محاضرات توماس لـ. فريدمان حول العالم المسطح 3.0
ألقى توماس فريدمان، الكاتب المتخصص بالعلاقات الخارجية في صحيفة نيويورك تايمز، محاضرةً متميزة بعنوان “العالم مسطّح 3.0” في مركز الدراسات الدولية والإقليمية. وهي امتداد لأفكار نشرها في كتابه الصادر عام 2005 “العالم مسطح: موجز تاريخ القرن الحادي والعشرين”، وحضرها أكثر من 1400 شخص في فندق فورسيزنز.
بدأ فريدمان المحاضرة بتوضيح مقصده بقول إن “العالم مسطّح”. وروى أنه استخدم ذلك التعبير المجازي حين زار بنغالور وأدرك مدى انتشار “التعهيد” كاستراتيجية عمل في الهند. تمكنت الهند عبر تقنيات الاتصالات والإنترنت من تخديم والتواصل مع مئات الشركات حول العالم. ويذكر فريدمان أنه ذلك هو المكان الذي سمع فيه لأول مرة تعبير “الملعب الاقتصادي العالمي تتم تسويته”، وأوضح أن ذلك التعبير شكّل العامل الملهِم للعمل على كتابه.
أشار فريدمان إلى حدوث ثلاثة أنواع من العولمة عبر التاريخ. امتد النوع الأول “العولمة 1.0” من عام 1492وحتى القرن التاسع عشر. حيث أدّت تقنيات النقل، والمشاريع الاستعمارية، والمعرفة الجغرافية إلى “تقليص العالم” من ناحية الانتشار الجغرافي، معبِّدة الطريق أمام تجارة عالمية دائمة. وحسب فريدمان كان” العامل الرئيسي في تلك الفترة هو عولمة الدول بغرض التوسع الامبراطوري، أو البحث عن الموارد، أو السلطة”.
بدأت المرحلة الثانية من العولمة والتي عنونها بـ”العولمة 2.0” مع بدايات القرن العشرين وانتهت مع نهاياته. يقول فريدمان: “قادت الشركات الكبرى تلك الحقبة من العولمة، في سعيها إلى عولمة الأسواق، والعمالة، والموارد.” وأمعنت التحركات المتعلقة بتلك الفترة في إلغاء الحدود العالمية، والتجارية، والروابط العابرة للثقافات.
وبدأت المرحلة الثالثة، والراهنة، للعولمة حوالي العام 2000. وأشار فريدمان إلى أن “الأمر الجديد والمثير والمخيف حقاً في هذه الحقبة هو تمحورها حول الأفراد. كان الجديد حقاً في هذه الحقبة هو قدرة الأفراد على التنافس والتواصل والتعاون عالمياً كأفراد.” ومن شأن ذلك، كما قال، أن يمنح فرصاً متساوية للجميع في المشاركة.
تحدث فريدمان عن عدة “عوامل تسطيح” مكّنت من حدوث العولمة الراهنة. كان أولها اختراع الكمبيوتر الشخصي، الذي “أتاح للأفراد، لأول مرة في التاريخ، التعبير عن أنفسهم” في صيغة رقمية. وثانيها هو ما حدث في 9 اغسطس 1995، حين انتشر مستعرض Netscape إلى العلن مستهلاً ما بات يعرف بـ”دويّ الـ دوت كوم”. وهو ما أطلق، حسب فريدمان، “فقاعة الـ دوت كوم” التي رسخت البنية التحتية المطلوبة للوصول إلى الإنترنت على نطاق عالمي. ولحق ذلك ثورة في الاتصال كأحد “عوامل التسطيح” بدوره. وحين أصبح الكمبيوتر تكنولوجيا رائجة، كثرت أنواع البرامج المشغلة له وتضاربت فيما بينها، مما أضعف سير العمل. على أية حال، حين تم تبسيط بروتوكولات الإرسال، “جعل ذلك كل كمبيوتر قابلاً للتشغيل” وأتاح للناس التعاون معاً على نطاق عالمي في نفس المشاريع دون معوقات.
