التغيير الاجتماعي في إيران بعد حقبة الخميني – مجموعة العمل الثانية
عقد مركز الدراسات الدولية والاقليمية في الفترة 16-17 مارس 2013 مجموعة عمل ثانية في إطار مبادرة بحثية تحت عنوان “التغيير الإجتماعي في إيران بعد حقبة الخميني”، وقد اجتمع لفيف من العلماء والخبراء من مختلف التخصصات والتوجهات في الدوحة لمناقشة نتائج أبحاثهم واستقبال التعليقات والتعقيبات على أطروحاتهم البحثية الفردية استناداً إلى الجوانب البحثية التي نوقشت في الإجتماع الأول لمجموعة العمل.
بدأ الباحثون المناقشة بتحديد النظريات التقليدية ذات الإشكالية الخاصة بالقومية المحلية وتقييم آليات القومية المستحدثة فى الجمهورية الاسلامية، حيث استخدم العديد من القادة بعد حقبة الخميني عملية غرس الهوية الوطنية والدينية في نسيج الوعي القومي من أجل تطوير الأيدلوجيات بين الناخبين في دوائرهم الانتخابية وحشد الدعم لسياساتهم الخاصة. وعلى الرغم من ذلك، فان عناصر الهوية القومية والدينية التى تحدد النزعة القومية لا تبدو موحدة فى جميع أنحاء إيران حيث إنها قد تختلف تبعاً لاختلاف تكوين الهوية مثل الوضع الاجتماعى والاقتصادى والعرقى.
وتناول المشاركون، أثناء مناقشة الجوانب النظرية والتطبيقية لحقوق الانسان فى إيران، مشكلة زيادة إضفاء الصبغة السياسية على مصطلحات حقوق الإنسان. ففى أعقاب الحركة الخضراء التي شهدها عام 2009، وُجهت إلى المحتجين تهم استناداً إلى استخدام خطاب حقوق الانسان لتعزيز موقفهم. وفى الآونة الاخيرة، قام القادة السياسيين باضفاء صبغة من الشرعية على مصطلح “الحقوق الاساسية” من أجل مواجهة الخطاب الغربى لحقوق الانسان. ويتضمن مدى المفهوم الايرانى للحقوق الاساسية عناصر المفاهيم المعيارية العالمية المحددة لحقوق الانسان والتي كانت من القضايا المثيرة للجدل أثناء الاجتماع. كما ناقش العلماء باستفاضة مدى تأثير ما قامت به الجهات الفردية والقوى الداخلية والعلاقات الجغرافية السياسية المنهجية من أجل إضعاف أو تقويض مسار تنمية حقوق الانسان فى الحياة العامة والخاصة في الجمهورية الإيرانية. وأبدى المشاركون أثناء حوارهم اهتماماً خاصاً بقضية حقوق المراة فى إيران، وذلك على اعتبار أن النساء يُمثلن جزءًا من عملية التاهيل الاجتماعى من خلال تصور القيادات الدينية في الجمهورية الاسلامى لدور المرأة الذي كان من شأنه أن يخدم المشروع الأوسع الذي يقضي بإنتاج مجتمع إسلامي مثالي، وظهر ذلك في العقوبات غير المناسبة التي تطبق على للنساء فى القانون الجنائي. وتشتمل التغييرات التى طرأت على قوانين جرائم الحدود والقصاص عناصر التفاوت بين الجنسين وتعكس جهود الدولة فى العقاب الأخلاقى للنساء فى إيران. بينما تعكس هذه القوانين السياسة المركزية للدولة والنظام القانونى المختلط فى ايران والهيكل القضائى الدينى الذي يّصّعب من إجراءات التنفيذ المحلي. كما أن المناقشات العامة الحالية بشأن الدية غير المناسبة والدعوة التى قام بها بعض علماء القانون والعلماء الرائدين على حد سواء حول التعويضات العادلة للمرأة تعكس تغيراً واسع النطاق داخل المجتمع الإيرانى، حيث إن مساهمة المراة وقيمتها للعائلة تعتبر مساويًا لقيمة الرجل.
يشكل تغيير مكانة المرأة ووضعها في المجتمع أمرًا محورياً في تحول الأسرة الإيرانية خلال حقبة ما بعد الخميني. ويشير التحول السكاني في إيران إلى أن انخفاض معدلات الانجاب مرتبطة بزيادة الاستثمار في تعليم الأطفال، وبالتالي، أدت زيادة معدلات التعليم إلى تضييق فجوة التعليم بين الجنسين وحولت الأسرة الإيرانية العادية إلى أسرة مناصرة للنمو والتحرر من القيود، كما صاحب وضع المرأة ومكانتها التي تحسنت داخل الأسرة زيادة الاستثمار في رأس المال البشري. وعلى الرغم من أن المرأة العادية في المناطق الحضرية بإيران تميل إلى أن تحظى بقدرٍ من التعليم والثقافة أكبر من نظرائهن الذكور، إلا أن معظم التحولات الأسرية الهائلة قد حدثت في المناطق الريفية بإيران.
كما قامت الكاتبات النساء، في الوقت الذي يتم التفاوص فيه بشان العلاقات بين الجنسين في الأسرة، بإعادة النظر بشكلٍ تدريجي في هيكل الأسرة الإيرانية في أعمالهم الأدبية. كما أثيرت التساؤلات حول مفاهيم التزام المرأة الكامل بالأمومة ومناقشة قضايا مثل التبني في الأعمال الأدبية الإيرانية للمرة الأولى، ويتمثل الموضوع الرئيسي في أدبيات المرأة في قضايا المنطقة والتحرك، حيث إن النساء يعتبرن أنفسهن بمثابة سجناء لقضية التمييز بين الجنسين. كما أن هناك مجموعة من القضايا التي أثارت تساؤلات حول نظرة الدولة أحادية البعد للمرأة باعتبارها قائدة للنظام الاخلاقي العام وهو ما لا تسعى إليه النخبة من النساء الايرانيات كما كان الحال في فترة ما قبل الثورة، وتبددت هذه الحركات من جانب النساء ذوات الخلفيات الأيدلوجية والاجتماعية والاقتصادية المختلفة في الفترة المعاصرة.
كما ناقش المشاركون مظاهر التحول في أشكال أخرى من الإنتاج الثقافي مثل موسيقى البوب والأفلام الإيرانية الأصلية، بينما اعتبرت الحكومة التي أعقبت الثورة الإيرانية الموسيقى واحدة من أكثر أشكال الفنون إثارةً للجدل، ولذلك فرضت قيوداً مشددة على موسيقى البوب في عرضها على المشهد الإيراني العام بسبب القيود التي فرضتها الدولة في فترة ما قبل الثورة والدلالات الغربية التي تتعلق بالأسلوب. أما في إيران المعاصرة، فتشهد موسيقى البوب انتعاشاً تدريجياً وتحظى بموافقة من الدولة، وقد صاحب هذا التغيير تطوراً في شكل ومحتوى ومضمون الموسيقى، والتي لم تعد بحاجة مستمرة إلى تناول موضوعات إسلامية بشكلٍ مكثف.
وحازت سينما ما بعد الحداثة، متمثلة في السينما الإيرانية المستقلة، على التقدير والاهتمام المحلي والعالمي على السواء. وبعد أن رفعت الدولة الحظر عن السينما في إيران المعاصرة، فإنه عادةً ما يتم توزيع وعرض الأفلام في مناطق خاصة أو في الخارج أو على شبكة الانترنت. وفي ضوء المناقشات الإعلامية الرئيسية ذات الإسناد العالمي حول الجمهورية الإسلامية، فقد مكن المحتوى البسيط والإنساني للأفلام الإيرانية السينما المستقلة من تقديم رؤية إجتماعية وثقافية على إيران المعاصرة.
