طلاب جامعة جورجتاون في قطر يتواصلون مع نظرائهم في غزة

طلاب جامعة جورجتاون في قطر يتواصلون مع نظرائهم في غزة

بات من الاعتيادي اليوم أن نرى مجموعة من الأشخاص يجلسون حول طاولة واحدة في إحدى المؤسسات الكبرى، ينظرون إلى الكاميرا الرقمية التي ترسل الصوت والصورة- متجاوزةً حدود الزمان والمكان من خلال تقنية عقد المؤتمرات عبر الفيديو- إلى مجموعة أخرى تجلس حول طاولة مماثلة في مكان آخر. ولكن في جامعة جورجتاون كان المشهد مختلفاً، ولم يكن مؤتمر الفيديو الذي أجرته الجامعة بين مجموعة من الموظفين، بل كان بين طلاب جورجتاون ونظرائهم من جامعة فلسطينية أخرى يجلسون في قاعة مؤتمرات مستأجرة ضمن مبنى “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” (UNDP) في غزة، وهم يشاركون قصصهم المختلفة حول النضال والبقاء وصعوبات الحياة المختلفة التي تواجههم في ظل الاحتلال.

وعقد مؤتمر الفيديو في إطار برنامج “الحوار الطلابي”، حيث يتواصل بضعة طلاب في غزة مع عدد من الطلاب في قطر مرة كل أسبوعين على مدى الفصلين الدراسيين الماضيين بالاعتماد على قوة الإنترنت التي تزيل الحدود وتطوي المسافات لتوفر قناة تواصل ترفد طلاب جامعة جورجتاون في قطر بوجهات نظر ورؤى مختلفة حول الصراع وحل النزاعات. كما يوفر هذا البرنامج منصة دولية للطلبة الفلسطينيين لمشاركة قصصهم التي يرغبون بإطلاع الآخرين عليها.

ويعد هذا البرنامج من بُنات أفكار دانة قاروط، الطالبة الأردنية من أصل فلسطيني والتي تدرس في جامعة جورجتاون قطر، حيث خطرت لها فكرة البرنامج أثناء حضورها مؤتمراً للجامعة. وقالت دانة: “كان في المؤتمر ممثلون عن منظمات غير حكومية يشاركون مع الحضور قصص معلمين يقومون بالتواصل مع لاجئين سياسيين. لذلك خطرت لي فكرة التواصل مع الطلاب في غزة، لمساعدتنا في فهم نمط حياتهم اليومي، وللتعرف على الجانب الإنساني من الوضع السياسي هناك”.

ولكي تتمكن دانة من تحقيق الأهداف المرجوة من هذه الفكرة، قامت بالتواصل مع منظمة “الفاخورة”، وهي منظمة غير حكومية تتخذ من قطر مقراً لها وتعمل على “تأمين حرية التعلم للطلاب تحت الحصار، وتوفير المنح الدراسية، والتدريب، وتحسين مستوى الرعاية الصحية وإعادة إعمار المباني التعليمية”. وأتاحت لها المنظمة فرصة الاتصال مع أحد منسقيها في غزة لتنظيم جلسات حول قضايا حل النزاعات.

“أضافت دانة: “تمثلت الخطوة التالية في حشد الدعم من جامعة جورجتاون قطر، لذلك طلبت المساعدة من الدكتورة إليزابيث أندريتا، التي تدرِّس مقرر العدالة والسلام في الجامعة، ولم تدخر جهداً في تقديم الدعم الكامل لنا، كما وافقت على الإشراف على البرنامج وحضور جميع فعالياته”. وتوفر الجامعة كذلك المرافق اللازمة لعقد مؤتمر الفيديو عن بعد، وقد ساهمت في تحويل برنامج “الحوار الطلابي” إلى نادٍ رسمي مفتوح لجميع طلابها.

ويحمل الطلاب، من كلا الجانبين، خلفيات أكاديمية متنوعة. حيث يمثل المشاركون من جامعة جورجتاون تخصصات السياسة الدولية والثقافة والسياسة والاقتصاد الدولي؛ بينما يمثل الطلاب في غزة تخصصات الطب، والهندسة، والأدب ضمن كليات مختلفة، ولكن يجمع بينهم الموقع الجغرافي والتحديات التي يواجهونها باستمرار في حياتهم.

وتابعت قائلة: “تناولنا مجموعة متنوعة من المواضيع، مثل حقوق المعتقلين، والاحتجاج السلمي، وقضايا الموارد المائية، والتعليم، والتحرك في ظل الحصار. ونقوم خلال كل جلسة بمناقشة موضوع مختلف، ونتناوب في اختيار المواضيع، ولكنها ترتبط جميعها بالعدالة والسلام”.

وتناولت الجلسة الأخيرة موضوع استمرار الحصار، وذلك انطلاقاً من رغبة طلاب جامعة جورجتاون بمعرفة كيفية تعايش طلاب غزة مع هذا الوضع. وعادة ما ينطوي مؤتمر الفيديو على حوار يتجاذب أطرافه الطرفان، ولكن في أكثر الأحيان، يستمع طلاب جامعة جورجتاون، الذين درسوا القضايا بإسهاب في الفصول الدراسية، باهتمام شديد لأقرانهم الذين يقدمون إحصاءات دقيقة ومقالات واقعية. وقالت بلقيس، الطالبة في كلية الطب في غزة: “تحاول وسائل الإعلام الرئيسية تصويرنا كإرهابيين في غزة، وأن كل ما نجيد فعله هو صنع القنابل. ونسعى من خلال سرد قصصنا وتسليط الضوء على التحديات التي نواجهها في حياتنا الشخصية، إلى إطلاع الآخرين على واقع عيشنا وتغيير الأفكار الخاطئة التي يروجها الإعلام عنا”.

وكان من بين المواضيع التي استفسر عنها طلاب جورجتاون، المقاومة السلمية، وإذا ما كان أحد الشباب المجتمعين قد شارك في هذا النوع من الاحتجاج في محاولة لكسر الحصار المفروض على غزة، حيث أجابوا بالقول: “إن مجرد تمكننا من إيصال أصواتنا عبر هذه الحواجز يمثل وسيلة للتعبير عن نضالنا المستمر ومناداتنا بحقوقنا التي سلبت منا. ويمثل حديثنا معكم الآن كسراً للحصار المفروض على غزة”.

وتوشك دانة على التخرج ونيل درجة البكالوريوس في الثقافة والسياسة من جامعة جورجتاون في قطر، وترغب بمواصلة دراستها لتصبح أستاذة جامعية ذات يوم. ولم تقرر بعد مجال الدراسة الذي ستسلكه، ولكنها واثقة بأنها غير مهتمة بدراسة حل النزاعات. “لم أبدأ بهذا المشروع لأنني أردت أن أساهم في عملية السلام، بل ينحصر اهتمامي بالجانب الإنساني، وفهم كيفية تعامل الناس مع هذه التحديات الكبيرة، ومدى تأثيرها عليهم من الناحيتين الشخصية والثقافية”.

وتعتزم دانة خلال الفصل الدراسي المقبل، تدريب متطوع أصغر سناً منها من أجل ضمان استمرار البرنامج الذي نال إعجاب واهتمام الحرم الجامعي الرئيسي في واشنطن العاصمة، حيث طلب من دانة تكرار التجربة ذاتها هناك. وإلى أن يتمكن الطلاب من الالتقاء شخصياً، سيكون المؤتمر الافتراضي هو المنصة الوحيدة التي ستجمعهم معاً مرة أخرى.