مايكل نيلسن يحاضر عن التحضير للثورة الرقمية القادمة
قام مركز الدراسات الدولية والإقليمية بالشراكة مع شركة الاتصالات القطرية بتنظيم محاضرة في 12 أبريل 2010، قدمها مايكل نيلسن، وهو الأستاذ الزائر لدراسات الإنترنت في برنامج الاتصالات والثقافة والتكنولوجيا في جامعة جورجتاون. يعد نيلسن خبيراً في مجالات الأعمال والثقافة والتكنولوجيا، وقد ألقى محاضرته أمام 450 شخصاً حول “السحابة وتدفق المعلومات وإنترنت الأشياء – التحضير للثورة الرقمية القادمة”. قدم نيلسن لمحة عامة عن مستقبل الإنترنت عبر الخوض في القرارات السياسية والتكنولوجية والأعمال والتي تشكل الكيفية التي سيتم استخدام التكنولوجيا بها.
اعتمد نيلسن على خبراته في العمل لصالح حكومة الولايات المتحدة، ومساهمته في حملة أوباما بشكل خاص، من خلال تسليط الضوء على الاستخدام الاستراتيجي للكلمات لصياغة مبادرات معينة أو إفشالها. وقال إن اللغة يمكن أن تستخدم تكتيكياً لتشكيل القرارات السياسية. وبغية التفكير في مستقبل الحوسبة والإنترنت، شارك نيلسن الجمهور، إحدى عشرة كلمة أساسية تلخص الخطاب. وكانت الكلمة الأولى التي عرضها “الشعب”، وقال “إنها أهم كلمة لأنها هي من تحدد كيفية تطور التكنولوجيا”. إن تطور الأجهزة والبرمجيات الجديدة المستخدمة في الحوسبة ينمو بمعدل متسارع ومتجاوزاً السرعة التي يتعلم بها الناس استخدام هذه التكنولوجيا. وتوجد حالياً فجوة متزايدة بين تقدم التقنيات الجديدة وبين قدرة الناس على تشغيلها.
أما الكلمة الثانية التي عرضها فكانت “الرؤية”، وهي تشير إلى نوعية المستقبل الذي يتوقعه الناس للتكنولوجيا. وقال “نحن على أعتاب المرحلة الثالثة من تطوير الإنترنت، وهي مرحلة صعبة الفهم وثورية ومتحولة كما كانت شبكة الإنترنت قبل عشر أو خمسة عشر عاماً”. أما المرحلة التالية فقد تم تعريفها للتو، وأضاف نيلسن “خلال السنتين أو الثلاث سنوات القادمة سوف نتخذ قرارات حاسمة حول كيفية تطور الإنترنت وكيفية استخدامه”. والأهم من ذلك، فإن القرارات التي سيتم اتخاذها في قطاع الأعمال ستفتح آفاقاً جديدة أو ستحد من آفاق موجودة.
انخفضت كلفة التكنولوجيا بشكل كبير من خلال الكلمة الثالثة “السحابة”. يقول نيلسن: “تعد السحابة بالفعل طريقة مختلفة للحوسبة” التي تطورت من خلال المؤسسات الأكاديمية والبحثية التي احتاجت أن تخزن كميات كبيرة من البيانات عن بعد. إن الحوسبة السحابية تنطوي على الاستعانة بمصادر خارجية لطرف أو مزود ثالث. تعتبر الشركات الكبرى مثل مايكروسوفت وجوجل وأمازون رائدة في تطوير هذه التكنولوجيا.
كانت كلمة نيلسن الرابعة “ثوري”، التي تؤكد كيف أن خدمات الحوسبة السحابية هذه ستحدث تغيراً جذرياً في الطريقة التي تتم بها الحوسبة. كانت المرحلة الأولى للحوسبة قائمة على فكرة الحواسب الشخصية التي تعمل بشكل مستقل عن بعضها وفق البرامج والبيانات، أما المرحلة الثانية فقد تطورت عندما تم توصيل الحواسب بالشبكة ومكنت من الاتصال بالعالم، والمرحلة الثالثة والحالية هي السحابة، التي تعني أن الحواسب الشخصية لم يعد من الضروري أن تكون مقيدة ببرامجها وبياناتها الخاصة، بل يمكن تشغيلها عن بعد عبر الدخول إلى بيانات حواسب أخرى. عرف نيلسن طريقة التشغيل هذه بكلمته الخامسة “الكثير – للكثير”.
عرض نيلسن الكلمة السادسة وكانت “الأشياء” التي تشير إلى الارتفاع الحاد في التطبيقات والأدوات التكنولوجية. وقال “لا تخص هذه الكلمة الحواسب والاشخاص فحسب، بل تتعلق بمئة مليار جهاز”. قال نيلسن “في الواقع، ثمة مليون ونصف جهاز كومبيوتر وبضع مئات الملايين من الهواتف الذكية المتصلة بالإنترنت”. بسبب هذه الأدوات، نحن نتعامل الآن مع “تدفق هائل للمعلومات”. وهي الكلمة السابعة البارزة في محاضرة نيلسن، وتشير إلى الازدياد الضخم في كمية البيانات المتاحة عبر الإنترنت. لفت نيلسن إلى “أننا جميعاً نعرف ما هو الميجابايت، وما هو الجيجابايت، ولكن إذا أخذت مليار جيجابايت، عندها يكون لديك إكسابايت”.
أدت هذه الزيادة في كمية البيانات الخام إلى الكلمة الثامنة “التعاون”، التي تشير إلى الطريقة التي يعمل بها الناس معاً لفهم ذلك. “تعد وسائل الإعلام الاجتماعي” بالطبع إحدى التطبيقات الرائدة لتمكين أنواع جديدة من التعاون. وأضاف: بالنسبة للكثير من الأشخاص في سن المراهقة، يعتبر تويتر وفيسبوك بديلاً حقيقياً للبريد الإلكتروني. ما يعتبر ملهماً لـ “المصادر الجمعية”، وهي الوسيلة التي يستخدمها الناس في جميع أنحاء العالم لفرز البيانات. أوضح نيلسن “خلال العشرين سنة الماضية، انتقلنا من ندرة البيانات إلى توفرها بكم هائل. وأضاف: “يعزى وجود الرئيس أوباما في البيت الأبيض إلى هذه التقنيات والسحابة ]…[ فقد استخدمت حملته الانتخابية وسائل الإعلام الاجتماعية لتعبئة مئات الآلاف من الناس للمشاركة في الحملة ولتشجيع ملايين الناس على تقديم المال”.
“الاستهلاكية” هي كلمة نيلسن التاسعة، وهي تعرّف ترقية التكنولوجيا الرقمية في مكان العمل نظراً لأن الناس قد شرعوا بدمج العمل بتكنولوجيا المنزل. يقول نيلسن: “هذا هو الاتجاه الذي نراه حالياً حيث يجلب الناس أدوات متطورة للغاية وتطبيقات برمجية يستخدمونها في المنزل، مثل إمكانات وسائل الإعلام الاجتماعي”.
أما الكلمة العاشرة فهي “التنبؤات” وتشير إلى الرؤية التي يمكن للإنترنت جعلها ممكنة في المستقبل القريب. تمثلت إحدى التنبؤات التي قدمها نيلسن بالآتي: “في غضون خمس سنوات، يمكن لـ 80% من كل الحوسبة والتخزين الذي يتم حول العالم، أن يتم في السحابة”، لكنها على الأغلب ستستغرق عقداً من الزمن. كما تنبأ نيلسن بأنه “خلال خمس سنوات، يمكن أن نصل إلى 100 مليار جهاز ومستشعر على اتصال بالشبكة”، لكن هذا أيضاً سوف يستغرق على الأرجح عقداً من الزمن. لتحدث هذه التغييرات، ثمة حاجة إلى تغييرات جوهرية في الاستخدام التكنولوجي والتحولات الثقافية وتطبيقات السياسة.
تؤدي هذه التغييرات الضرورية إلى الكلمة الحادية عشرة والأخيرة لنيلسن، وهي كلمة “السياسة”. وقال نيلسن إن “السياسة في كثير من الأحيان متأخرة عن التكنولوجيا بما يقدر بخمسة عشرة إلى عشرين سنة، وإذا لم يتم إعداد هذه السياسة بشكل جيد، فبالإمكان أن تدفع كل شيء للوراء. لذا فإن للحكومات دوراً هاماً وحاسماً عليها الاضطلاع به، وأنا سعيد للغاية بالجهود التي تبذلها قطر والحكومة القطرية في هذا المجال.
في ختام هذه المحاضرة قدم نيلسن ثلاثة سيناريوهات لمستقبل الحوسبة. الأول هو “سيناريو السحب” حيث تعمل مجموعة متنوعة من المنظمات على أشكال مختلفة من السحب، باستخدام تقنيات متنوعة غير متوافقة بشكل مقصود. أما السيناريو الثاني فهو سيناريو “السماوات السحابية” حيث تعمل المنظمات المختلفة بتقنيات مختلفة ولكنها متفقة حول الطرق التوافقية. أما الاحتمال الثالث والذي يعد مرغوباً أكثر من غيره فهو سيناريو “السماوات الزرقاء” حيث تدير منظمات مختلفة السحب المتنوعة، وتستخدم جميعها معايير مشتركة تجعل من المرونة والتوافقية الأساس. أخيراً قال نيلسن: “لقد قطعنا حتى الآن أقل من 15% من هذا التغيير الذي لا يصدق” وهذا الأمر متروك للمستخدمين للمطالبة بالتغييرات التي يودون أن يرون تحققها في المستقبل.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.