الهوية والمتاحف في الخليج: كتابة التاريخ من خلال القطع الأثرية

الهوية والمتاحف في الخليج: كتابة التاريخ من خلال القطع الأثرية

استضافت كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون في قطر وكلية لندن الجامعية في قطر مؤخراً الدكتورة آني مونتينيي، أستاذة الأنثروبولوجيا المساعدة في المتحف الوطني الفرنسي للتاريخ الطبيعي، في محاضرة بعنوان “المتاحف في الخليج؛ ما هويتها؟” أقيمت في حرم كلية الشؤون الدولية في المدينة التعليمية.وكان اهتمام الدكتورة مونتينيي بمنطقة الخليج قد بدأ في عام 1976 عندما كانت تجري بحثاً يتعلق برسالتها للدكتوراه حيث تعاونت آنذاك مع فريق فرنسي من علماء الاجتماع الذين دعاهم وزير الإعلام القطري عقب إطلاق أول متحف وطني بقطر. وتقول الدكتورة مونتينيي: “لقد فتنت بالصحراء، واستقبلني الشعب القطري بحفاوة بالغة. ومنذ ذلك الحين، بدأ اهتمامي وتركيزي على المنطقة والذي اشتمل على أبحاث أنثروبولوجية حول تاريخ وتقاليد القبائل البدوية في قطر، والعمل على فهم كيفية تشكل الهوية في منطقة شهدت تغيرات هائلة خلال فترة قصيرة نسبياً”.وألقت الدكتورة مونتينيي الضوء على ما اكتسبته من معرفة غنية وواسعة من خلال دراساتها الأنثروبولوجية للمنطقة والتحديات التي تواجهها المتاحف الوطنية في تسجيل ذلك التاريخ، وكان هدفها من وراء ذلك هو حفز الناس على التفكير، وتتابع قائلة: “الهوية فكرة مرنة جداً، يمكن تشكيلها من خلال اللغة أو الدين وعلاقات القربى والجغرافيا. وهنا أطرح السؤال: كيف يمكن تحديد الهوية الوطنية من خلال المتاحف الوطنية في الخليج؟”.من جهته، تطرق غيرد نونيمان، عميد كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون في قطر، إلى فكرة الهوية والمكان، موضحاً أن “الأكاديميون يواجهون تحدٍ رئيسي بشأن دراسة وشرح الأطر التي نرى عالمنا من خلالها، وإن هذه الدراسة سيكون لها بلا شك دور هام في مساعدتنا على فهم كيفية تشكل الهويات بمختلف أبعادها، وكيفية تأثيرها كذلك على عالمنا”، مضيفاً أن “المتاحف تشكل انعكاساً لهذه الرؤية، وفي نفس الوقت، وسيلة لتشكيل الهوية”.وتصف الدكتورة مونتينيي منطقة الخليج بما شهدته على مرّ التاريخ من تبادل حيوي للثقافات مع تقاليد مشتركة لم تقف عند حدود تلك البلدان. وتضيف “قد تواجه المتاحف الوطنية تحدٍ حقيقي عندما تسعى لإيجاد قطعة تحفة أو قطعة أثرية يمكن أن تمثل دولة وحيدة بعينها”. وأفضل طريقة لمواجهة هذه التحدي ومعالجته، حسب قول الدكتورة مونتينيي، هو من خلال توسيع نطاق مقتنيات المتحف الوطني ورؤيته الإثنوغرافية لتعكس الواقع التاريخي للتأثيرات الإقليمية بين دول المنطقة.وركزت الدكتورة مونتينيي، بصفتها خبيرة في عالم المتاحف، على الفرص المتاحة لتوسيع نطاق النهج القديم المتبع في أساليب عرض القطع الأثرية في المتاحف الإقليمية، مثل استخدام مصطلحات تفسيرية تمثل تبسيطاً مبالغاً فيه ولا يعبر عن الثروة المعرفية التي تتأتى من الفهم العميق للحياة القبلية. وتؤكد أن’السياق‘ يمثل عنصراً حيوياً كثيراً ما يتم إغفاله في المتاحف الوطنية في الخليج، “فعلى سبيل المثال، إن عرض مجوهرات تقليدية على أنها ببساطة ’مجوهرات تقليدية‘ دون إرفاقها بمعلومات أنثروبولوجية معمقة حول مالكها أو المعنى الاجتماعي لتصاميمها، سيحدّ من التأثير التاريخي للقطع ويجعلها أسيرة التأثير الوجداني فقط. وهذا مجال حيوي يمكن أن توليه المتاحف الوطنية في المنطقة اهتماماً وتركيزاً أكبر في المستقبل”.لقد أفضت النهضة الاقتصادية التي شهدتها الصحراء العربية إلى مستويات غير مسبوقة من الهجرة إلى المنطقة، ما أدى لنشوء بيئة فريدة متعددة الثقافات. ووسط هذا المشهد، تسعى دول الخليج لإنشاء متاحف جديدة تعكس تاريخها وثقافتها وهويتها المتفردة. وتؤكد الدكتورة مونتينيي أن مهمة تلك المتاحف الوطنية لا تقتصر فقط على جمع القطع الأثرية التي تعكس الهوية الوطنية للدول، بل إنها تساهم في وضع التعريفات التي تسعى إليها. وتعتبر الدكتورة مونتينيي أن “مفهوم التراث معقد ومتناقض”، وبدلاً من بناء متاحف جديدة ذات “مفاهيم قديمة”، فإنها تشجع على اتباع نهج أكثر انفتاحاً وتنوعاً في تصميم مساحات المتاحف بحيث تعكس تاريخ عالمنا المترابط.