هل يمكن لنموذج ألاسكا أن يطبق في قطر؟

هل يمكن لنموذج ألاسكا أن يطبق في قطر؟

قد يتصور المرء أن لا صفات مشتركة تجمع بين ألاسكا ودولة قطر، متسائلاً: ما هي أوجه الشبه بين شمس الصحراء الحارقة في قطر والثلوج الكثيفة بولاية ألاسكا الأمريكية؟ ولكننا قد نتفاجأ إذا ما علمنا بأن هناك قواسم مشتركة بينهما، إنها الوقود الأحفوري، الصادرات، والصناديق الاستثمارية الحكومية التي تعود عوائدها بالفائدة على كل فرد من سكان البلدين.

تمتاز قطر وألاسكا بغناهما بموارد النفط والغاز الطبيعية التي يتم استخراجها من باطن الأرض، وكلاهما يقوم بتصديرها للأسواق الأخرى. وكما هو الحال بالنسبة لمعظم الدول الأخرى المصدرة للنفط، يقوم البلدان بادخار جزء من عائداتهما من صادرات النفط والغاز في صناديق استثمارية. ولكن ولاية ألاسكا تتميز عن قطر وجميع الدول الأخرى المصدرة للنفط في كونها توزع حصصاً نقدية من أرباح صندوقها الاستثماري على كل فرد من سكان الولاية، فيما يطلق عليه مصطلح: توزيعات حصص أرباح الصندوق الدائم.

فخلال العام الماضي، حصل كل واحد من أبناء ألاسكا من رجال ونساء وأطفال على شيك نقدي بقيمة 878 دولاراً أمريكياً. وهو رقم غير ثابت ويختلف من عام إلى آخر، ولكن في أغلب الأحيان يتراوح هذا المبلغ بين 1000-2000 دولار، ما يشكل مصدر دخل سنوي مضمون لجميع سكان الولاية.

هل يجب على الصندوق الاستثماري القطري تكرار هذا النموذج من خلال توزيع حصص أرباح على أبناء الدولة من عائداته؟ الجواب “نعم” بحسب اعتقاد الدكتور كارل وايدركويست، الأستاذ المساعد في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون في قطر. ويعد الدكتور كارل أبرز الباحثين في شؤون الصندوق الاستثماري في ألاسكا، فقد ألف كتابين عن هذا الموضوع تحت عنوان “توزيعات حصص أرباح الصندوق الدائم في ألاسكا: دراسة في ملاءمة النموذج الألاسكي” و”نقل تجربة ألاسكا: تكييف نموذج توزيعات حصص أرباح الصندوق الاستثماري الدائم لألاسكا لإجراء إصلاحات حول العالم”، وقد وصُف هذان الكتابان القيمان بكونهما يشكلان مصدرين مهمين في الوقت المناسب، ويمكن أن تستفيد منهما حتى الدول الغير غنية بالموارد في العالمين النامي والمتقدم.

وأضاف الدكتور وايدركويست: “من بين المواضيع التي يتناولها الكتابان هو أن أي دولة يمكن أن تطبق نموذج توزيع حصص أرباح من صادرات الموارد على مواطنيها حتى ولو لم تكن غنية بالموارد. وتقوم ألاسكا بفرض ضرائب دخل على شركات إنتاج النفط، ولكن جميع الدول، بغض النظر عن غناها أو فقرها، تمتلك موارد طبيعية مشتركة ومصادر نفع عامة يمكن توليد عائدات ضريبية منها أو استثمارها بما يوفر دخلاً سنوياً أساسياً للمواطنين.

وتعد ألاسكا نموذجاً قوياً في هذا المجال بفضل خبرتها التي تمتد إلى 30 عاماً في تنفيذ المشاريع التي تعود بالنفع على جميع المواطنين. ففي سنة 1976، ومع قرب الانتهاء من أعمال مد خطوط أنابيب نقل النفط عبر ألاسكا، وافق الناخبون في الولاية على إجراء تعديل دستوري يقضي بإنشاء صندوق ألاسكا الاستثماري الدائم.

ويجري استثمار أموال ألاسكا ضمن محفظة متنوعة من الأصول العامة والخاصة. وجميع هذه الاستثمارات، سواء داخل ألاسكا أو أي مكان من العالم، توفر مصدر دخل، سواء من خلال أرباح الأسهم، فوائد السندات، تأجير العقارات، أو من خلال بيع أي من الأصول الاستثمارية.

ويرى البعض بأن الدخل السنوي الناتج عن تلك الاستثمارات هو عبارة عن حصص من الثروة النفطية، أو إعانات حكومية بمعنى آخر. والبعض الآخر يرى بأنه من حقهم كمواطنين من أبناء الولاية بأن يستفيدوا من العائدات التي تولدها الموارد الطبيعية المستخرجة من باطن الأرض التي يعيشون عليها.

وعلى الرغم من أن المواطنين القطريين يحصلون على فوائد كثيرة من ثروة بلادهم من الموارد الطبيعية، بما في ذلك المساكن، الرعاية الصحية، فرص العمل، المواصلات، إلا أنهم لا يتقاضون دخلاً مباشراً من صناديق الاستثمار القطرية.

ووفقاً للدكتور وايدركويست: “يحتل صندوق الثروة السيادية القطري المرتبة الثانية عشرة على مستوى العالم من حيث الحجم بأصول تبلغ قيمتها 115 مليار دولار، أي أكبر من صندوق ألاسكا الدائم بمرتين ونصف. ويبلغ تعداد سكان قطر حوالي 1.7 مليون نسمة، أي أكبر من تعداد سكان ألاسكا بنحو مرتين ونصف أيضاً”.

وأشار الدكتور وايدركويست إلى أن وجود نظام مشابه في قطر لتوزيع حصص الأرباح التي تجنيها الحكومة من عائدات الموارد الطبيعية سيوفر دخلاً متساوياً لكافة سكان الدولة يتراوح بين 1000-2000 دولار أمريكي تقريباً. وأضاف: “من المعروف أن عدد المواطنين القطريين قليل مقارنة بالمقيمين؛ حيث يبلغ حوالي 250 ألف نسمة فقط، أي ما يعادل ثلث سكان ألاسكا. فلو افترضنا أن حصة الأرباح المبدئية لكل مواطن قطري تتراوح بين 7500 إلى 15000 دولار أمريكي سنويًا، فإن هذا الرقم وبالنظر إلى حجم صادرات قطر من الغاز، قد يزيد بشكل كبير خلال السنوات القليلة القادمة”.

وبما أن متوسط دخل الفرد في قطر يعد الأعلى على مستوى العالم، فكيف سيستفيد القطريون من تطبيق قطر لنموذج ألاسكا من خلال توزيع أرباح عليهم من عائدات الموارد الطبيعية للدولة؟ وفي هذا السياق، أشار وايدركويست إلى أن إحدى أهم الفوائد التي سيجنيها المواطنون القطريون من تطبيق هذا النموذج هي “الشفافية”. فسكان ألاسكا يحصلون على حصص أرباح ملموسة سنوياً، كما يمكنهم الاطلاع على كل ما يتعلق بالاستراتيجية الاستثمارية للصندوق من خلال الإنترنت، وهو ما يقومون به بالفعل لأن هذه الاستثمارات هي ملك لهم، ويرون بأنه من المهم أن تُدار بشكل صحيح”.

وأضاف: “حصص الأرباح التي توزعها ألاسكا على مواطنيها تمنحهم شعورًا بأن موارد الولاية ملك لهم. وعادة ما تقوم الدول الغنية بالموارد بإنفاق الأموال بما يعود بالنفع على كافة مواطنيها، لكن إذا قامت الحكومة ببناء ملعب أو دار أوبرا، فلن يستفيد كافة أفراد الشعب من ذلك. وبالتالي، فإن توزيع حصص من الأرباح الناتجة عن بعض عوائد الموارد الحكومية تضمن تلبية احتياجات كل مواطن بطريقة ملموسة”.

ويرى الدكتور وايدركويست بأن الاستمرارية تعد إحدى الفوائد الأخرى للنموذج الذي تتبعه ولاية ألاسكا. في الواقع، تنفق العديد من الدول المصدرة للموارد أموالاً كثيرة عند توفر عائدات من صادرات مواردها، لكنها لا تجد الكثير لتنفقه عندما تتوقف عوائد تلك الصادرات. ويتابع قائلاً: “توفر الصناديق الاستثمارية ذات الأصول الدولية المتنوعة حصص أرباح لكافة المواطنين مستفيدة من تقلبات أسعار النفط والغاز في السوق العالمية، ويمكنها الاستمرار في تقديم تلك الحصص الربحية حتى بعد توقف عوائد الصادرات”.

ويلخص بيتر دراكار ما ذُكر سابقاً بالقول إن الابتكار هو ما يعطي الموارد قدرات جديدة للمساهمة في بناء الثروات. وعند النظر إلى حالة قطر وألاسكا، نجد أن تأثير الابتكار في كليهما واضح وضوح الشمس.