وناقشت المجموعة تداعيات العلاقات السياسية بين الولايات المتحدة وإيران بشان تجارب المهاجرين الإيرانيين في الولايات المتحدة، ونظرًا للبيئة السياسية العدائية التي أعقبت أزمة الرهائن الإيرانية، فقد واجه الجيل الأول من المهاجرين الإيرانيين في الولايات المتحدة صعوبات في استيعاب السياسة الأمريكية والمشاركة فيها. وعلى الرغم من ذلك، فقد قام الجيل الثاني من الإيرانيين بدمج أنفسهم في نسيج الهوية الجديدة التي تربط التراث الإيراني وجذوره بهوية المواطنة الأمريكية. وعلى نحوٍ متزايد، تمثل الجاليات الإيرانية والإيرانيين الأمريكيين على وجه التحديد حلقات وصل ثقافية بين إيران والولايات المتحدة، مما يؤثر على التطورات في الداخل والدول المضيفة.
ويعكس تحول الأسرة الإيرانية إلى أسرة حديثة مناصرة للنمو عملية تحول المشهد الاقتصادي في إيران من اقتصاد تديره الحكومة إلى اقتصاد نامي متنوع. وفي نطاق ظاهرة أكبر، ناقش العلماء دور قطاع الشركات في إيران، حيث أثرت على قطاع الشركات في إيران عوامل رئيسية عدة مثل الخصخصة وإصلاح منظومة الدعم وفرض عقوبات خارجية . ويقصد بعملية الخصخصة أن الحكومة لم تعد تلعب دوراً مسيطراً في قطاعات الشركات الإيرانية، حيث إن الجهات المستفيدة من هذه العمليات كانت مؤسسات شبيه بمؤسسات الدولة وأفراد يتمتعون بحرية الوصول إلى الشبكات والأصول الحكومية. كما أصبح القطاع الخاص المستقل في إيران موجه إلى الأنشطة التجارية بشكلٍ أكبر ويعمل أيضًا على توفير المزيد من فرص العمل في سوق العمل، هذا بالإضافة إلى تميزه بالاحترافية في العمل. وعلى الرغم من ذلك، أدى ظهور هذه المؤسسات الموازية إلى الحد من البيئة التنافسية في إيران. ففي العقد الأول من الثورة، كانت المنظمات شبه الحكومية مثل بونيادز بمثابة كيانات سياسية مسؤولة عن توزيع التبرعات الخيرية على الدوائر الانتخابية الفقيرة التي تنتمي إليها الطبقة الدنيا، مما يدفع هذه الفئات إلى التعبئة والحشد لدعم النظام. ومع ذلك، فقد أدت حقبة ما بعد الخميني إلى ظهور مؤسسات البونيادز وتطورها ضمن الكيانات الاقتصادية والسياسية الفاعلة في الدولة لتعمل باعتبارها كمؤسسات موازية لمؤسسات الدولة. وعليه، فإن تحول هذه المؤسسات إلى كيانات اقتصادية تدر أرباح تصل إلى ثلث اقتصاد إيران قد أعاق عملية المنافسة وقلصت نمو القطاع الخاص المستقل.
من المقرر أن يتم جمع هذه المبادرات البحثية والموضوعات المختلفة التي نوقشت والفصول التي قدمها وعرضها المشاركون والمساهمون في مجلد مطبوع شامل تحت عنوان “المجتمع الإيراني المعاصر”.
- انظر جدول أعمال الاجتماع
- يرجى القراءة عن المشاركين
المشاركون والمساهمون:
- زهرة بابار، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
- ناريدا شايلد ديماسي، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
- منوشهر دراج، جامعة تكساس المسيحية
- باربرا جيليس، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
- بيجان خاجهبور، عطية انترناشونال
- مهران كامرو، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
- فرزانة ميلاني، جامعة فيرجينيا
- سوزي ميرغاني، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
- منصور معدل، جامعة ميتشيجان الشرقية
- محمود مونشيبوري، جامعة ولاية سان فرانسيسكو
- رقية مصطفى أبو شرف، جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
- حامد نفيسي، جامعة نورثويسترن
- أرزو أوسنلو، جامعة واشنطن
- دعاء عثمان، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
- جواد صالحي – أصفهاني، معهد البوليتكنيك وجامعة ولاية فرجينيا
- ناهد سيامدوست، جامعة أكسفورد
- نادية تالبور، مركز الدرسات الدولية والاقليمية – جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
- لوتسيانو زكارا، جامعة جورجتاون كلية الشؤون الدولية في قطر
مقال كتبته دعاء عثمان، محللة أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية