شباب متميزون: طلاب السنة الأخيرة في جامعة جورجتاون

شباب متميزون: طلاب السنة الأخيرة في جامعة جورجتاون

مع ارتفاع درجات الحرارة واقتراب فصل الصيف، يخطِّط الكثيرون في الدوحة لعطلة الصيف الطويلة. ولكن يوم 10 مايو 2014، سيتخرَّج 47 طالبًا وطالبة في جامعة جورجتاون في قطر، المؤسسة التعليمية المرموقة، وهم يخططون لمستقبلهم. إنه لتحول كبير في حياة أي شاب أو شابة، ترسمه لحظة ارتداء الثوب الأسود، التي تبعث في النفس الخوف بقدر ما تبعث فيها السعادة، متبوعة بالخطوات التي يقطعها الطالب لاستلام شهادته. وبالنسبة إلى طلبة السنة الأخيرة جامعة جورجتاون تهامي أبي وخديجة مسعود وسارة المسند ومحمد خليل حرب وفاطمة الملكي، هناك ذكريات كثيرة، وطموحات كبيرة. ورغم أنهم ينتمون لبلدان مختلفة – الجزائر والولايات المتحدة/باكستان ولبنان وقطر- إلا أنهم اتفقوا في اختيارهم للكلية التي يريدون متابعة دراستهم فيها. وقالت الطالبة القطرية فاطمة الملكي، التي تتخصص في الثقافة والسياسة: “كنتُ أنوي الذهاب إلى جامعة نيويورك في الولايات المتحدة، ولكن بعد أول زيارة، قررتُ العودة إلى وطني قطر والدراسة في جامعة جورجتاون قطر. ويُسعدني أني اتخذتُ هذا القرار، لأنني أحببتُ الجو والناس هنا في الجامعة”. وقد استفادت الملكي أكبر استفادة من تلقِّيها تعليمًا عالمي المستوى في وطنها، حيث حازت مقعدًا في جمعية “فاي بيتا كابا الوطنية الأكاديمية”. كما شاركت في نادي “جمعية النساء والتطوير” الموجود داخل الجامعة، الذي نجح في جمع تبرعات بمبلغ 90000 رـيال قطري للتوعية بشأن سرطان الثدي، خلال ثلاث ساعات وفي مناسبة واحدة. كما عملت في توظيف المتطوِّعين لجمعية “علِّم لأجل قطر” وشاركت في تأسيس المطبوعة الطلابية “مجلة ديوان”، حيث كانت رئيسة التحرير لعدة موضوعات.

وفيما تتذكَّر النشاطات التي شاركت بها، تبتسم فاطمة قائلة “كل الدروس فتحت عيني بطريقة مختلفة. وكلما تعلمتُ شيئًا جديدًا، ظننتُ أنني توصلتُ إلى رؤيتي للعالم، ولكنني كنتُ أتعلَّم شيئًا مختلفًا يغيِّر نظرتي السابقة. وقد يكون هذا مخيفًا، ولكنه يعطي دروسًا بالغة الأهمية. أهمُّ ما في الأمر هو أنني تعلمتُ وأنا ما زلتُ طالبة أن أفكِّر بطريقة نقدية”.

لقد كانت المدينة التعليمية اختيار خديجة مسعود الأول، لأنها أرادت أن تتحدى ذاتها. “كانت عائلتي مترددةً بشأن إرسالي من إسلام آباد إلى الولايات المتحدة، لذلك كانت الدوحة الحل المثالي”. ووجدت الطالبة التي تتخصص في السياسة العالمية نفسها تشارك في الأنشطة الرياضية المُنظَّمة لأول مرة بعد انضمامها إلى فريق كرة السلة النسائي الخاص بجامعة جورجتاون قطر، الذي فاز بلقب دوري جامعة حمد بن خليفة لكرة السلة هذا العام. ورغم مواعيد التدريب الصارمة، تمكَّنت من الحفاظ على نتائجها بحيث حصلت على منحة رياضية أيضًا. وخديجة عضو في الجمعية الطلابية لدراسات الشرق الأوسط، ولعبت دورًا فعالًا في نموذج الأمم المتحدة، وشاركت في مشروع برنامج التجارب البحثية لطلبة الجامعات مع الصندوق القطري لرعاية البحث العملي (UREP)، وهي دراسة مولتها مؤسسة قطر للمساحات المدنية في الدوحة تحت عنوان “تصميم الدوحة”.

