نشأة مدن الخليج العالمية – مجموعة العمل الأولى
عقد مركز الدراسات الدولية والاقليمية في الفترة 5-6 أكتوبر 2013 مجموعة عمل استمرت لمدة يومين في إطار مبادرة بحثية تحت عنوان “نشأة مدن الخليج العالمية“، وقد التقى في هذا الحدث لفيف من العلماء من مختلف التخصصات والتوجهات إلى جانب خبراء متخصيين في التخطيط والتصميم الحضري ومهندسين معماريين لمناقشة الجوانب التاريخية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمتغيرات الحضرية فى منطقة الخليج الفارسي.
وقد أسفرت المناقشات بين المشاركين في مجموعة العمل عن ربط أحوال مجتمعات الخليج في الماضي والحاضر من أجل التوصل إلى تفسير نشأة المراكز الحضرية وتطورها في جميع أنحاء المنطقة. كانت مدن الخليج الساحلية، قبل ظهور الاقتصاد القائم على النفط، تعتبر “مدناً عالمية” ذات حدود ومناطق مائية تعمل بمثابة مراكز للتبادل الثقافى والاقتصادي، بينما تعتبر هذه المدن مدناً معاصرة متفاعلة باندماجها مع الشبكات العالمية، ومازالت هذه المدن تستضيف أعداداً هائلة من المهاجرين الأجانب من جميع أنحاء العالم، وقد تآكل هذا التنوع والاختلاف الذي حظيت به المدينة إلى الحد الذي جعل المشاركون يصفونه بأنه أصبح مجرد كيانات “منفصلة ومتفرقة”.
ومن الممكن إدراك جوانب هذه المظاهر والتطورات الحضارية الحديثة من خلال علاقتها بالأوجه التاريخية للعولمة. وكان النفط عاملاً هاماً وحيوياً للعولمة، فقد أدى اكتشافه الى تدفق شركات النفط العالمية إلى دول الخليج مما أدى بدوره الى توطين القوى العالمية الرأسمالية فى دول الخليج. وبدا هذا الأمر واضحًا فى ظهور المدن التي تزدخر بالشركات فى جميع أنحاء المنطقة، الأمر الذي أتاح الفرصة في استخدام أساليب جديدة في بناء المؤسسات والتخطيط الحضاري والعمراني في المنطقة. وقد قامت العديد من هذه المدن التي تزدخر بالشركات، مثل مدينة الأحمدي بالكويت والتي تقع بها شركة نفط الكويت، بتطبيق التمييز العنصري الاجتماعي والمكاني بين المقيمين بها على أساس العرق والمكانة المهنية والحالة الاقتصادية والاجتماعية. وقد أطلق بعض المشاركين على هذه المدن أنها بمثابة “مؤسسات رأسمالية استعمارية جديدة أنشئت في المنطقة”، وأن مدن الشركات هذه تحاكي في طبيعتها النسيج الحضرى المعزول للعديد من دول الخليج، مما يؤكد مدى الحاجة إلى فهم الكيفية التي أثرت ومازالت تؤثر بها الموروثات الاستبدادية والاستعمارية على نسيج منطقة الخليج.
إن التناقض بين صرامة الحاضر فى المدن الحالية مقارنة بحالة الحراك التاريخية التي شهدتها مدن الخليج الساحلية، يمكن مناظرته بالتوزاي مع تداعيات المدن التى تم التخطيط لبنائها مقارنةً بالمناطق الحضرية التي أنشئت بفعل الطبيعة. ومع ظهور مركزية الدولة، فقد تم إدخال خطط رئيسية للتصميم الحضري، وبالتالي فقد نجحت الدولة فى زيادة أعداد المهاجرين عن طريق استخدام الهندسة الاجتماعية والمكانية. ومن منطلق الاهتمام المتزايد بتقييم الاقتصاد السياسى لنظام الحكم في الدولة ومدى تاثيره على النسيج الحضري، فقد تؤثر الأطراف المعنية المختلفة من بينها الأنظمة الحاكمة والمؤسسات الحكومية والسياسية ومجتمع الأعمال وبعض الاستشاريين الأجانب والخبراء المتخصصين في التخطيط الحضري المحلي، بشكلٍ كلي على المظاهر الحضارية للدولة. كما أدت الاستراتيجيات القومية، مثل استراتيجة قطر 2030، التي تتخيل عملية الانتقال من الاقتصاد القائم على الموارد إلى الاقتصاد المبني على المعرفة ، إلى تطوير مشروعات واسعة النطاق تهدف إلى دمج المدينة بشكلٍ أكبر مع الشبكات العالمية لإقتصاد المعرفة. وتظهر هذه المراحل الانتقالية التي تقودها الدول بصورة جلية فى التنمية الاجتماعية والعمرانية ولكن بصور متفاوتة على مستوى المدينة، حيث تظهر مستويات متفاوتة من الاندماج العالمى في مناطق مختلفة، علماً بأن هذا التطوير تستفيد منه بشكلٍ كبير الطبقة الرأسمالية المتنقلة.
