لماذا يجب على باكستان أن تبقى في ديارها؟

لماذا يجب على باكستان أن تبقى في ديارها؟

زهرة بابار

أبريل 18, 2015

شهد إرسال قوات للقتال في اليمن نيابة عن المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في مجلس التعاون الخليجي معارضة ساحقة في باكستان، وهي البلد الذي اتسم في الآونة الأخيرة بالانقسام الداخلي وانعدام التماسك الاجتماعي والسياسي، لذا فمن المدهش أن نرى مثل هذا الإجماع الكاسح غير المسبوق بين العديد من أصحاب المصلحة المختلفين.

في 10 أبريل 2015، رفض البرلمان الباكستاني بالإجماع طلبا مباشرا من الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود للاستعانة بالقوات الباكستانية والحصول على الدعم العسكري، ولم يعرب أي  من الأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد عن أن هذا القرار لم يكن حكيما، ووقفت الصحافة الباكستانية ووسائل التواصل الاجتماعية صفا واحدا في التعبير عن شعورهم بأن هذه الحرب التي تشهدها شبه الجزيرة هي حرب يجب على باكستان أن تبقى خارجها.

كذلك فإن الجيش الباكستاني الذي يكون في كثير من الأحيان عاملا حاسما في صنع قرارات السياسة الخارجية للبلاد يفتقر إلى الحماس لتورط في صراع  لا نهاية له في اليمن، وبالنسبة لكثيرين في الجيش التجربة المصرية الكارثية في فترة الستينات  تقرع جرس إنذار حاد، وتعد بمثابة مثال حي أن اليمن بلد تعد السيطرة عليه أمرا بلغ  الصعوبة.

أوضحت المملكة العربية السعودية منطقها للتدخل في اليمن، وهو استعادة الحكومة “الشرعية” في صنعاء، وهو ما ينظر إليه عديد من الباكستانيين ببعض من التشكيك والانتقاد العلني، فقد دعمت المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بقوة الإطاحة بالنظامين الليبية والمصري، بل والأكثر من ذلك أنها تشارك بنشاط في محاولة الإطاحة بالحكومة في سوريا. فلماذا إذن تعبر الرئاسة في  اليمن وحدها مؤسسة مقدسة؟ إن الصورة المنتشرة  في باكستان هي أن تلك الحملة التي تشنها دول مجلس التعاون الخليجي ضد الحوثيين هي عمل طائفي واضح، وتحركها في المقام الأول مصلحة المملكة العربية السعودية في مواجهة النفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة.

لقد أدى هذا هو التصور بالباكستانيين إلى الشعور بأن جيشهم لا ينبغي أن يستخدم كقوة مرتزقة لتحقيق الأهداف الجيوسياسية الإقليمية للمملكة. كذلك فإن الفوائد المالية التي يفترض جنيها من دعم المملكة في حرب اليمن لم تنل أي قبول لدى المناخ العام في باكستان. بل يعتبر كثيرون هذه الفكرة في حد ذاتها إهانة، وكأن الجيش الباكستاني يمكن شراؤه في مزايدات دولية، بدلا من أن يكون مسئولا عن شعبه.

وتتشارك باكستان مع إيران حدودا طويلة وتاريخا أطول، وتستضيف أيضا واحدا من أكبر تجمعات الشيعة في العالم، ولا يمكن للدولة أن تستفز جارتها أو الأقلية الشيعية التي تقدر بحوالي ثلاثين مليون نسمة، ومن المؤكد أن إيران ستنظر إلى إرسال قوات عسكرية إلى اليمن بناء على طلب من دول مجلس التعاون الخليجي باعتباره عملا استفزازيا، بل وربما يؤجج ذلك المشاعر الطائفية داخل باكستان، وكانت باكستان قد شهدت بالفعل فترات متقطعة من الصراع الطائفي داخل حدودها، وغالبا ما كان تحركها جماعات من الخارج، وإذا تورطت الدولة علنا في حرب طائفية عبر بحر العرب، سيكون هناك بالتأكيد بعض التداعيات الخطيرة التي قد تواجهها في عقر دارها.

هذه الدار التي يشعر فيها معظم الباكستانيين بالحاجة إلى الإبقاء على الاهتمام الوطني واحتياجات الطاقة، فالبلاد مستمرة في التعامل مع المتشددين الإسلاميين في الشمال الغربي، ومن أجل أمنها واستقرارها فإنها لا تستطيع أن تصرف جيشها عن المعركة المحلية ضد الإرهاب إلى حملة أجنبية أقل بكثير في أهميتها المباشرة.

يهيب باقي العالم بباكستان منذ فترة طويلة قائلا: أن أفضل شيء يمكن القيام به من أجل الاستقرار الإقليمي والعالمي التخلص من الفوضى التي تعم بيتها من الداخل،  وبالنسبة لنا في باكستان، فإننا  نشهد لحظة اتفاق وطني نادرة – على الأقل في هذه المناسبة – وهذا ما ينبغي أن نضعه على رأس أولوياتنا.

 

زهرة بابار, باكستانية الأصل، معاون مدير قطاع الأبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية في جامعة جورجتاون- كلية الشؤون الدولية في قطر- وتضم منشوراتها:  العمالة المهاجرة في الخليج الفارسي (محرر مشارك مع مهران كامروا)،  والأمن الغذائي في الشرق الأوسط (محرر مشارك مع ميرجاني)، ومجتمعات المغتربين العرب في دول مجلس التعاون الخليجي.