وأوضح فريدمان أنه باجتماع “عوامل التسطيح” تلك، ظهرت قوة تأثير الثورة الرقمية: حيث أصبح بمقدور الفرد إنشاء محتوى رقمي، ورفعه إلى الانترنت، والاستعانة بأشخاص آخرين من بلاد أخرى. لم تعد عجلة الانتاج هرمية الطابع، بل أصبح بمقدور الأفراد الإبداع والتعاون في شبكات لامركزية. تعني “الأفقيّة” الانتقال من مفهوم المعرفة التراكمية إلى وضعية أكثر مرونة عبر تحفيز قوة الدماغ وشبكات التواصل التشاركية حول العالم. في العالم المسطح: “علينا أن نتعلم سياسة الأفقية، وأن نستفيد من هذه المنصة” بهدف الحصول على إنتاجية أكبر. وأكد فريدمان أن هذا الانتقال، من العمودية إلى الأفقية، “هو التحول الأهم في تاريخ التفاعل البشري منذ اختراع الصحافة المطبوعة على يد جوتنبيرغ”.
وفي معرض حديثه حول مختلف المهارات الضرورية للنجاح في هذا العالم المسطح، أشار فريدمان إلى أن أولى تلك المهارات هو الالتزام بشعار “كل ما يمكن فعله، سيتم فعله”، وبشكل أكثر كفاءة. أما المهارة الثانية فهي إدراك أنه “في عالم مسطح، إنما يكمن التنافس الأكبر، بين المرء ومخيلته”. وأوضح فريدمان أن “إحدى أهم مهارات البقاء في عالم مسطح، وربما أكثرها أهمية بالنسبة للطلاب، هي القدرة على تعلّم كيف نتعلّم” وتتزايد أهمية ذلك، كما قال، بسبب “زوال صلاحية ما نعرفه الآن بسرعة أكبر بكثير من ذي قبل، لذلك فالمهم في الواقع لا ما نتعلم، بل قدرتنا على تعلُّم كيفية التعلم.”
في عالم رقمي، اختتم فريدمان، يمكن مشاركة المعلومات عن أي شيء أو أي شخص مع الجميع. وأوضح أنه “في عالم يمكن فيه للجميع أن يكون مشروع مصوّر، أو كاتب، أو صحفي، أو صانع أفلام، يمكن للجميع أن يكونوا شخصيات عامة.” ما يعني تزايد أهمية “كيف” يتصرف الأشخاص، حيث سيكون ثمة سجلات رقمية لكل ما يفعلون.
سأل أحد الحضور خلال فترة الأسئلة في نهاية المحاضرة “كيف تمكن المشاركة للجميع في هذا العالم المسطح في الوقت الذي تحرم فيه نسبة كبيرة من الناس إمكانية الوصول إلى الانترنت؟”. وأجاب فريدمان عن تلك النقطة بالقول إن عالماً مسطحاً لا يعني المساواة، لكنه يساعد في تسوية الملعب الاقتصادي لأولئك المشاركين فيه.
وفي وقت سابق من اليوم، دعي فريدمان إلى زيارة حرم جامعة جورجتاون قطر حيث تحدث بشكل غير رسمي إلى مجموعة من طلاب وأعضاء هيئة تدريس، وطاقم عمل جامعة جورجتاون.
حاز فريدمان ثلاث جوائز بولتيزر عن عمله كصحفي. ويعد كتابه الأخير “ساخن، مسطّح، ومزدحم: لماذا نحتاج إلى ثورة خضراء – وكيف يمكن إعادة تجديد أمريكا” (سبتمبر 08)، الكتاب الأكثر مبيعاً ضمن كتب “نيويورك تايمز”.
ومن كتبه السابقة:” العالم مسطح”، و”خطوط الطول والمواقف الدولية: العالم في زمن الإرهاب”، “سيارة اللكزس وشجرة الزيتون”، و”من بيروت إلى القدس” الذي حاز على جائزة الكتاب الوطنية. ويظهر في موقعه الخاص “تومز جورنال”، وفي “نيوز آور مع جيم ليهرر” ويستضاف باستمرار في برامج مثل “تشارلي روز ومواجهة الأمة”. ومن أفلامه التلفزيونية الوثائقية: “البحث في جذور الحادي عشر من سبتمبر”، و”الوجه الآخر للتعهيد” ، و”الإدمان على النفط”.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليم