الشرق الأوسط الرقمي: فريق العمل الأول
عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية الاجتماع الأول لفريق العمل الخاص بالمبادرة البحثية “الشرق الأوسط الرقمي” في 27 و 28 سبتمبر 2014. فقد التقى أكاديميون من تخصصات مختلفة لمناقشة نتائج بحوثهم وأوراقهم حول العالم الرقمي في الشرق الأوسط. وراوح الموضوع بين تأثيرات التكنولوجيا على الانتفاضات العربية والمعايير التي اعتمدتها الدولة لإدماج التكنولوجيا في الحياة اليومية.
ركز المشاركون في بداية المناقشة على كيفية تغير المشهد الاجتماعي- السياسي في العالم العربي بنتيجة انتشار الإنترنت. ففي بلدان مثل مصر وإيران، استخدم الشباب التكنولوجيا للتعبير عن سخطهم على الأنظمة السياسية والاقتصاد المرهَق والظلم الاجتماعي. وأدى نمط الاتصال اللامركزي في دول عربية عديدة إلى بروز حركات اجتماعية سهلت سقوط بعض الأنظمة وإضعاف بعضها الآخر. وفي بلدان خليجية مثل المملكة العربية السعودية والكويت أتاح إمكانُ إغفال الاسم للشباب أن يعبروا بوضوح عن أنفسهم على شبكة الإنترنت دون خوف من الانتقام. ونتيجة لذلك، لم تعُد التعبيرات السياسية معزولة في العالم الواقعي بل أُدرجت في شكل رقمي وصارت قادرة على عبور الحدود الفيزيائية والثقافية والوطنية.
لقد شجع تواصلُ الناس الفوري بواسطة وسائل الاتصال الاجتماعية التركيزَ الأكاديمي على أطر المشاركة المدنية وإنشاء المجتمعات المدنية الشاملة والعابرة للوطنية على الانترنت. ففي حالة مصر على سبيل المثال، أثّر النشاط عبر الإنترنت جذرياً على طبيعة خبرات التواصل منذ عام 2011. فقد كانت تغطية الأحداث السياسية قبل إنشاء منابر الاتصال ومشاركة الفيديو تعتمد بشكل كبير على التلفزيون والصحافة المطبوعة. أما خلال الربيع العربي فقد أتاحت وسائل الاتصال الاجتماعية في بعض الدول تغطيةً أكثر مصداقية للأحداث بسبب تأثير رقابة الدولة على وسائل الإعلام التقليدية. وخلال الانتفاضات العربية، تكونت المجتمعات الإلكترونية من خلال عمل أفراد صرفوا كثيراً من الوقت على الانترنت، لجمع ونشر معلومات مصيرية حاسمة من خلال مختلف المنصات الرقمية، من دون تعويض نقدي. كما أعرب المشاركون في المناقشات عن اهتمامهم بفهم كيفية تأثير طبيعة المعلومات النفوذة في العالم الرقمي على نظرية القيمة بالعلاقة مع العمل الحر.
وحرّضت أحداث الانتفاضات العربية أيضاً على تغيير أنماط السلوك السياسي لفئات اجتماعية مختلفة، وخاصة بين النساء. فقد أثبت الانخراط في المشهد الرقمي في الشرق الأوسط أنه تجربة تحررية أدت إلى تشكيل مجموعات بديلة توحدها قضية مشتركة كبرى لا تتحكم بها خصائص الجندر أو الطبقة أو العرق. بيد أن المكان الفيزيائي يظل ضرورياً لظهور الفعل المدني رغم إمكانية ظهور الحركات الاجتماعية مبدئياً على الإنترنت. فقد خرجت النساء خلال الانتفاضات إلى الشوارع جنباً إلى جنب مع نظرائهن من الذكور، ومع ذلك حدثت تحرشات جنسية وانتهاكات جسيمة أخرى في حالات عديدة خلال الاحتجاجات، مبرزة تفاوت السلوك الذي مازال قائماً في العالم الواقعي.
ومن المهم ملاحظة أن نشاط النساء على الإنترنت قد اتسع ليشمل اللعب وتطوير الألعاب. فالتقارير الأخيرة المنشورة حول استهلاك ألعاب الفيديو في أوروبا وأمريكا تبين أن ألعاب الإناث تتفوق في العدد كثيراً على ألعاب الذكور. وعدد اللاعبات الإناث يتجه نحو الارتفاع في الشرق الأوسط أيضاً، الأمر الذي يمكن إثباته من خلال ظاهرة الصفقات السنوية الخاصة بألعاب النساء في المملكة العربية السعودية. وقد لاحظ المشاركون في فريق العمل أنه على الرغم من استمرار وجود فجوة رقمية بين الجنسين، فقد أتاح التطور السريع للعالم الرقمي للمستخدمين أكثر من ركيزة لتشكيل خطابهم البديل حول الجندر في المنطقة.
ناقش أعضاء فريق العمل أيضاً الروابط بين ألعاب الفيديو والنشاط. فقد غدت ألعاب الفيديو مؤخراً مكاناً للّقاء عبر الفضاء الرقمي، حيث يرتبط أحد اللاعبين بالآخر في حيز غير مادي. وقد أظهرت المقابلات مع منتجي ألعاب الفيديو ومستخدميها أنهم لا يتصورن أن تلك الألعاب قد تؤثر على التفكير. إلا أن مبادرة الدولة في إيران بينت شيئاً آخر مع إطلاق مبادرات الكمبيوتر الإيراني ومؤسسة ألعاب الفيديو التي أنشئت بهدف إظهار الصورة الإيجابية للهوية الإسلامية من خلال ألعاب الفيديو. فالأمر التقليدي في ألعاب الفيديو التي تُنتَج في أجزاء أخرى من العالم غالبًا ما تصور الشخصيات الإسلامية على أنها شخصيات إرهابية وشريرة، في حين تهدف المؤسسة الإيرانية إلى تصوير الشخصيات الإسلامية في صورة أكثر ملاءمة، كما تعمل على تحسين اقتصاد ألعاب الفيديو من خلال دعم تطوير اللعبة المحلية. ويعدّ الوصول إلى ألعاب الفيديو في الشرق الأوسط عمليةً سهلة نسبياً نظراً لعدم وجود قوانين صارمة للحماية الفكرية. إذ تؤدي الطبيعة غير القانونية للنسخ المقرصنة إلى عدم وجود سجلات للمبيعات، مما يؤثر بدوره على جمع بيانات كمية حول الخصائص الديموغرافية للاعبين مثل العمر والجنس ومستوى الدخل والوقت المخصص للّعب. وقد دعت التساؤلات التي أثيرت في هذه المناقشات إلى مزيد من الأبحاث الكمية والكيفية الخاصة بلمحة عن حياة مستخدمي الألعاب واحتياجاتهم.
يخلق انتشار التعدي على الملكية الفكرية على نطاق واسع في الشرق الأوسط، نظراً لعدم وجود قانون موحد لحقوق التأليف والنشر، عدداً لا يحصى من القضايا المحيطة بهذا الموضوع. وبالنظر إلى أن عولمة ثقافة الإعلام لم تترافق مع وصول مكافئ لوسائل الإعلام، فقد صار الناس في الشرق الأوسط ينتهكون حقوق الملكية الفكرية دون أن يكون ذلك ملائماً أو كافياً. ومثل هذا السلوك يمكن أن يؤثر تأثيراً كبيراً على مصممي البرامج لأنه يعيق بيع المطورين منتجاتهم في سوق عادل. ومع ذلك أسهمت قرصنة البرمجيات إلى درجة كبيرة في تعليم الأجيال الشابة من خلال منحهم حرية الوصول إلى البرامج المكلفة التي يمكنهم أن يتعلموا منها ويتدربوا عليها.
ناقش أعضاء فريق العمل أيضاً الدور الذي لعبته الجهات الحكومية في الوجه المتغير للعالم الرقمي، باختيارها تطوير أنشطة مثل التجارة والحكم إلى أشكال إلكترونية. فقد دفع نموُ النشاط السياسي والنشاط عبر الإنترنت الدولَ، بطبيعة الحال، إلى إعادة التفكير في أساليب فرض السلطة، مما أدى إلى تشديد رقابة الدولة على مواقع التواصل الاجتماعي، كما حصل في إيران وتركيا. وقد أثار ذلك كثيراً من المناقشات حول الدور الذي تلعبه التكنولوجيا داخل هياكل السلطة القائمة في الدولة والمجتمع. وهذا السلوك التكنولوجي المبتكر في الشرق الأوسط يدل على تزايد إمكانية الوصول إلى الإنترنت واستخدامها، مع أن التحليل الإحصائي المتاح للفهم التام لهذه الظاهرة محدود.
لقد لعبت التجارة دوماً دوراً أساسياً في تعزيز ودعم مجتمعات الشرق الأوسط سواء تاريخياً أو في الوقت الحاضر. ومع تقدم التكنولوجيا، اتخذت التجارة شكلاً مختلفاً بالانتقال إلى التسوق عبر الانترنت. ففي عام 2013 استخدم ما يقرب من ثلث سكان دول مجلس التعاون الإنترنت للتسوق فقط ، أي بزيادة قدرها 7٪ عن العام السابق. كما امتدت تجربة التجارة الإلكترونية في الخليج إلى استخدام مختلف المنصات الرقمية، التي أنشئت في البداية لتبادل الصور وأغراض التواصل، لبيع المنتجات على الانترنت. لقد ساعد تطوير التكنولوجيا الرقمية في تغيير ثقافات الاستهلاك، ولكن الثغرات الواضحة في نموذج التجارة الإلكترونية، مثل الكفاءة والنمو، لا تزال بحاجة إلى الأخذ بالاعتبار والمعالجة.
لقد بُذلت محاولات في الخليج خلال السنوات الأخيرة لاستخدام التكنولوجيا كوسيلة لتحسين المعلومات وتقديم الخدمات للمواطنين من خلال الحكومات الإلكترونية. ولكن ثبت عملياً أن من الصعب تطبيق ذلك في القضايا الشفافة، الأمر الذي يتعارض مع التزام الحكومات المبدئي بشأن الحكومة الإلكترونية. كما طرح المناقشون إشكالية الطبيعة المركزية لدول الخليج على أنها عقبة أمام الحكومة الإلكترونية، لاسيما وأن المواطنين في كثير من الأحيان يشككون في مبادرات الدولة المختلفة، وغالباً ما يخشون المشاركة الكاملة مع الدولة وأجهزتها على الانترنت.
اقرأ ملخص السيرة الذاتية للمشاركين
كتبت المقال هيا النعيمي، محلل البحوث في مركز الدراسات الدولية والإقليمية