مصير المكتبات في زمن الحرب

مصير المكتبات في زمن الحرب

كانت التجارب والتحديات التي تمر بها المكتبات، باعتبارها ضحية غالباً ما يتم تجاهلها للصراعات، محور محاضرة عامة ألقاها الدكتور سيم سوتر، بعنوان “مصير المكتبات في زمن الحرب” في مكتبة جامعة جورجتاون في قطر يوم الخميس الواقع في 14 نوفمبر 2013.واستعرض الدكتور سوتر الذي يشغل حالياً منصب أمين مكتبة الجامعة المساعد للموارد والخدمات العلمية في مكتبة Lauinger Memorial Library في جامعة جورجتاون في واشنطن تاريخ المكتبات في أوقات الحرب، عندما “تصبح كتب العدو مواداً للكراهية، أو الخوف، أو الحسد، أو التبجيل، أو التجاهل”. كما شارك الحضور كذلك قصصاً حول الجهود الجبارة المبذولة لحماية الكتب وإعادتها إلى أصحابها الشرعيين، من قبل أمناء المكتبات، والمدنيين والسياسيين، الذين تصب جهودهم في رعاية للتراث الوطني المشترك.بدأ المحاضر جولته في بلاد ما بين النهرين، حيث كانت تتألف أقدم المكتبات المعروفة من مجموعات صغيرة من المخطوطات المنسوخة بالحروف المسمارية وكذلك مجموعات مرجعية كبيرة لأعمال أدبية وعلمية. وقال الدكتور سوتر، مشيراً إلى أن عمليات التنقيب عن الآثار في مناطق الدمار الهائل شملت ألواحاً مكتوبة ومحطمة: “ليس من المستغرب أن يتم التدمير المنهجي المعروف منذ القدم لمكتبات بلاد ما بين النهرين، عندما هزم البابليون والميديون بلاد آشور في 614-612 قبل الميلاد”.وعرض الدكتور سوتر العديد من الأمثلة حيث استولت القوات الغازية على الثروات المكتبية لأعدائها، بدلاً من تدميرها، أو استهداف المكتبات بوصفه “عملاً انتقامياً رمزياً”، كعمل من أعمال الحرب نفسها. وتابع قائلاً “لا يتم تدمير الكتب غالباً باعتبارها أشياء مادية بل مواداً ذات ارتباط بالذاكرة. فعندما تحاول جماعة أو دولة إخضاع جماعة أو دولة أخرى، فإن أول شيء تفعله هو محو آثار ذاكرتها من أجل إعادة تكوين هويتها. وبالتالي فإنه ليس من المستغرب أن أكثر أنواع تدمير المكتبات عنفاً وشمولاً في التاريخ قد حدثت أثناء الصراعات العرقية أواخر القرن العشرين. واقترن “التطهير العرقي” الذي حدث في التسعينيات خلال الحروب اليوغوسلافية “بالتطهير الثقافي”، حيث تم تدمير المكتبات والمحفوظات الإسلامية والكاثوليكية والبلدية في جميع أنحاء البوسنة والهرسك من قبل القوميين الصرب.وأظهر المثال الذي حدث في الآونة الأخيرة لتدمير المكتبات في العراق خلال حرب العراق كيفية “إلحاق أضرار هائلة بالمكتبات والمحفوظات عندما تختار الدولة الغازية عدم حمايتها.” وأدى استخدام صدام حسين للمؤسسات الثقافية الكبرى كأدوات للدعاية إلى جعلها أهدافاً رئيسية للانتقام بعد الغزو الأميركي. “ولفت نهب المتحف الوطني في حين يقوم الجنود الجنود الأمريكيون بحراسة التقاطع المجاور له الانتباه الدولي.”وتم نهب الكتب والمكتبات على نطاق غير مسبوق عندما استهدف الرايخ الثالث، والمعروف كذلك بمدمر الكتب، المكتبات على اختلاف فئاتها. وقال الدكتور سوتر: “في بعض الأحيان كان الهدف المعلن ‘البحث والتحليل’ لأعداء النظام أو الدولة”، “وفي حالات أخرى، كانت الأهداف المعلنة إثراء مجموعات المكتبة الألمانية أو إعادة بناء المكتبات المتضررة.”وحدثت عمليات النهب الأكثر فظاعة لكتب العدو على أيدي النازيين تحت مسمى “عملية الأثاث” في فرنسا المحتلة والدول النامية. “وبحجة أن منازل اليهود الذين فروا على عجل أو تم إرسالهم إلى معسكرات الاعتقال تحتوي على ‘ممتلكات مهجورة”، حيث هبطت طواقم الطائرات على المنازل الخالية واجتاحتها وجردتها من كل الممتلكات الشخصية، بما في ذلك الكتب. “وعندما تقدمت قوات الحلفاء لإيقاف العملية، كان قد تم نهب 70 ألف منزل، ما لزمه 27 ألف عربة قطار لنقل مليون متر مكعب من المواد.وأنهى المحاضر سرده التاريخي بطرح مثال عن محاولة ناجحة لحماية الثروة المكتبية من القوات الغازية. فقد اتخذ أمين المكتبة من معهدPelplin الديني في بولندا، حيث جاءت المجموعة الأساسية من الكتب من دير بندكتي الذي تم تأسيسه عام 1274، تدابير صارمة للحفاظ على كتاب غوتبورغ المقدس الوحيد في بولندا عن طريق وضعه في حقيبة مصنوعة خصيصاً له ونقله في سيارة الأجرة والقطار السريع إلى قبو بنك في وارسو. ووصل الكتاب المقدس وكنز آخر، وهو مخطوطة المزامير الرائعة في القرن 16، في نهاية المطاف إلى بر الأمان في كندا، ولكن إعادة النسختين الضخمتين من الكتاب المقدس واللتان تزنان حوالي 40 باوند إلى بولندا استغرق عشرين عاماً أخرى.وقال الدكتور سوتر” هذا هو الحال في زمن الحرب”، “حيث تواجه الكتب مصيرها، كالبشر تماماً، وغالباً ما تتقاطع مصائرها معاً”.حصل الدكتور سوتر على درجة الدكتوراه في التاريخ ودرجة الماجستير في علم المكتبات من جامعة شيكاغو وأمضى سنة دراسية لدراسة التاريخ والدين في جامعة ماربورغ. وعلى الرغم من تدربه كمؤرخ لبدايات أوروبا الحديثة، إلا أن اهتمامه البحثي الحالي ينصب على مصير المكتبات والمحفوظات الأوروبية خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها.