محاضرات عبد الله العريان حول جماعة الإخوان المسلمين
ألقى عبد الله العريان أستاذ التاريخ المساعد في كلية الشؤون الدولية بجامعة جورجتاون قطر، محاضرة ضمن سلسلة الحوارات الشهرية التي ينظمها مركز الدراسات الدولية والإقليمية بعنوان “من الثورة إلى الإنقلاب: مصر والإخوان المسلمون” وذلك بتاريخ 7 أكتوبر 2013.
كدليل على أهمية مصر في العالم العربي، قال العريان: “لكل ما يحدث في مصر تأثير هائل على نتائج التحركات عبر المنطقة بأسرها. ونحن نشهد بالفعل نتائج ما حدث في أماكن مثل تونس وسورية وفلسطين وغيرها”. لذا فقد تناول العريان ثلاثة نقاط: أولها أنه تتبع مسار جماعة الإخوان المسلمين على مدى العقود الأربعة الماضية من تاريخها. ومن ثم قام بتقييم تأثير التاريخ على أداء وقرارات جماعة الإخوان المسلمين على مدار السنوات القليلة الماضية في مصر. وأخيراً، طرح بعض السيناريوهات المحتملة لمستقبل الجماعة ومكانتها في مصر سياسياً واجتماعياً.
وبعد أن سرد العريان بعض المعلومات الأساسية عن الجماعة، أشار إلى أنه على الرغم من أن جماعة الإخوان المسلمين قد تأسست منذ خمسة وثمانين عاماً على يد حسن البنا، إلا أنها لم تتعرض إلا للقليل من التحولات الأيديولوجية والتنظيمية على مدى هذه السنوات. وفي عهد الرئيس أنور السادات في سبعينيات القرن الماضي، بدأت مصر حقبة جديدة من التحرر السياسي والاقتصادي، ما أدى إلى تحول السلطة من القوات المسلحة إلى طبقة حضرية جديدة هي الطبقة الوسطى. تركزت القاعدة الشعبية الحاضنة لجماعة الإخوان المسلمين في ريف مصر، لكن، وبحسب العريان، “أثناء إعادة تشكيل الجماعة، توجهت قيادة الجماعة المخضرمة إلى هذه الفئة الاجتماعية الناشئة والتي كانت تزداد انتماء إلى الطبقة الوسطى فضلاً عن ازدياد تحضرها ومهنيتها وورعها إلى حد ما وذلك بسبب الشعور بالإحباط وخيبة الأمل نتيجة الإخفاقات التي حدثت في عهد عبد الناصر”. بدأ عصر الجماعة الحديث مع اقتران النشاط الإسلامي بالاهتمامات العملية والبراعة الاقتصادية. وفي هذه الآونة عمل الإخوان على تبسيط رسالتهم للتغلب على تزايد تشرذم الشعور تجاه الهوية الإسلامية، ولتحدي صعود الحركات المنافسة التي حاولت ملء الفراغ الذي أحدثته الصراعات على السلطة في مرحلة ما بعد الاستعمار. ويوضح العريان: خلال هذه المرحلة من تاريخها، “بدأت جماعة الإخوان المسلمين ببطء الانخراط مع المجتمع بشكل مباشر، وإلى حد ما مع الدولة أيضاً”.
لحماية مصالحها المكتسبة، ولعدم رغبتها بتهديد الاتفاقات الضمنية التي أبرمتها مع نظام مبارك على مدار سنين حكمه، عملت جماعة الإخوان المسلمين بحذر عندما تعلق الأمر بمشاركة سياسية صريحة، وفضلت البقاء على هامش ثورة عام 2011. وبرأي العريان “لم تكن حركة ثورية، بل هي حركة إصلاح”، ويتضح ذلك من خلال تحفظ الجماعة على الانضمام إلى ثورة المجتمع المدني في مصر في المراحل المبكرة من الاضطرابات. يقول العريان: “بعد ذلك بثلاثة أيام فقط، عندما أخذ زخم الثورة بالتعاظم، ارتأت القيادة التراجع عن قرارها السابق وقررت إغراق ميدان التحرير بمؤيديها الذين لعبوا دوراً هاماً للغاية في أكبر الاشتباكات التي حدثت بينهم وبين قوات الأمن التابعة لمبارك”. وبعد سقوط نظام مبارك، “واجهت جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب ملايين المصريين خياراً في غاية الأهمية: هل يدعمون الانتقال إلى حكومة جديدة تم وضعها من قبل القوات المسلحة، أم أنهم يطالبون بعملية تغيير ثوري حقيقي من خلال معارضة كل محاولات الجيش لفرض خارطة الطريق للمرحلة الانتقالية التي تلت ذلك؟” وعندما تولى مرشح الإخوان محمد مرسي منصب الرئاسة، وعلى الرغم من بعض اللفتات الرمزية لإرضاء العامة، إلا أنه لم يقم بتغييرات كبيرة حيال وضع الحكم الراهن. ويشير العريان إلى أن “أهم المؤسسات – البيروقراطية، والقضاء، والشرطة، والمخابرات وأهم الوزارات – قد واصلت عملها ’كالمعتاد’ مع بضع تغييرات تجميلية فقط”.
على الرغم من أن لجماعة الإخوان تاريخ ناجح في تنظيم المؤسسات الأهلية القاعدية على مستوى المجتمع المحلي، إلا أنها افتقرت لكل أشكال الخبرة عندما تعلق الأمر بالكفاءة الاقتصادية والسياسية اللازمة لإدارة أمة بأكملها. لذلك، وخلال فترة وجود الإخوان في السلطة خضعت الجماعة لاستبداد القوات المسلحة ونأت بها عن الاتهامات على الرغم من الانتهاكات التي ارتكبت خلال الانتفاضات، ولضمان ألا يتحملوا مسؤولية ما حدث على الرغم من الوسائل غير الديمقراطية وغير الشفافة المستخدمة في العملية. كل ما سبق، أدى في نهاية المطاف للسماح للقوات المسلحة بمواصلة سيطرتها وتراجع الجماعة، وبحسب العريان “فقد ساعدت جماعة الإخوان المسلمين على خلق المناخ الذي مكن وزير الدفاع وقائد الجيش من الانقلات على الرئيس المنتخب”.
في الختام ناقش العريان أنه بعد فترة وجيزة من استلام السلطة أصبحت جماعة الإخوان المسلمين مرة أخرى كياناً منبوذاً، سجن قادتها، ودمرت مؤسساتها، وصودرت موجوداتها وأغلقت وسائل إعلامها. وكفكرة أخيرة، افترض العريان “أن رغبة الدولة في القضاء على جماعة الإخوان المسلمين ستؤدي إلى نتيجة غير مقصودة تتمثل بتمكين فلول الجماعة من تطوير وسائل بديلة للتنظيم والتعبئة، مع تركيز خاص على جيل الشباب”.
نال عبد الله العريان شهادة الدكتوراه في التاريخ من جامعة جورجتاون، وقد تناولت أطروحته جماعة الإخوان المسلمين في مصر خلال فترة السبعينيات. وهو حاصل على درجة الماجستير من كلية لندن للاقتصاد والبكالوريوس من جامعة ديوك. ولديه أيضاً مساهمات متكررة على شبكة الجزيرة الإنكليزية وموقعها الإلكتروني، وهو مؤلف كتاب سيصدر قريباً تحت عنوان: تلبية النداء: النشاط الإسلامي الشعبي في مصر، 1968 – 1981، وسوف يصدر عن مطبوعات جامعة أكسفورد في أوائل الربيع المقبل.
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.