ترامب، إيران، والاتحاد الأوروبي: على حافة هاوية خطيرة

mehran

ترامب، إيران، والاتحاد الأوروبي: على حافة هاوية خطيرة

مهران كمرافا

في الذكرى السنوية الأولى لانسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية النووية التاريخية بين إيران والقوى العالمية، أشارت طهران إلى إحباطها من وضع الاتفاقية بتعليق أحد أحكامها؛ وهي بيع اليورانيوم المخصب الزائد والماء الثقيل. دعت الاتفاقية التاريخية، المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، إلى إنهاء العقوبات التجارية والمصرفية المفروضة على إيران مقابل تعليق طهران لأنشطتها النووية. في العام الماضي، انسحبت الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاقية وأعادت فرض العقوبات على إيران، متعهدة أيضا بمعاقبة أي دولة استمرت في التجارة مع الجمهورية الإسلامية.

في 8 مايو، حذر الرئيس الإيراني حسن روحاني في خطاب موجه إلى الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاقية من أنه إذا لم يتم رفع العقوبات المصرفية والنفطية على إيران في غضون ستين يومًا، فلن تستمر إيران في الالتزام بالكثير من القيود المفروضة عليها. بالاتفاق.

لا يخلو إحباط الرئيس روحاني من سبب وجيه، خاصةً بعد انفاقه لرصيده السياسي الكبير هو ووزير خارجيته، جواد ظريف، للإقناع بقبول الاتفاق داخل إيران. خلال العام الماضي، كان الاتحاد الأوروبي يحاول بالفعل اللعب على الحبلين فمن ناحية، كان الاتحاد الأوروبي يدعو إيران إلى الالتزام بشروط خطة العمل المشتركة، بينما من ناحية أخرى لم يقف في وجه الولايات المتحدة حتى تفي بالتزاماتها بموجب شروط الاتفاقية.

يبدو أن أسلوب التلكؤ متأصل جزئيًا في فزّاعة إيران واستخدامها للترهيب على نحو متفشي يتغذى عليه باستمرار تجار ووسطاء الأسلحة الأثرياء في أوروبا وزبائنهم في الخليج الفارسي وحملاتهم الإعلامية البليغة وحملات العلاقات العامة ضد الجمهورية الإسلامية. والأهم من ذلك أن الاتحاد الأوروبي – وكذلك الصين وروسيا في هذا الشأن – يحجمان عن المخاطرة بمزيد من الغضب الأمريكي بشأن استمرار التجارة مع إيران. فهم جميعا لديهم بالفعل ما يكفي من التوتر والصعوبات مع دونالد ترامب، وهم لا يحتاجون إلى مزيد من الصداع بسبب إيران.

 في تلك الأثناء، أوفت إيران بجميع التزاماتها بموجب الاتفاقية، كما تم التحقق منها مرارًا وتكرارًا من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية بموجب آليات التفتيش الصارمة التابعة لخطة العمل الشاملة المشتركة.

على الرغم من وجود خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA على الورق، إلا أنه من الناحية العملية، أصبح بالفعل اتفاقًا ملزما لطرف واحد فقط، وهو إيران. والإنذار النهائي الذي استمر ستين يومًا هو إشارة إلى أن صبر طهران ينفد. على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي رفض الإنذار النهائي، إلا أن هذه الخطوة قد تدفع الأوروبيين أخيرًا إلى الوفاء بتعهداتهم بموجب الصفقة.

من الواضح أن الوضع الحالي لخطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA أصبح غير ممكن استمراره. فاليوم إيران هي الطرف الوحيد الذي يفي بشروط الاتفاقية. بعد انسحاب الولايات المتحدة قبل عام، لم يفعل الاتحاد الأوروبي سوى القليل مما يلزمه به الاتفاق.

هناك سيناريوهان محتملان قد يخرجان من الطريق المسدود: إما أن ينهار الاتفاق تمامًا، مع انسحاب إيران رسميًا؛ أو سوف يتخذ الاتحاد الأوروبي أخيرًا تدابير جوهرية وملموسة لتصحيح ما أصبح مهزلة. على مدار العامين الماضيين أو نحو ذلك، كان الاتحاد الأوروبي منشغلًا بثلاثة اهتمامات أساسية – ترامب وبوتين وبريكسيت – ومن ثم فقد وضع إيران وخطة العمل الشاملة المشتركة في المقعد الخلفي. ولكن إذا استمر الاتحاد الأوروبي في تجاهل الاتفاقية، فمن المحتم أن يؤدي موقفه الى حدوث أزمة.

من جانبه، أبدى دونالد ترامب سلوكًا متوقعًا، يستند إلى عدم ثقته الفطرية وكراهيته لتنوع المشاركين والاتفاقات متعددة الأطراف. ونتيجة لذلك، سحب الولايات المتحدة من العديد من الالتزامات المتعددة الأطراف، وأبرزها اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ في عام 2016، إلى جانب شراكة عبر المحيط الهادي، ومجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، و من خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA، جميعها في عام 2018.

في كل حالة، بعد الانسحاب من الاتفاق، تورط ترامب في خطابات حماسية شديدة الانفجار، كأن يدين شروط الاتفاق السابق ويدعو إلى اتفاق جديد. في هذه العملية، سعى إلى تطبيق ما يعتقد أنه “فن الصفقة” من أجل الحصول على شروط أفضل للولايات المتحدة. هذا هو بالضبط ما نراه اليوم في المواجهة التجارية الحالية بين الولايات المتحدة والصين، وما رأيناه في عام 2017 في العلاقات مع كوريا الشمالية، عندما وصف ترامب كيم جونغ أون بأنه “رجل الصاروخ الصغير” وحذر من أن “أصابعه في وضع الإطلاق” الضغط على الزناد “، وهو جاهز ليضغطه في أي لحظة. تصرفات ترامب ضد إيران يحركها نفس المنطق.

ترامب نفسه لا يبدو أنه يريد الحرب. الحروب تضر بالأعمال التجارية، لكن خطابه هو تمكين الصقور من حوله المتعطشين لتغيير النظام في إيران وتقويتهم. والسؤال الحقيقي هو ما إذا كان سيتمكن ترامب من كبح جماح اشخاص مثل جون بولتون ومايك بومبيو ورودي جولياني، وكلهم دعوا علنًا لتغيير النظام في طهران، أو ما إذا كانوا سيصبحون هم الذيل الذي يوجه الكلب ويحركه. 

إن صمت الاتحاد الأوروبي، أو، في أحسن الأحوال، تعبيراته الفاترة عن قلقه من تنمر ترامب لإيران، لا يرقى إلى درجة التواطؤ. لكن الصمت لم يعد بإمكانه إنقاذ ما تبقى من خطة العمل الشاملة المشتركة JCPOA. 

كل سياسات حافة الهاوية خطيرة. لكن المخاطر هذه المرة مرتفعة بشكل خاص. حيث لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يواصل تخفيض موقعه إلى التهميش. بل يجب عليه أن يلتزم ببنود الاتفاقية التي كان فخورا بتصدر إبرامها في الماضي، وإلا ستكون هناك عواقب وخيمة على استمراره في جر أقدامه والتردد.


مهران كامرافا أستاذ الحكومة ومدير مركز الدراسات الدولية والإقليمية بجامعة جورجتاون، قطر. صدر آخر كتاب له بعنوان “المياه المضطربة: انعدام الأمن في الخليج الفارسي”، في عام 2018.