خلفية المشروع ونطاقه
يعتبر الأمن الغذائي مصطلحاً تقنياً يتصل على المستويين الجزئي والكلي بإمكانية الوصول إلى مصادر الغذاء الكافية اقتصادياً ومادياً واجتماعياً. ويتحقق الأمن الغذائي في بلد أو منطقة عندما يتمكن كل أو معظم الناس فيها من الحصول بانتظام على كميات كافية من الطعام المغذي. وتعتبر السيادة على الغذاء مفهوماً سياسياً، ويستخدم للدلالة على الملكية بدلاً من الوصول إلى الموارد الغذائية. يتم قياس السيادة على الغذاء لأمة ما من خلال مدى اكتفاء هذه الأمة ذاتياً من ناحية الغذاء، ومدى حيازتها موارد غذائية كافية لتلبية احتياجات سكانها، وباعتبار منطقة الشرق الأوسط واحدة من أكثر المناطق القاحلة في العالم، فإنها تواجه تحديات هائلة في الحفاظ على كل من الأمن الغذائي والسيادة على الغذاء. قد لا تكون بعض الدول في المنطقة منتجة أو مصدرة للزراعة، ومع ذلك فلديها مستويات من الجوع وانعدام الأمن الغذائي ونقص التغذية، أما الدول الأخرى الأكثر ثراء في المنطقة والتي تتباهى بمستويات عالية من الدخل، فقد لا تواجه مشاكل متعلقة بالجوع أو سوء التغذية، لكنها لا تزال تفتقر إلى الاكتفاء الذاتي في مجال الإنتاج الغذائي، وبالتالي تظهر مشكلة انخفاض السيادة على الغذاء فيها.
بدأت الدول الست في شبه الجزيرة العربية تشهد زيادة في “الفجوة الغذائية” في سبعينيات القرن الماضي، ويرجع ذلك إلى تزايد معدلات عدد السكان فيها، وكذلك نتيجة لارتفاع دخل الفرد، حيث أدت عائدات النفط إلى ارتفاع الدخل الذي أدى بدوره إلى تغيير أنماط الاستهلاك المحلية. وتعني زيادة الطلب على مختلف أنواع البروتين ومصادر الخضروات أن معدلات الاكتفاء الذاتي من الغذاء في المنطقة قد بدأت في الهبوط، وأصبح الاعتماد المتزايد على واردات الغذاء هو القاعدة. أدى هذا العجز في القدرة على الحفاظ على الاكتفاء الذاتي في مجال إنتاج الغذاء للسكان المحليين إلى أن تعتبر العديد من حكومات دول مجلس التعاون نفسها في موقف محفوف بالمخاطر أو موقف من “انعدام الأمن الغذائي”. نتيجة لذلك، فقد تم إطلاق العديد من المبادرات السياسية المختلفة لتطوير آليات استراتيجية للحد من الاعتماد على الإمدادات الغذائية الخارجية.
بدأت المملكة العربية السعودية في منتصف سبعينيات القرن الماضي بتنفيذ مخططات الاكتفاء الذاتي الزراعي المحلي، وخاصة بالنسبة لزراعة الحبوب، وقد تم تطويرها لدرجة أن المملكة قد أصبحت سادس أكبر مصدر عالمي للقمح خلال الثمانينيات من القرن الماضي. وقد تحقق هذا الإنجاز بتكلفة كبيرة، ما أدى إلى استنزاف المياه الأحفورية غير المتجددة لاستخدامها لأغراض الري، بالإضافة إلى ارتفاع بعض التكاليف الأخرى من الناحيتين المالية والبيئية، ما أدى إلى استنتاج مفاده أن الحفاظ على إنتاج الحبوب المحلية هو أمر غير مجد اقتصادياً وغير مستدام بيئياً. وبحلول أواخر الثمانينيات بدأت المملكة العربية السعودية بالتراجع عن برامجها الزراعية، ولم تتم محاولة تنفيذ مثل هذه المخططات على أي نطاق في الدول الأخرى في مجلس التعاون، ليس فقط بسبب عدم وجود مصادر مياه متاحة، بل بسبب عدم وجود كتلة أراضي صالحة للزراعة ويمكن استخدامها للأغراض الزراعية.
لقد تزايد في العقود اللاحقة الاعتماد على واردات المواد الغذائية في دول مجلس التعاون بشكل كبير، وسوف يستمر هذا الاعتماد في التزايد مع زيادة عدد السكان. وثمة قلق سياسي كبير بين سلطات دول مجلس التعاون من أن التضخم في أسعار الغذاء في سياق ترتيب الدولة الريعية يمكن أن يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية وزعزعة الاستقرار السياسي، وتتمثل المخاوف الإضافية بالفئة الأكثر تضرراً من ارتفاع تكاليف المواد الغذائية وهم العمال المهاجرين من ذوي الدخل المنخفض وهم الفئة المهيمنة ديموغرافياً في المنطقة، حيث يمكن أن يؤدي هذا إلى التحريض والتسبب في عدم استقرار اجتماعي.
لقد أحيا التسارع في ارتفاع أسعار المواد الغذائية منذ عام 2006 بسبب ارتفاع معدلات التضخم، القلق والاهتمام بمعالجة قضية الأمن الغذائي على مستوى المنطقة كلها. وقد تم اتخاذ مجموعة متنوعة من الاستجابات من قبل الحكومات الإقليمية، بما في ذلك إطلاق برامج لمعالجة عدم استقرار السوق والتضخم والاستثمار في البرامج الزراعية المحلية باستخدام تقنيات مبتكرة ومبادرات مثيرة للجدل لتطوير الاستثمار الزراعي في الخارج.
وعلى الرغم من الأهمية الإقليمية في مجال الأمن الغذائي والسيادة على الغذاء، فثمة ندرة في المعلومات المتوفرة حول هذا الموضوع. ومن المعروف على نطاق واسع أن هناك نقصاً في البيانات المتوفرة حول هذا الموضوع ما يشكل أساس التحليل السليم. تعني ندرة البيانات وعدم موثوقيتها أن العمل الأكاديمي في موضوع الأمن الغذائي في هذه المنطقة لا يزال محدوداً أو غير موجود. ويعد البحث العلمي في هذه القضية قيماً وفي الوقت المناسب، لذلك، فقد أطلقنا مبادرتنا البحثية الجديدة حول الأمن الغذائي والسيادة على الغذاء في منطقة الشرق الأوسط. وقد عقد مركز الدراسات الدولية والإقليمية عدة اجتماعات لفريق العمل لمناقشة هذا الموضوع.
يتمثل هدفنا بالمساهمة في المعرف الموجودة حول الأمن الغذائي والسيادة على الغذاء في المنطقة من خلال دعم الأبحاث الأصيلة حول هذا الموضوع. سوف يمول مركز الدراسات الدولية والإقليمية مشاريعاً بحثية أصيلة تستند إلى التجريب لمعالجة الثغرات الموجودة في الأدبيات. في ظل هذه المبادرات الأوسع نطاقاً يقدم مركز الدراسات الدولية والإقليمية منحاً، ويوفر منتدى علمياً لدراسة مجموعة متنوعة من القضايا المتعلقة بالأمن الغذائي والسيادة على الغذاء في منطقة الشرق الأوسط. ومن خلال الاجتماعات البحثية الدورية التي يرعاها مركز الدراسات الدولية والإقليمية، يتمكن الحاصلون على المنح من مشاركة نتائج بحوثهم مع غيرهم من الأكاديميين وصناع السياسية والممارسين.
المقال بقلم زهرة بابار، مدير البحث المساعد في مركز الدراسات الدولية والإقليمية