محاضرة لأوله ويفر حول الأمن في عالم ما بعد الغرب
قام أوله ويفر، أستاذ العلاقات الدولية في قسم العلوم السياسية بجامعة كوبنهاجن، ومدير مركز تسوية النزاعات الدولية، بإدارة حلقة نقاش ضمن سلسلة الحورات الشهرية لمركز الدراسات الدولية والإقليمية وذلك بتاريخ 27 أكتوبر 2014 حول موضوع: “الأمن العالمي في مرحلة ما بعد الغرب”. في بداية المحاضرة، أشار ويفر إلى أنه حين تتغير الأحداث العالمية بشكل سريع وجذري، فمن المهم دوماً فهم أساسيات نظريات العلاقات الدولية، بصرف النظر عن قدم الفكرة كما قد تبدو. ويعد فهم “الإطار العام” للأفكار من أبجديات العلاقات الدولية، من حيث ارتباط بلد بآخر وما نوع العلاقات التي تحكم هذا الارتباط ضمن النظام الدولي.
ومن خلال عرض خلفية الموضوع التاريخية، أوضح ويفر أن لفكرة “القوة العظمى” الوحيدة جذور ضاربة في التاريخ الأوروبي، وتعود أصولها إلى الزمن الذي كانت فيه أوروبا مركز الأحداث العالمية، لاسيما خلال فترة الاستعمار وصولاً إلى الحرب الباردة. ومع ذلك،
فمنذ نهاية الحرب الباردة، لا يزال النقاش محتدماً حول أي النظم السياسية الدولية قد حل محل النظام التقليدي القديم ثنائي القطب. كما شهدت تلك الفترة عدداً كبيراً من التحولات بخصوص المشاركات العالمية. وقد حاولت الأمم منذ ذلك الحين التكيف مع التحول الجديد ومع تراجع الأيديولوجيات العالمية القوية مع قيامها بإعادة بناء الولاءات الأمنية في إطار فراغ السلطة. ويناقش ويفر فكرة أننا نحيا حالياً ضمن نظام مختلف بشكل جذري عن العالم السابق ثنائي القطب الذي تجابهت فيه قوى عملاقة مع بعضها. لذلك فالسؤال المطروح هو كيف استطعنا الوصول إلى هذه المرحلة لنجد أنفسنا في فترة ما بعد الحرب الباردة، أو ما وصفها بأنها فترة ما بعد الغرب؟ ولعل الجواب يكمن فيما سيأتي في مرحلة ما بعد الثنائية القطبية: هل سنشهد مرحلة القطب الواحد أم مرحلة التعددية القطبية؟ أم أنها لن تكون كذلك على الإطلاق؟
شهدت فترة ما بعد الحرب الباردة صعود الولايات المتحدة المنتصرة ايديولوجياً من حيث السلطة والنفوذ الممتد في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن أحداث الماضي القريب تؤكد أن الولايات المتحدة لم تعد قادرة على امتلاك السلطة بالاعتماد على السوق وحدها أو على القوة العسكرية فقط. وقد شهدت الفترة حوالي عام 2005 نقطة تحول حين بدأت علامات الوهن بالظهور على نهج المركزية. كما أثبتت حربا العراق وأفغانستان ضعفاً واضحاً في الاستراتيجية وتشابههما من حيث فشل الولايات المتحدة في فرض هيمنتها. علاوة على ذلك فقد تسببت الأزمة المالية العالمية في عام 2008 بإفقاد أمريكا لشرعية وصفها برائدة السوق العالمي. ويضيف ويفر: “لم تعد الولايات المتحدة في حقيقة الأمر مهيمنة بما فيه الكفاية لتقوى على فرض نظامها”.
من الممكن عندئذ اعتبار أن فكرة التعددية القطبية ستغدو المفهوم الأكثر ملاءمة لاعترافها بالتحالفات المتغيرة والمتحركة، إلا أن هذا المفهوم لا يزال غير مرض لوصف بنى الأنظمة الدولية الراهنة. لذا فمنذ ذلك الوقت تشكل فكرة التعددية القطبية أمراً إشكالياً ضمن أي مجموعة دول بعضها أقوى من الآخر. بالتالي، فإن هذه المفاهيم غير ثابتة، ونحن بحاجة لتعريف جديد لما يحدث في ميزان القوى العالمي.
يتكون العالم حالياً وبشكل متزايد من العديد من القوى العظمى، مع اعتبار عدد أقل من القوى العظمى في عالم لا يعترف بأحادية القطب أو تعدد الأقطاب. ويوضح ويفر: “الجميع لا يعتبرون أنفسهم لاعبين عالميين، بل يتشبثون بمناطقهم، وغالباً ما يبدون اهتماماً بمناطقهم فقط، وقد نلحظ اهتمامهم في بعض الأحيان بالمناطق المجاورة، وقلما يبدون اهتماماً بالمسائل العالمية”. لذلك، في حال انتهى الصراع الدائر لإحراز المرتبة الأولى ضمن الترتيب العالمي، سنكون بحاجة لتعريف من نوع مختلف، وفهم مختلف لهذا التكوين العالمي الجديد.
ويخلص ويفر بالقول إنه في نهاية المطاف، يمكن إرجاع الكثير من هذه القضايا إلى الافتراضات الأساسية وطرائق التفكير. وفي السياق ذاته، يمكن اعتبار أن التكوين الحالي للسياسة العالمية يمر بمرحلة ما بعد الغرب من خلال ثلاث مناح مختلفة: في سياسات القوة التي لم تعد تتمحور حول الغرب؛ في تصنيف القيم الذي لم يعد يستند إلى إطار فهم أحادي؛ وأخيراً، في فهم نظرية العلاقات الدولية ومفاهيم الاستقطاب والأمن العالمي، حيث نشهد الآن دوراً أكبر للنظريات التي تنطلق من سياقات جغرافية وثقافية مختلفة لا تهيمن عليها طرائق التفكير الغربية.
يشتهر اوله ويفر بمفهوم “الأمننة” الذي اخترعه وبتطوير ما يشار إليه عادة باسم مدرسة كوبنهاجن للدراسات الأمنية. تشمل اهتماماته البحثية العلاقات الدولية ونظرية الأمن، وعلم اجتماع العلوم، والدين في العلاقات الدولية، وتغير المناخ، وتحليل الصراعات، ودور االهوية الوطنية في السياسة الخارجية. وكان لويفر العديد من المنشورات على نطاق واسع في مجال العلاقات الدولية ونظرية الأمننة. وتشمل أحدث منشوراته مساهمته بفصل في كتاب حيازة الخبرة الأمنية: الممارسة والسلطة والمسؤولية (روتليدج، من الإصدارات القريبة في 2015). ومقاله الصحفي الأحدث: “قانون النظرية: المسؤولية والدقة من وجهة نظر الأمننة” الذي نشر في مجلة العلاقات الدولية (2014).
المقال بقلم: سوزي ميرغاني، مدير ومحرر المطبوعات في مركز الدراسات الدولية والإقليمية.