السياسة الهندية الإيرانية: مفترق طرق

السياسة الهندية الإيرانية: مفترق طرق

استضافت كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون في قطر مؤخراً الدكتور فيجاي براشاد لإلقاء محاضرة مميزة خصصت لأعضاء الهيئة التدريسية تحت عنوان “السياسة الهندية الإيرانية: بين أولوية الحفاظ على العلاقة الأمريكية وأهمية المصالح الإقليمية”.

يشغل الدكتور براشاد منصب أستاذ كرسي جورج ومارثا كيلنر في تاريخ جنوب آسيا وأستاذ الدراسات الدولية في كلية ترينيتي بولاية كونيتيكت في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد ألف أكثر من أربعة عشر كتاباً، فضلاً عن كونه مساهماً منتظماً في مجموعة متنوعة من المجلات والصحف الدولية.

وينبع تركيزه على موضوع العلاقات بين الهند وإيران، كما ورد في هذه المحاضرة المتميزة، من اهتمامه العميق بدراسة تاريخ العالم النامي. وقد نال كتابه بعنوان “الأمم الأكثر ظلاماً: تاريخ شعوب العالم الثالث” (نشرته دار “نيو بريس” للنشر، غلاف عادي، 2008)، لقب أفضل كتاب واقعي لعام 2008 من قبل “ورشة عمل الكتاب الأمريكيين من أصل آسيوي”، وفاز بجائزة مظفر أحمد للكتاب لعام 2009. وفي كتابه الجديد المرتقب تحت عنوان “الأمم الأفقر: تاريخ محتمل لدول جنوب الكرة الأرضية” (دار “فيرسو وليفتوورلد” للنشر، 2013)، يغوص براشاد عميقاً في الجدل الكبير الدائر حول مسألة التنمية. وقد تحدث الدكتور براشاد عن منشوراته قائلاً: “قادني مساري البحثي نحو فهم طبيعة التنافس التنموي في القرن العشرين بين الشمال والجنوب من جهة، والنموذج التقليدي بين الغرب و’العالم الثالث‘ من جهة أخرى”.

ويتتبع براشار في كتابه الجديد مراحل ظهور مجموعة دول البريك (البرازيل، روسيا، الهند، والصين)، وبحثها عن خارطة طريق جديدة تختلف عن مسار “خارطة الطريق الأمريكية” للتنمية. ويقول في هذا السياق: “تمثل الازدواجية نهج عمل الكثير من البلدان”. وهذه الازدواجية، كما شرح في محاضرته، تعد بمثابة مفترق طرق تجد فيه القوى الناشئة حديثاً موطئ قدم لها. وأضاف: “تدير هذه الدول سياساتها الخارجية بناءً على الافتراض بأن الولايات المتحدة، على الرغم من كونها لم تعد القوة الاقتصادية العظمى، ستبقى القوة العسكرية المهيمنة في العالم. وفي الوقت نفسه، فإن هذه البلدان تحاول عدم إغفال الدور المهم الذي تلعبه السياسة الإقليمية”.

ويلعب هذا الصراع بين روايتي السياسة الخارجية والدبلوماسية، دوراً متزايد الأهمية في الخطاب السائد المتعلق بالشؤون الجيوسياسية والعالم النامي. من جهته، شدد غيرد نونيمان، عميد كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون في قطر، على أهمية فهم العلاقة بين المصالح الإقليمية للدول والعلاقات الدولية لهذه القوى الناشئة، حيث قال: “لقد أدت التحولات المحورية الأخيرة في ميزان القوى الاقتصادية إلى دخول الاقتصادات الصناعية الناشئة على خط المنافسة. وستواصل هذه البلدان النامية لعب دور مهم ومؤثر على مستوى الشؤون الإقليمية والعالمية”.

وتحدث الدكتور براشاد في محاضرته عن حالة العلاقة بين الهند وإيران، بوصفها نموذجاً لهذا الصراع الداخلي بين التعاون الغربي وصناعة السياسة التي تحركها عوامل إقليمية. وقال: “من جهة، تتبع الهند ما يمليه عليها الخطاب الأمريكي. ولكن من جهة أخرى، تحاول بناء شبكة علاقات إقليمية مع كل من أفغانستان وباكستان وإيران”. وذكر بأنه على الرغم من الدور المهم الذي تلعبه العلاقات الدولية في السياسة الخارجية الهندية، إلا أن المتطلبات المحلية على المستويين السياسي والاقتصادي، تعد ذات أهمية كبيرة أيضاً. وقال: “لا تزال إيران، رغم خلافها مع الغرب، تشكل جزءاً أساسياً من حسابات الهند المستقبلية، حيث تمثل سوقاً محتملة للنفط الهندي. وهنا تكمن المعضلة بالنسبة للهند”.

واختتم الدكتور براشاد بالقول: “يبدو أن التركيز على المصالح الإقليمية هو السبيل الأساسي للنجاح في المستقبل، ولكن الوصول إلى هناك سيكون شاقّاً ومليئاً بالصعوبات”. وأشار إلى أن المواقف والنظم المؤسساتية، ستظل معلقة بالنموذج الذي يركز على العلاقة مع الغرب. وتظل الرهانات مرتفعة بالنسبة لجميع اللاعبين الناشئين المعنيين، ولكن بالنسبة للهند، فإن النجاح المستقبلي سيبقى تحدياً سياسياً مع استمرار وقوعها بين المصالح المتنافسة غالباً. واقتبس خلال محاضرته حديث أحد كبار المسؤولين الحكوميين في الهند، الذي لخص بشكل حاذق حالة العلاقات الهندية مع الغرب ومع إيران، بالقول: “نحن غير قادرين على التوفيق بين كلتا العلاقتين، ولكننا لم نفشل بعد في تحقيق أهدافنا المرجوة منهما”.