طويل بأن لديها طموحات هيمنة وأنها مصدر لعدم الاستقرار الإقليمي والدولي، وفي الواقع، فإن معظم الفوضى التي تعم الشرق الأوسط في العراق وسوريا والتي كان آخرها ما نشهده في اليمن هو من عمل المملكة العربية السعودية نفسها،

استمرارا لردة فعل مذعورة لمنع أصداء الربيع العربي من الوصول إلى شواطئها، وتفاديا لتخلي الإدارة الأميركية الراغبة في إجراء محادثات مع إيران عنها، ومروجة نفسها بوصفها  “محور آسيا” طوال العامين الماضيين كانت سببا في السياسة الخارجية العدوانية غير المنتظمة حدثا  غير عادي في تاريخ المملكة، فقد أرسلت قوات لقمع الانتفاضة الشعبية في البحرين، وساعدت الميليشيات المناهضة للأسد في سوريا ثم وصفتها بالإرهابية، وكذلك قطع ثم استعادة العلاقات مع قطر زميلتها في دول مجلس التعاون الخليجي، والآن نجدها تقصف اليمن بضراوة وتصبح طرفا نشطا في حرب أهلية تدمر هذا البلد الممزق.

إن معظم -إن لم يكن كل- هذه الإجراءات يمكن إرجاعها إلى المخاوف السعودية أن تتخلى عنها الولايات المتحدة الضامن الرئيسي لأمنها العسكري، وإيران المتمردة، ومنذ  الثورة الإيرانية 1978-1979، كانت الولايات المتحدة الأمريكية تنظر إلى المملكة العربية السعودية باعتبارها ركيزة الاستقرار الإقليمي وقوة مركزية في الترتيبات الأمنية في الخليج الفارسي، واحتمال فقدان مثل هذا الوضع المتميز، وذهابه إلى إيران، هو أمر يخيف القيادة السعودية للغاية.

وقد خرج كل من وزير الخارجية كيري، والرئيس أوباما  عن طريقتهما في طمأنة القيادة السعودية بأن الولايات المتحدة لن تتخلى عن علاقتها الخاصة مع المملكة، سواء الآن أو في أي وقت في المستقبل القريب. وقد حذا الرئيس روحاني ووزير الخارجية ظريف حذوهما، معربين عن النوايا السلمية لإيران تجاه السعودية، ومحاولة التوصل مع نظرائهم السعوديين عبر مختلف الخيارات لمعالجة بعض القضايا الشائكة في الجوار.

إن القتال الدائر، بداية من  اليمن إلى العراق وسوريا حتى تنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك التنافس بين إيران والمملكة العربية السعودية جرف الشرق الأوسط إلى عمق الهاوية، وكرجال دولة أثبتوا قدراتهم في التفاوض مع مجموعة (5+1) فينبغي أن تكون المهمة التالية لروحاني وظريف هي التوصل إلى تسوية للتعايش مع السعودية بحيث يمكن للبلدين أن تشرعا في معالجة مشاكل مشتركة كثيرة في المنطقة.

وهناك خطوة أخرى يجب على إيران أن تتخذها وهي تطبيع  العلاقات مع الولايات المتحدة بناء على الاتفاق النووي، وهذا بطبيعة الحال أمر القول به أسهل من تنفيذه، كما أن هناك قوى راسخة  عند كلا الجانبين تجعل كلاهما ينبذ الآخر، ويسعى لضمان عدم حدوث التقارب بين إيران والولايات المتحدة بل ويشكك أيضا  في الوصول إلى الاتفاق النووي.

و العداء بين إيران والولايات المتحدة على مدى الأربعة والثلاثين عاما الماضية لم يقترب بالشرق الأوسط والخليج الفارسي إلى السلام والأمن، وقد حان الوقت لإتباع نهج جديد.

إن إيران والولايات المتحدة على حد سواء على بينة من حاجتهما الماسة إلى بعضهما، فالولايات المتحدة تحتاج إلى الموارد الأرضية لإيران ونفوذها في أماكن مثل العراق وسوريا، وإيران تحتاج إلى الولايات المتحدة نظرا لاقتصادها الراكد وبنيتها التحتية المتهالكة، وإذا كانت إدارة أوباما مترددة في اتخاذ الخطوة التالية، فيجب على إدارة روحاني أن تقوم بهذه الخطوة. إن دعوة وزير الخارجية الأمريكية  كيري لزيارة إيران وإعادة فتح السفارات في طهران وواشنطن العاصمة، في وقت واحد هي خطوة جريئة ورمزية، وستكون إيقاعا مثاليا لعهد جديد من الدبلوماسية الإقليمية والعالمية.

وبمجرد قيامها باتخاذ خطوات موضوعية واستباقية لإصلاح علاقاتها مع المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، ومن المرجح أن يتبع ذلك القيام بتحسينات أخرى في شكل علاقات أفضل مع الاتحاد الأوروبي ومع الجهات الفاعلة الإقليمية الأخرى مثل مصر والأردن ودول أخرى أعضاء في مجلس التعاون الخليجي.

إن أفضل جزء من الأربعة والثلاثين عاما الماضية كان مجرد ردود فعل للسياسة الخارجية الإيرانية في أحسن الأحوال ولكنها فارغة، وغير مرحب بها في أسوأ الأحوال. إن نجاح المفاوضات النووية يقدم للجمهورية الإسلامية فرصة مثالية لتحريك السياسة الخارجية للبلاد باتجاه الفوز لكل من إيران وأولئك الذين طالما كان ينظر إليهم على أنهم خصومها.

 

مهران كامرافا  أستاذ جامعي ومدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية – جامعة جورجتاون- كلية الشئون الدولية في قطر، وهو مؤلف الكتاب الذي صدر مؤخرا، قطر: دولة صغيرة وسياسة كبيرة .