ولكن إنجازاتها المدهشة في الدراسة والرياضة -حيث سيتم ضمُّها إلى جمعية “فاي بيتا كابا الوطنية الأكاديمية”- لم تشوِّش رؤيتها للجامعة: “من المهم أن نتذكَّر أن الشهادة الجامعية لا تحدِّد هويتنا بقدر ما نعتقد. ما من شك في أن الشهادة مهمة، ولكن يجب على المرء أن يتطور خارج الجامعة، وفي مجالات تتجاوز موضوع تخصصه. يعتقد الكثير من الشباب أن عليهم معرفة ما يريدون من حياتهم في سن الثامنة عشرة، ولكن الوقت مُتاح دائماً لاتَّخاذ القرارات”.

ويصف محمد خليل حرب يومه الأول في جامعة جورجتاون، أثناء الجلسة التعريفية للطلبة الجدد، بأنه مربك، ويضحك اليوم حين يتذكره ويقول: “كانت أول مرة أتعرَّف فيها إلى أشخاص من هذا العدد من البلدان في لحظة واحدة. ولا أنكر أني كنتُ خائفًا قليلًا في البداية، فالتحوُّل كان جديدًا عليّ. ثم تعلمتُ أن أنسجم مع المحيط وأستمتع بوجودي هنا!”. واليوم، لا تبدو علامات الخوف والارتباك في إنجازات هذا الطالب الذي تخرَّج بمرتبة الشرف في مجال تخصصه، الثقافة والسياسة، بعد كتابته أطروحة من 155 صفحة بعنوان: “العيش وتخيل المساحات المدنية: حالة بيروت”.

وقد انضم محمد بدوره إلى جمعية “فاي بيتا كابا الوطنية الأكاديمية”. وسافر إلى كمبوديا وألمانيا وبولونيا وأيرلندا الشمالية خلال رحلات تعليمية في جامعة جورجتاون، وهي من الطرائق التعليمية المتميزة في الجامعة وترمي إلى التعلُّم بالتجربة. كما لعب دورًا فعالًا في برنامج “نموذج الأمم المتحدة”، حيث انتُخِب أمينًا عامًا ورئيسًا للمجلس، ما جعله يسافر إلى دول عديدة أيضًا. كما نشر مقالًا في المطبوعة التي أطلقتها الجمعية الطلابية لدراسات الشرق الأوسط مؤخرًا، ثم عاد ليدرِّس في جامعة جورجتاون قطر. ونصيحة محمد للطلبة الذين يبدؤون دراستهم الجامعية هي “جهِّزوا أنفسكم للتغيُّر”.

أما طالب الاقتصاد العالمي، تهامي آبي، فلا ينمِّق كلماته لدى الحديث عن مسؤولية طلبة الجامعة: “إذا كان هناك طالب لا يرغب في الدراسة هنا، ولكنه يبقى هنا، فهو يأخذ مكان شخص يمكنه الحصول على المعرفة ومساعدة العالم”. يستقي تهامي كلامه من السنوات الأربع التي غيرت نظرته إلى العالم بشكل جذري. “في السنة الأولى، ذهبنا إلى بنغلاديش لندرس كيفية تطبيق مشاريع التمويل الصغيرة. وبدا لنا أنها ناجحة جدًا. ولكن، في السنة الرابعة، وبعد العديد من دروس التطوير، وبعد أن تعلمتُ كيف أقيِّم برامج كهذه، أدركتُ أن هذا النوع من المشاريع ليس ناجحًا كما تعلمنا. كان الأمر مخيبًا للآمال، ولكن في الوقت نفسه، تعلَّمتُ كثيرًا في تلك اللحظة التي جعلتني أدرك أن الحياة معقَّدة، وأن علينا ألّا نقف عند أول علامة على النجاح. علينا أن نتعمَّق في البحث والتقييم باستمرار، فالنوايا الحسنة لا تكفي”.

شارك تهامي في الحكومة الطلابية، وكان عضواً في فريق جامعة جورجتاون قطر لكرة القدم، كما كان عضوًا في كل من جمعية “فاي بيتا كابا الوطنية الأكاديمية” ومجلس الشرف، ما يدل على تفانيه وامتيازه العلمي. بالإضافة إلى ذلك، نال جائزة شرف وهي جائزة أبو حامد الغزالي، والتي تمنح من الهيئة التدريسية لأحد الطلّاب.

“لقد كنتُ محظوظًا بأن أتلقى تعليمًا رفيع المستوى، يجعلني مستعداً لمواجهة التحديات، ولكن هذا لا ينطبق على معظم الشباب في العالم العربي. فثمة ثغرة كبيرة بين ما تقدمه الجامعات العربية على صعيد التعليمي، وبين ما يحتاجه الشباب العربي”. يأمل تهامي أن يحصل على شهادة الماجستير ويعود إلى الجزائر، كي يتمكَّن من تطبيق ما تعلمه على تحديات التنمية في وطنه.

تقدِّم جامعة جورجتاون فرصًا متعددة للتدريب على سبيل التهيئة لسوق العمل. ولكن بالنسبة للطالبة القطرية سارة المسند، فقد ساعدتها دورة تدريبية أجرتها في أحد البنوك على إدراك ما لا ترغب في فعله أبدًا. “كنتُ أجلس إلى مكتب من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة بعد الظهر، أراجع الأرقام طيلة اليوم. وقد نصحني أحدهم بأن أعمل في الاستثمار أو التمويل، ولكن بعد الفترة التدريبية، أدركتُ أن ذلك لا يناسبني؛ فأنا أريد العمل على الأرض بين الناس. وقد أدركت أنني أحب العمل مع الآخرين عندما كنتُ طالبة، ما شكل نقطة تحول في معرفتي لما أريد فعله في حياتي”.

شغلت سارة – التي انضمَّت إلى “جمعية الشرف الوطنية اليسوعية” (Alpha Sigma Nu) و”جمعية الشرف للعلوم السياسية” (Pi Sigma Alpha) – مقعدًا في مجلس إدارة نموذج الأمم المتحدة لمدة عامين، كما شغلت منصب نائب رئيس اتحاد الحكومة الطلابية. وكانت أيضًا عضوًا في نادي الأمل، وعملت على توظيف المتطوعين لمبادرة “علِّم لأجل قطر”، ومحلِّلة لصندوق استثمار الطلبة، وأمينة الصندوق لنادي “أفضل الأصحاب” للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، ومحررة لمجلة ديوان. كما كانت سارة واحدة من خمسة طلبة يفوزون بجائزة رئيس جامعة حمد بن خليفة، وهي شهادة وميدالية تكريمية للأداء العام.

“بوصفي فتاة قطرية استفادت من استثمار وطنها في المدينة التعليمية، تقع على عاتقي مسؤولية إنجازات عدة، ويجب أن أنجزها بسرعة، وقد يؤدي ذلك أحيانًا إلى إحباط الطموح وتثبيط الهمَّة. ولكن مع الدعم المناسب، يشكل ذلك دافعًا كبيرًا أيضًا. إن ما يميز جامعة جورجتاون قطر، هو جو المنافسة الإيجابية. فالجميع يبذلون ما بوسعهم في سبيل النجاح. وقد ساعدني وجودي في تلك البيئة على الإنجاز والاستفادة من مقدراتي بأقصى درجة”. إن طموحها سيأخذها إلى كلية لندن الجامعية UCL بعد التخرج لتحصل على شهادة الماجستير في الإدارة، وتؤكد أن لا حدود لطموحها بعد ذلك.

تشهد جامعة جورجتاون قطر – التي تقدم منهجًا حرًا مدته أربع سنوات بتخصصات في السياسة الدولية والاقتصاد الدولي والثقافة والسياسة بالإضافة إلى التخصص الذي أُسِّس مؤخرًا في التاريخ الدولي- ازديادًا سنويًا في أعداد الملتحقين بها. وسوف يتخرج من الجامعة هذا العام 19 شابًا و28 شابة من 17 دولة في حفل يُقام في مركز قطر الوطني للمؤتمرات. وسينضم تهامي وخديجة وسارة وفاطمة ومحمد إلى 168 خريجًا قُبِلوا في هذا الفرع من الجامعة منذ تأسيسه في المدينة التعليمية عام 2005، وهم جمعياً يحملون خططًا كبيرة للمستقبل. وبكلمات فاطمة الملكي: “لن تكون هناك أية استراحات بعد التخرج، فالحياة تتحرك باستمرار”.