كما أدى التنوع والتحول من الاقتصاد القائم على النفط إلى تركيز العديد من دول مجلس التعاون الخليجى على تطوير قطاع السياحة. وقد شهدت مدن مثل دبى والدوحة تطوراً سريعاً لمناطقها أيضاً، وكذلك صناعة التراث والبيئة من أجل بناء مناطق جذب مصممة خصصيًا للاستخدام السياحي. وتتمثل الاشكالية الكبرى في الرؤية المحدودة للتاريخ الاقليمى والمحلي والهوية التى تجسدت فى صناعة التراث الناشئ، كالرؤية المحدودة التي مثلتها الأقليات الدينية والعرقية الأهلية التى تحويها المتاحف الوطنية فى مدن الخليج المعاصرة.
كما ناقش المشاركون أيضاً المناطق التي لا يشملها التخطيط الحضري. فعلى سبيل المثال، انتشرت في ميناء بندر عباس الصاخب الكائن في جنوب إيران، المستوطنات غير الرسمية على أطراف المدينة، بينما يبدو من الواضح أن بندر عباس يعتبر ميناءاً فياضاً نظراً لازدخاره بالأنشطة التجارية ووفرة العوائد الناتجة من الأنشطة التجارية غير المشروعة، إلا أن مظاهر الفقر وعدم المساواة هي السمات الغالبة التي تظهر فى المناطق العشوائية والمستوطنات غير الرسمية التابعة له. وعلى الرغم من ذلك، تهدف الخطط الدورية التي تعدها المدينة إلى تطوير هذه المستوطنات غير الرسمية وإضفاء الطابع الرسمي عليها من خلال دمجها داخل حدود المدينة. ومع ذلك، لا توفر عملية التطبيع سبلاً للمشاركة المجتمعية حيث إن الدولة المركزية مازالت مستمرة فى عملية تطوير التخطيط الحضري. وفي هذا الإطار، اتفق المشاركون على أن المشاركة المجتمعية فى التخطيط الحضري هو أمر في غاية الاهمية بالنسبة للاستدامة الاجتماعية للبيئة المبنية. وعلى النقيض من مدن الخليج في الوقت الحالي، فان شكل البيئة العمرانية الحالية فى مدن الشرق الأوسط التقليدية تشكلت من جانب المتسخدم النهائى وأثبتت أنها أكثر عضوية. وعلى الرغم من العزل الذي تشهده المدن المخططة عمرانياً في الوقت الحالي، فإن السكان فقدوا تدريجياً القدرة على المواجهة والمشاركة مع بعضهم البعض، وعلى الأخص فقدانهم للاحساس الحضري للمدينة. وعلى هذا النحو، فان القوة الاجتماعية المعارضة لأجندة أعمال التخطيط من القمة إلى القاعدة فحسب هى التى في استطاعتها تحقيق الاستقرار الاجتماعى فى هذه المدن التي تم التخطيط لها بالفعل. ففى دول الخليج، بدأت الجماعات المدنية فى الظهور فى محاولة منها لاستعادة المرونة الحضرية والمطالبة بحقوقهم فى المدينة، وتبلور هذه المحاولات الجماهيرية، إلى جانب الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها جميع أنحاء المنطقة، الصبغة السياسية للحيز العمرانى حيث أصبحت المدينة جزءًا لا يتجزأ من المنافسة السياسية.
- يرجى قراءة السير الذاتية للمشاركين
- انظر الجدول الزمني لمجموعة العمل
مقال كتبته دعاء عثمان، محللة أبحاث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية